Tuesday 16th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    25-Apr-2017

ثلاثة شعراء.. في سهرة واحدة! - د. زيد حمزة
 
الراي - الاول هو أمل دنقل الشاعر المصري الذي هتفتْ الجماهير بشعره في المظاهرات الحاشدة ضد الحكم المطلق وحزب الحكومة ومن اجل الخبز للفقراء، وصرخ في وجه السادات بقصيدته الرائعة لا تُصالحْ وقد غيبّه الموت في عمر مبكر عن 43 عاماً، والثاني عبد الرحمن الابنودي الذي ربما يكون الاشهر عند المصريين منذ اواسط القرن الماضي فقد نظم الشعر السياسي والاجتماعي والغنائي واكثره بالعامية (السيرة الهلالية نموذجاً) فهو من مواليد 1938 في أبنود/ محافظة قنا أي نفس المحافظة التي تنتمي لها قرية القلعة التي ولد فيها رفيق عمره أمل دنقل عام 1940 فهما صعيديان! وقد ردد الناس في مصر وكل البلاد العربية مانظمه من أغان شعبية وعاطفية جميلة لكثير من المطربين والمطربات، أما الثالث فهو مُجايلهم الشاعر المصري فاروق شوشة المولود عام 1936 الذي حاورهم على شاشة التلفزيون المصري ذات مساء اواخر السبعينات في برنامج ثقافي أعيدت أحدى حلقاته قبل أيام واستغرقتُ طويلا بما دار فيها من حديث أعي تماماً خلفيته السياسية بالنسبة لكل من دنقل والابنودي فقد عايشت بعض تلك الحقبة من تاريخ الحراك السياسي في صفوف طلبة الجامعات المصرية خصوصاً بعد ثورة 23 يوليو 1952، كما أعرف محددات الحوار فيما تلاها من سنوات شهدتْ انحسار المد الوطني الناصري واستشراء الاضطهاد وكبت الحريات وقمع الرأي الآخر، وقد انعكس ذلك واضحاً في ابتعاد المحاور عن القضايا الوطنية الساخنة التي كانت تتفجر في مصر آنذاك، وفي تجنّبه طرح اي سؤال من شأنه ان يعكر صفو الرقيب! وبعد تلك السهرة الشعرية بوقت غير طويل توفي أمل دنقل أما عبد الرحمن الابنودي فقد واصل المسيرة وخاض معاركه الشعرية العارمة وشهد ثورة 25 يناير (2011)..
 
لقد ازددت يقينا من خلال الافكار الذكية التي افاض في شرحها باقتدار الشعراء الثلاثة، بالمنزلة الرفيعة التي يرقى لها الشعر كفن أدبي تعشقه الشعوب بكل ألوانه وأوازنه، وتأكد لي كم هي موهبة رائعة تلك التي يتحلى بها الشاعر الأصيل عندما يعبر عن ضمير الناس ومشاعرهم واحاسيسهم بما لا قدرة ((لناظم)) الكلام الذي يتوهم أن مجرد اجادة اللغة صرفاً ونحواً يمكن ان يخلق منه شاعراً وفناناً! ومن الطريف أن هذا الحوار قد تطرق بعمق وبساطة وصدق الى قضية مازالت محل خلاف الى اليوم حول العلاقة بين الفصحي والعامية، ولعل اكثر ما شدني هو رأي الابنودي إذ استهجن الدفاع عن الفصحى المصونة بالهجوم على العامية البريئة التي يشدو بها ملايين الناس في ترجمة امينة لخلجات قلوبهم حزنا أو فرحاً وفي التعبير العفوي عن فلسفتهم في الحياة وحكمتهم التي استنبطوها من ملاحم وسير ابائهم واجدادهم منذ الاف السنين، وللانصاف فان أياً من المتحدثين لم يجنح للانتقاص من جلال اللغة العربية الفصيحة بل دعَوْا الى مزيد من اقترابها بالعامية فهما شقيقتان لم تفترقا منذ كانت اللهجات العربية الاصلية المولودة من رحم السريانية والمرافقة للغاتٍ أخرى في المنطقة تدعى زوراً باللغات الساميّة، ولا فضل لاحداها على الأخرى الا بما أحرزت من تطور في استيعاب العلوم ومن تبادلٍ وتلاقحٍ فيما بينها أخذاً وعطاءً.
 
اسمحو لي في النهاية أن انفرد بالحديث قليلاً عن الابنودي الذي لم يبرح شاشات التلفزيون المصري في الايام المجيدة لثورة 25 يناير 2011 فعرفه الناس في الوطن العربي اكثر من سواه واكثر من اي زمن آخر، وإن أنس لا أنس ما قاله يوما حين سخر من ضجر المتفرجين (!) على الثورة وهم يستعجلون انتصارها السريع على طريقة الانقلابات: ( دي لسّه مش ثورة، دي بروفة الثورة، لان الثورة محتاجة عشرة أو عشرين أو ثلاثين سنة من الصعود والهبوط والنجاح والانتكاس وتحقيق المطالب وخيبات الامل حتى تصل الى بداية رحلتها الجديدة في بناء مجتمع الحرية والعدالة الاجتماعية).
 
وبعد.. لعلنا في هذه الايام الصعبة نتأسى بسيرة أولئك الذين شاركوا شعوبهم نضالها وغادروا هذا العالم قبل أن تكتحل عيونهم برؤية بعض احلامهم تتحقق، لكنهم كانوا واثقين بالمستقبل وبأن للمسيرة الطويلة في كل مرحلة بداية جديدة مشرقة.