Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    10-Sep-2020

مرة أخرى… محمود درويش وسليم بركات

 القس العربي-شكيب كاظم

 يوم كتب الشاعر والروائي الكردي السوري سليم بركات، بعضا من ذكرياته مع صديق العمر؛ الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش (أغسطس/ آب 2008) كاد هذا الحديث يُقرأ من غير أن يثير هذا الفيض من الجدل والنقاش والردود، لولا أن ورد في ثنايا الحديث، أن محمودا أخبره مرة وبشكل عابر، أن له بنتا من إحدى النساء؛ إنه تلقى خبرا عن أبوته على الهاتف، لا تأكيد ولا نفي، باح له صديقه الراحل محمود درويش (ببرود) أو ربما لم تعنه (أبوة) يتلقفها من صوت امرأة على الهاتف، ولم يتعد الأمر خبرا سمعه درويش عن طريق الهاتف، فأسمعه صديقَه سليم بركات».
هذا الأمر أثار حفيظة بعضهم، واهتزت مواقع التناشز والتقاطع بالردود، فضلا عن العديد من الصحف، وقد استغل بعض هؤلاء ما توفره هذه المواقع من تفلت في الكتابة وسخف القول.
ردود ومناقشات، بعضها هادئ ورصين، وبعضها الآخر منتفخ الأوداج، حتى يكاد الزَبَد يتطاير من فمه غضبا وحنقا، والشر والشرر من عينيه.
فرحت- أولا- لهذا الفيض من النقاش وطرح الرأي، فهذا دليل على أننا نقرأ، إذن من أين جاءت مقولة إن العرب لا يقرأون، وإذا قرأوا لا يفهمون، وإذا فهموا فسرعان ما ينسون؟ لكن وجلت وأسفت أن الكثير من هذه الكتابات، ذهبت إلى التنكيل والتجريح الشخصي، ناعتين سليم بركات، بأنه ما احترم العلاقة الطويلة والصداقة مع درويش، فكيف أجاز لنفسه أن يخدش بتولية محمود درويش، كيف يشوه تاريخه، ويفتري عليه ويجعله يضعف وينام مع امرأة؟ كما أثرتُ أنا حفيظةَ أديب عراقي، كتب عن بتولية جبران خليل جبران، وطهريته وبيورتانيته، وإنه ما اقترب من امرأة، طوال عيشه في الولايات المتحدة الأمريكية؛ بوسطن ونيويورك تحديدا، وحتى حين أوفدته السيدة الأمريكية ماري هاسكل، إلى باريس مدة سنتين لدراسة الرسم، في حين أن استقرائي لحياة جبران، من خلال أوراقه الخاصة ورسائله، التي درسها الشاعر الفلسطيني الراحل توفيق الصايغ في كتابه المهم «أضواء جديدة على جبران» الصادرة طبعته الأولى سنة 1966.
إن قراءتي المتفحصة لهذه الرسائل الشخصية والأوراق الخاصة، تؤكد عجز جبران الجنسي، فالبتولية ليست سلوكا خُلُقيا مختارا، بل هي سلوك خُلْقي مجبر عليه.
أقول: انصب الاتهام، إن سليم بركات يخدش سمو أيقونة شاعر المقاومة الفلسطينية! فكيف لشاعر»سجل أنا عربي»و»ليس للكردي إلا الريح تسكنه ويسكنها، وتدمنه ويدمنها، لينجو من صفات الأرض والأشياء» و«إرحمونا من حبكم القاسي» طالبا من النقاد والقراء أن لا يقرأ شعرهم ويدرس بتقديس، بل بواقع الحال، وتأشير ما فيه من ضعف، والنص على ما فيه من سمو وتألق.
كما استغل بعضهم هذه القضية، لكي يكيلوا التهم لروايته «ماذا عن السيدة اليهودية راحـــــيل؟» بوصــفها رواية تطبيعية، وهو يدافع عنها بوصفها رواية تتحدث عن يهود مدينته (القامشلي) الممنوعين من السفر، الممنوعين من مغادرة مدينتهم، وبيع ممتلكاتهم، وتحويل أموالهم، ودراسة دينهم في المدارس، كيف يستطيع إنسان أن يحيا في ظل هذه الممنوعات؟
وإذ كتب آخرون عن توهجات شاعرنا الجواهري الكبير، الذي انتظرنا عشرة قرون كي يجود الزمان علينا به، وتوقه الطاغي للنساء، فضلا عن السياب، قامت قيامة بعضهم وفار تنورهم، فكتب أحدهم ردا – أشهد أنه كان رائعا ديباجة وأسلوبا ومعلومات- لكن ظل يغترف من النهر ذاته؛ خدش الحياء والطهر والبتولية، مع أن شعر الجواهري الكبير طافح بالغزل والتشبيب والنسيب والذوب في النساء.
وهذا ما وجدته في محاولة بعضهم، الذب عن الشاعر الثائر المجاهد السيد محمد سعيد الحبوبي، وإن وصفه للخمر وتغزله بالنساء، هو محاولة منه للبرهنة على أنه يجيد النظم في الأغراض الشعرية كلها.
أقول: ما الضير أن يعشق الشاعر المحمل بأطنان المشاعر والأحاسيس، وفيض جارف من التشوفات والأشواق؟ وكيف نرتضي لبليد العقل وثخين الدماغ أن يحب، ونحرم على الشاعر أن يهوى وأن يدنف؟
الإنسان إنسان قبل أن يكون شاعرا أو أديبا، له عـــين تنظر وتهوى وتعشق، ومنذ سنوات قبلنا ما باح به أديب الثورة الفلسطينية؛ غسان كنفاني في رسائله الخاصة إلى القاصة والروائية؛ أيقونة دمشق غادة السمان، قبلنا ضعفه وتوقه، فلماذا غضبنا غضبتنا المضرية على سليم بركات؟
 
٭ كاتب من العراق