Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    06-Oct-2019

ما بعد أكتوبر 73..!*علاء الدين أبو زينة

 الغد-46 عاماً تمر اليوم على حرب (أكتوبر 1973)، وكأنها حدثت بالأمس. ويتذكر الذين عاشوا تلك الخبرة المشاعر المتعارضة بحدة التي رافقت مجريات الحرب التي استمرت 18 يوماً. كان بدء العرب حرباً مع العدو الصهيوني في حد ذاته حدثاً مدهشاً لا يُصدق. وبدا وكأن العرب قرروا أخيراً استعادة الكرامة المهدورة وتحرير فلسطين وأراضيهم المحتلة. وحلّقت مكاسب بداية الحرب بهذا الشعور؛ فقد عبرت القوات المصرية قناة السويس بنجاح وحطمت حصون خط بارليف، وتوغلت 20 كم شرقاً داخل سيناء، فيما تمكنت القوات السورية من الدخول إلى عمق هضبة الجولان وصولاً إلى سهل الحولة وبحيرة طبريا.

لكنّ تلك النشوة الأولى سرعان ما أخلت مكانها للصدمة والخيبة. ففي نهاية الحرب، كان جيش العدو قد فتَح ثغرة الدفرسوار على الجبهة المصرية، وعبَر إلى الضفة الغربية للقناة وضرب حصاراً على الجيش الثالث ومدينة السويس. وتمكن، في الشمال، من رد القوات السورية عن هضبة الجولان واحتلالها ثانية، بل إنه احتل نحو 500 كيلومتر مربع غير أراضي 67 من سورية. وفي يوم 24 تشرين الأول (أكتوبر)، كانت قواته على بعد 80 كيلومتراً من القاهرة، و40 كيلومتراً من دمشق.
مع ذلك، يحتفل بعض العرب بالمناسبة باعتبارها انتصاراً. ويستشهدون بـ”استعادة الكرامة العربية”، و”القدرة العسكرية العربية”، و”استعادة سيناء”، كأسباب للاحتفال. وقد أنشأ البعض معالِمَ ونصباً باسم (ستة أكتوبر) تخليداً للذكرى. ويضيف آخرون مثال الوحدة العربية الذي عرضته الحرب بمشاركة دول عربية بقوات أو معدات أو دعم مادي أو معنوي. كما يتحدث كثيرون، بفخر مخدوع، عن “تحطيم أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر” وتعافي العرب من العذاب النفسي لهزيمة 1967.
لكن تلك الحرب ينبغي أن تُقرأ كهزيمة كبيرة إضافية للعرب، والتي ينبغي الاعتراف بها وبتداعياتها والكف عن الخطابة الانتصارية الزائفة. أولاً، لم يستطع الجيشان، المصري والسوري، الحفاظ على مكاسب الأيام الأولى من الاشتباك، وسرعان ما انقلبت الأمور عليهما، كما تلخص النتائج المذكورة أعلاه عند نهاية الحرب. وسواء كانت مصر قد أساءت التنسيق مع السوريين، أو خدعتهم بشأن أهداف الحرب، أو توقفت قبل الأوان بحيث حولت الضغط عليهم، فإن هذه تظل تفاصيل فقط عند الحساب النهائي.
ثانياً، أدت هذه الحرب، وما تمخضت عنه من اتفاقيات السلام المصرية مع العدو، إلى إخراج أكبر وأقوى دولة عربية من دول الطوق من المعركة ضد الكيان الصهيوني. ويغلب أن إعادة أرض صحراوية مثل سيناء، مقابل تحييد مصر من الصراع، كانت مكسباً هائلاً للعدو. وقد فتح ذلك “السلام” الباب أمام التسليم العربي المتعاقب وخروج المزيد من المعركة. وكان ذلك مقدمة لما وصلت إليه القضية الفلسطينية اليوم – بل والتنسيق العربي العلني والسري مع الكيان.
ثالثاً، أظهرت نتائج الحرب أن العرب، حتى مجتمعين نسبياً كما كانوا، لم يستطيعوا إلحاق هزيمة نهائية بالعدو وتحرير قسم يعتد به من أراضيهم المحتلة. وكانت “الأرض” التي استعادها العرب مقابل “السلام” الذي منحوه للعدو صغيرة في الحقيقة مقارنة بما أخذه –ويأخذه- الكيان من العرب كل هذه العقود وعلى كل الأصعدة -وليس انتهاء بأرواحهم نفسها. وقد عززت تلك الصفقة المشاعر المحلية في مصر –أهم بلد عربي- بأن البلد استعاد ما له ودفع ما يكفي من الحصة مقابل قضية يراها البعض هناك ليست قضيته. وقد فكك ذلك التوجه عموداً أساسياً من أسس القومية العربية والتضامن العربي الضروري للمنافسة في عالَم التكتلات والقوى الكبرى التي استفردت بالجميع هنا بلا استثناء وأخضعتهم للهيمنة وقدر التبعية والتخلف.
رابعاً، لا معنىً عملياً للحديث “تحطيم أسطورة الجيش الذي لا يُقهر”، لأنه لم يُقهر إلا مرحلياً في تلك الحرب، وعاد سريعاً إلى التنمُّر على العرب جميعاً ولم يفقد ثقته بقدر ما استفاد من الدرس. وليست الفكرة أن ذلك الجيش لا يُقهر حقاً، وإنما لأنه لم يخسر حرب تشرين 73 كلها أمام العرب، وما يزال يحتفظ بكل شيء تقريباً: فلسطين المحتلة؛ والجولان السوري؛ وأراض لبنانية. بل إنه غزا لبنان ويضرب اليوم حيث يشاء في الأراضي العربية بلا عقاب. وبذلك كانت مرحلة ما-بعد-أكتوبر مرحلة استسلام رسمي عربي كامل، وأسوأ من مرحلة ما بعد 67 التي اتّسمت بالتحشيد والتعبئة ونية الاشتباك.