Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    04-Dec-2021

خُلِقَ إِنْسَانًا

 الدستور-عادل علي جوده

تَسَلَّمْتُ بِالْأَمْسِ الْقَرِيبِ روايةً جديدةً تمثلُ كَنْزًا نَوْعِيًّا يُضَافُ لِرُكْنِ السَّرْدِ الْقَصَصِي في مكتبتي المتواضعةِ.
تُرَى مَنْ تَكُونُ صَاحِبَةُ الْمِدَادِ الَّذِي نَقَشَ حُرُوفَهَا؟
الْتَقَيْتُهَا لِلْمَرَّةِ الْأُولَى أَثْنَاءَ مُشَارَكِتِي فِي أُمْسِيَةٍ شِعْرِيَّةٍ تَجَمَّلَتْ بِأَنَاقَةِ إِدَارَتِهَا، وَتَعَبَّقَتْ بِأَرِيجِ مَا أَرْسَلَتْهُ فِيهَا مِنْ هَمَسَاتِ أَنْفَاسِهَا؛ كَانَ ذَلِكَ فِي دِيوَانِ الْهَرِيسِ الثَّقَافِي، في عَمَّانْ، بِتَارِيخِ 23 آب 2021م.
حقيقةً؛ لَقَدْ لَفَتَتِ الانْتِبَاهَ بِفَصَاحَةِ لِسَانِهَا وَحُسْنِ بَيَانِهَا، فَوَجَدْتُنِي أُتَابِعُ بِشَغَفٍ مَا تَنْثُرُهُ منَ إِضَاءَاتٍ جَرِيئَةٍ مُبَاشِرَةٍ بِأُسْلُوبٍ أَدَبِيٍّ رَاقٍ، وَبِمُفْرَدَاتٍ مُخْتَزَلَةٍ يليقُ بها الْقَوْلُ: خَيْرُ الْكَلَامِ مَا قَلَّ وَدَلْ»، فَكَانَتْ بِحَقٍّ مُبْدِعَةً أَكْثَرَ مِنَ الشُّعَرَاءِ أَنْفُسِهِمْ وَأَنَا وَاحِدٌ مِنْهُمْ.
وَلِذَلِكْ، لَمَّا انْتَهَتِ الْأُمْسِيَةُ وَجَدْتُ نداءً داخلي يَتَحَسَّسُ رَغْبَتِي فِي أنْ تُتَاحَ ليَ الفرصةُ كَيْ أحضرَ نَشَاطًا ثَقَافِيًّا تَكُونُ هِيَ ضَيْفَتُهُ الرَّئِيسةُ، وَقَدْ تَحَقَّقَ مُرَادِي؛ إِذْ وَصَلَتْنِي دَعْوَتُها لِأُمْسِيَةٍ لَهَا بِضِيَافَةِ النَّاقِدِ وَالرُّوَائِيِّ الْكَبِيرِ أَحْمَدِ الْغَمَّازْ، وَرُغْمَ أَنَّ الْمَوْعِدَ جَاءَ مُصَادِفًا لِمَوْعِدِ سَفَرِي فِي 30 آب 2021م، إِلَّا أَنَّنِي لَمْ أَتَرَدَّدْ لَحْظَةً فِي تَأْجِيلِ السَّفَرِ، وَبِالْفِعْلِ أَجَّلْتُ السَّفَرَ، وَحَضَرْتْ.
 
