Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    23-Mar-2017

كم تطلبون لنا عيباً - أ. د. م. منذر حدادين
 
الراي - لم تأخذني الدهشة منذ بدأت قناة الميادين الفضائية بثها منذ بضع سنين كمثل ما أخذتني صباح يوم الثلاثاء الحادي والعشرين من شهر آذار 2017 عندما كنت كعادتي أرقب شاشتها لأستمع إلى آخر الأخبار قبل بدء يوم عملي. هالني ما سمعت من تعليل من لدنها يفسر لجوء الأردن إلى تحلية مياه من خليج العقبة تعقيباً على الحدث الذي به افتتح دولة رئيس الوزراء مشروعاً للتحلية في العقبة.
 
هالني ما سمعت من تبرير ساقته القناة بعيداً عن واقع الأمور. إذ ادعت القناة أن لجوء الأردن إلى تحلية مياه البحر هو استئثار إسرائيل بموجب معاهدة السلام بمياه نهر الأردن، وأضافت أن إسرائيل التي لا يقع فيها سوى 3% من مساحة الحوض الصباب استأثرت (نتيجة لمفاوضاتها مع الأردن) بكامل مياه النهر!
 
ولم تكن تأخذني الغرابة قبل ذلك الصباح من دأب قناة الميادين أن تغمز من قناة الدولة الأردنية، فميول هذه القناة السياسية واضحة لكل ذي عين، وكنت أعي ذلك وأطلب، على الرغم من عدم حياديتها السياسية، أطلب تقاريرها خاصة عن الأوضاع في سورية لمقارنة أقوال الصحافة والقنوات الفضائية الميالة للغرب بما تنقله الميادين من أخبار حولها. إلا أن غمز الميادين بقناة الأردن كان عاماً تنقصه البينات والتحاليل الموضوعية إلى أن كان هجومها يوم الثلاثاء المشار إليه. وغاب عن بال الميادين أو هي تجاهلت أموراً يجب ألا تفوت على قناة مثلها، وأورد منها:
 
أولاً: إن نصيب أي طرف مشاطئ لمياه دولية لا يعتمد على مدى مساهمة ذلك الطرف بمياه ترفد مجرى المياه الدولية. ولو كان الأمر كمثل ما ادعت الميادين لكان نصيب مصر من مياه النيل صفراً في الوقت الذي تستأثر مصر بما معدله 75% من تصريفه بعد حسم التبخر. ولو كان نصيب طرف كالعراق مثلاً يناسب مساهمته في تصريف نهر الفرات لكان نصيبه من ذلك النهر صفراً في حين يبلغ نصيبه 58% من تصريف ذلك النهر عند عبوره الحدود السورية مع تركيا.
 
ثانياً: ربما غفل أو تغافل المسؤول عن تحرير خبر الميادين أن كامل نهر الدان وهو أحد روافد نهر الأردن يقع بكامله داخل حدود إسرائيل عام 1948، وأن الجزء الأسفل من كل من نهري بانياس والحاصباني يقع داخل إسرائيل. وأن كامل بحيرة طبريا وما يتساقط عليها من مياه الأمطار يقع داخل إسرائيل. ولكن كل ذلك لا علاقة له باقتسام المياه بين الشركاء في الحوض.
 
ثالثاً: سها محرر خبر الميادين عما تستعمله سورية من مياه الحوض، فهي تستأثر بحوالي 180 مليون متر مكعب من موارد نهر اليرموك في الوقت الذي لا تتجاوز حصتها القانونية منه 90 مليوناً، كما سها أم تساها المحرر عما تستعمله الأراضي الزراعية اللبنانية من مياه الحاصباني وما تستعمله القرى في جنوب لبنان، وبإشراف حزب الله، من مياه رافد الوزاني.
 
رابعاً: اتفق العرب في دمشق عام 1992 وبإصرار من وزير خارجية سورية آنذاك السيد فاروق الشرع أن على كل طرف عربي «نزع شوكه بأصابعه» فيما يتعلق بمفاوضات الأطراف العربية مع إسرائيل. وأقول بملء الفم إن ما توصل إليه الأردن من نصيب تفاوضي حول مياه الأردن مع إسرائيل تجاوز ما نصت عليه تفاهمات سابقة عام 1955 بإشراف الولايات المتحدة. وأتحدى أياً من «خبراء» الميادين أن يأتي بغير ما أقول أو بأقل منه.
 
خامساً: لم أفهم علاقة العقبة التي ستستفيد فيها الصناعة من مشروع التحلية الذي افتتحه دولة رئيس الوزراء، لم أفهم علاقتها بمياه نهر الأردن، فلا العقبة ولا أي جزء من وادي عربه قريب من حوض نهر الأردن أو كان معتمداً على مياه نهر الأردن في اي حقبة من التاريخ. فما علاقة حاجة العقبة للمياه بنصيب المملكة من مياه نهر الأردن؟ ورب قائل: إن حصة الأردن من مياه النهر ربما أسعفت العقبة بالمياه، والعكس هو الصحيح. فلعلم الميادين وخبرائها (إن وجدوا) تبلغ حاجة الأردن للمياه زهاء 1500 متر مكعب للفرد سنوياً، وقد بلغ السكان فيها عشرة ملايين فتبلغ الحاجة عندها 15 بليون متر مكعب سنوياً، أي أكثر من عشرة أمثال كامل تصريف نهر الأردن. فما هذا الكلام غير المنطقي؟
 
سادساً: تنص محاضر الاجتماعات الأردنية الإسرائيلية المشتركة حول المياه أن ما يتم الاتفاق عليه بينهما هو أمر ثنائي لا يمس حقوق أي طرف مشاطئ آخر على حوض الأردن وخاصة الطرف الفلسطيني. ويعني هذا صراحة أن أمام سورية ولبنان وفلسطين مهام تفاوضية على حصة كل منهم من مياه حوض الأردن. وأضيف أن الخبراء الأردنيين مشهود لهم دولياً وهم على استعداد لدعم جهود إخوانهم السوريين واللبنانيين والفلسطينيين.
 
ويتضح مما سبق أن إسرائيل لم تستأثر بمياه نهر الأردن، وأن المملكة الأردنية استخلصت مياهها من غاصبيها كما أن أنصبة الأشقاء رهن بالتفاوض حولها. ولم يساوم الأردن على نصيب أي من أشقائه بل أودع حرصه على حقوقهم في محاضر الجلسات الرسمية وأهمها جلسة الثامن من آب عام 1994 في فندق موريا بلازا على شاطئ البحر الميت الغربي.
 
وكما أبدأت، لم تبلغ بي الدهشة مبلغاً من تطاول قناة الميادين على المواقف الأردنية وصلابتها، بل بلغت بي الدهشة مبلغاً صباح يوم الثلاثاء 21/ 3/ 2017 وعللت النفس بقول لأبي الطيب المتنبي رحمه الله:
 
كم تطلبون لنا عيباً فيُعجِزُكم
 
ويكره الله ما تأتون، والكرمُ
 
وعهدي بالوطنيين المخلصين دأبهم على توحيد الكلمة ورص الصفوف، لا أن يسارعوا إلى التشكيك بنوايا المخلصين وأهدافهم. وحبذا لو تم توجيه سهام الميادين إلى صدور أعداء الأمة ومناكفيها.
 
والله من وراء القصد.