حَضَرْتُ أُمْسِيَةً عَامِرَةً بِالْفِكْرِ النَّيِّرِ وَالبَصَمَاتِ الْفَرِيدَةِ مِنْ خِلَالِ رُدُودِهَا عَلَى الرُّوَائِيِّ أَحْمَدِ الْغَمَّازْ؛ الَّذِي اسْتَطَاعَ بِتَسَاؤُلَاتِهِ أنْ يَسْتَنْهِضَ بَنَاتِ أَفْكَارِهَا، فَكَانَتْ إِجَابَاتُهَا تَرْسُمُ الْبَسْمَةَ دَاخِلِي لِمَا اتَّسَمَتْ بِهِ مِنْ جَمَالٍ يَكْسُوهُ الْأَلَقُ، فَفِي إِطَارِ الْحَدِيثِ عَنِ الْمَرْأَةِ رَأَيْتُهَا تَطْرَحُ مَفْهُومًا جَدِيدًا يَسْتَلْزِمُ الوُقُوفَ إِزَاءَه، قالتْ: «أَنَا لَا أُنَادِي بِتَحْقِيقِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ، إِنَّمَا أُنَادِي بِتَحْقِيقِ الْعَدْلِ فِي مَا يَتَّصِلُ بِهِمَا مِنْ حُقُوقٍ وَوَاجِبَاتْ».
تلكَ هيَ صاحبةُ «خُلِقَ إِنْسَانًا»، وَوَقْفَتِي هَذِهِ مُجَرَّدُ إِشْعَارٍ لَهَا بِاسْتِلَامِي لِرِوَايَتِهَا الَّتِي لَمْ أَقْرَأُ فِيهَا (وَأَقُولُ فِيهَا وَلَيْسَ مِنْهَا) سِوَى بِضْعِ صَفَحَاتٍ فَقَطْ، وَبِالتَّالِي سَتَكُونُ لِي وَقْفَةٌ أُخْرَى بَعْدَ إِتْمَامِ قِرَاءَتِهَا بِحَوْلِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
أُولَى الصَّفَحَاتِ الَّتِي قَرَأْتُهَا تلكَ التي تحملُ الإهداءَ الخاصَّ الذي خَطّهُ يَرَاعُهَا عَلَى نَحْوٍ عَالٍ مِنَ الْإِحْسَاسِ الدَّافِئِ الَّذِي رَأَيْتُهُ يَجْرِي فِي شَرَايِينِ حُرُوفِهَا وَيَنْسَابُ فِي ثَنَايَاهَا، قَالَتْ فِي إِهْدَائِهَا: «إِلَى الدُّكْتُورِ الصَّدِيقِ: عَادِلْ جُودَهْ يَهِلُّ الْإِبْدَاعُ مَا إِنْ لَاحَ الْحَرْفُ لِسُمُوِّ فِكْرِكَ وَرُقِيِّ ذَائِقَتِكْ .. تَقْدِيرِي وَاحْتِرَامِي لَكُمْ دَائِمًا ...»
وَثَانِيَتُهَا تِلْكَ الصَّفْحَةُ الْخَاصَّةُ بِالْإِهْدَاءِ الْعَامِّ، فَمَاذَا قَالَتْ؟
قَالَتْ:
«إِلَى كُلِّ مَنْ وَصَمَهُ الزَّمَانُ بِعُسْرِ الْحَالِ، فَاخْتَارَ مُعْتَنِقًا كِسْرَةَ خُبْزٍ عَلَى كِتَابْ.»
«إِلَى كُلِّ مُؤَسَّسَةٍ تَرْعَى حُقُوقَ الطُّفُولَةِ، وَتَحْمِيهَا، شُكْرًا؛ وَلَكِنْ لَا يَكْفِي.»
«إِلَى كُلِّ مُحْسِنٍ كَرِيمٍ ذِي قَلْبٍ رَحِيم ٍ، أَمَاطَ الْأَذَى عَنْ رُوحِ مَكْرُوبٍ، وَلَوْ لِبُرْهَةٍ مَنَ الزَّمَنْ.».
هَكَذَا جَاءَ الإِهْدَاءُ عَلَى هَيْئَةِ لَوْحَةٍ فَنِّيَّةٍ رُسِمَتْ بِإِحْسَاسِ إِنْسَانَةٍ حَبَاهَا اللهُ لَيْسَ فَقَطْ بِهَالَاتِ نُورٍ تُجَلِّلُ خَلْقَهَا، بَلْ أَيَضًا بِفِكْرٍ نَدِيٍّ عَتِيقٍن وَقَلْبٍ صَفِيٍّ رَقِيقٍ، وَسَمْتٍ بَهِيٍّ عَذِيبٍ يَرْتَقِي بِهِ خُلُقُهَا.
وثالثتُها تِلْكَ الْخَاصَّةُ بِالشُّكْرِ الَّذِي جَاءَ عَلَى نَحْوٍ عَالٍ مِنَ الْإِبْهَارِ؛ إِذْ قَالَتْ:
«الأشْيَاءُ الَّتِي لَا يُعَبَّرُ عَنْهَا بِالْكَلِمَاتِ، نُدْرِكُهَا بِالصَّمْتِ»
«ثَمَانِيَةٌ وَعُشْرُونَ حَرْفًا لَا تَكْفِي امْتِنَانًا وَثَنَاءً، لِمَنْ تَجَاوَزَ مَعِي مُحِيطًا مِنَ الْعَقَبَاتِ، لِنَصِلَ مَعًا إِلَى رَصِيفِ الدَّهْشَةِ. إِلَى مَنْ يَقْبَعُ الْكَوْنُ بِرِحَابِةٍ فِي اتِّسَاعِ صَدْرِهِ وَصَبْرِهِ؛ إِلَى شَرِيكِ الْحَيَاةِ وَمَا بَعْدَ الْحَيَاةِ؛ مُحَمَّدٍ؛ بُورِكْتْ».
إنَّهَا صَاحِبَةُ الكلمةِ الْمَوْزُونَةِ واللَّفْتَةِ المَهِيبةِ، الرُّوَائِيَّةُ الَّتِي لَطَالَمَا عَبَّقَتْ مِنَصَّاتِ صُرُوحِ الثَّقَافَةِ وَالْأَدَبِ بِأَرِيجِ مُشَارَكَاتِهَا،
إِنَّهَا عَنَانْ مَحْرُوسْ، وَإِنِّي لَأَفْرِدُ لَهَا كَفَّ يَمِينِي عَلَى مَوْضِعِ الْقَلْبِ مِنً صَدْرِي تَقْدِيرًا وَاحْتِرَامًا.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكْ، أَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا أَنْتْ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكْ.