Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    19-Jan-2018

صحيح البخاري: عبقرية التأليف لبيان عظمة السنة النبوية (1-3) - أسامة شحادة
 
الغد- يعدّ الإمام البخاري من الشخصيات المحورية في تاريخ الإسلام والبشرية، وما تزال جهوده العلمية والفقهية والفكرية – لليوم- تشغل الدنيا كلها، فالمحبّون له لا يتوقفون عن قراءة كتبه والاستفادة منها والسير على تعاليم النبي -صلى الله عليه وسلم- التي جمعها لنا، وبالمقابل فإن خصوم الإسلام يعرفون قدر البخاري ومنهجه وفكره ولذلك يتكالبون على الطعن فيه وتشويه سيرته ومسيرته، وليس لهم من عدّة في ذلك إلا الكذب والافتراء عليه أو التحريف والتزوير، وهم في ذلك يكرّرون شبهات ساقطة وقديمة جداً بثها حاقدون على الإسلام من أديان أخرى ثم لمّعها المستشرقون، واليوم يلوكها منظرو العلمانية والحداثة في مؤلفاتهم.
البخاري هو أحد كبار حفّاظ الحديث النبوي حتى لقب بأمير المؤمنين في الحديث، وهو فقيه معتبر، وله مؤلفات عدة من أهمها كتاب "الجامع المسند الصحيح المختصر من أُمور رسول الله صلى الله عليه وسلّم وسننه وأيامه"، المشهور باسم صحيح البخاري، والذي يعد أصح الكتب بعد القرآن الكريم.
تلقى السنة النبوية والعلم عن ألْف شيخ خلال رحلته الواسعة في طلب العلم، وتحصل له جمع 600 ألف سند لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم (الحديث الواحد قد يكون له عشرات الأسانيد، ويعد كل إسناد حديثا عند علماء الحديث)، وقد تتلمذ عليه كثير من علماء الحديث كمسلم بن الحجاج وابن خزيمة والترمذي، وهو أول من ألّف كتاباً في تاريخ رجال الحديث، وأول من ألّف كتاباً في حصر الأحاديث الصحيحة فقط.
هذه المؤهلات العظيمة لا تتوفر إلا لشخصية مبدعة وعبقرية، وقد بيّن تفاصيل ذلك الأستاذ الدكتور علي العجين في كتابه المتميز "الشرح التربوي لكتاب العلم من الجامع الصحيح للإمام البخاري" والصادر عن دار الحامد في عمان، والذي تكرم بإهدائي نسخة منه، والكتاب ثمرة خبرة علمية وخبرة عملية في دراسة وتدريس شخصية البخاري وكتابه لما يزيد على ربع قرن، تمكن فيها أ.د. العجين من تقديم دراسات متميزة حول البخاري تتمثل في:
1 - الإمام البخاري وكتابه "الجامع الصحيح" من منظور علم الإبداع.
2 - الفكر التربوي عند الإمام البخاري.
3 - نظرية التناسب والفكر المنظومي عند الإمام البخاري.
4 - شرح أحاديث كتاب العلم من صحيح البخاري، وركز فيه على البعد التربوي.
هذه هي فصول الكتاب المتميز، والتي كشف فيها أ.د. العجين عن أن البخاري كان شخصاً موهوباً وعبقرياً ولقي اهتماما ودعما من أهله ومعلّميه وزملائه، وعزّز ذلك بجدّه واجتهاده وبذله نفسه للعلم والتعلم والتعليم فوصل لهذه المنزلة العالية الرفيعة، ولخص د. العجين إبداع عبقرية البخاري في مربع يتكون من: سمات شخصية، معلم موجه، بيئة إيجابية، توفيق إلهي. 
وقد مزج د. العجين العلوم الحديثة حول الإبداع والموهبة والتفكير والتعليم مع شخصية البخاري كنموذج يكشف عنها، ويربط حاضرنا بماضينا، وأصالتنا بمعاصرتنا، وذلك في سياق مشروع أ. د. العجين "التكامل المعرفي بين السنة النبوية والعلوم العصرية" والتي جعل لها شعاراً هو "السنة منهج حياة الأمة"، ومن خلال تطبيق سمات الموهوبين ونظريات الإبداع على سيرة ومسار البخاري كما فعل د. العجين تتضح الحاجة الماسّة اليوم لربط ناشئتنا بعظمائنا وتعريفهم بجهودهم الكبيرة بطرق عصرية ووسائل جذابة، وتتضح الحاجة لضرورة رعاية الموهوبين من ناشئتنا ودعمهم حتى يبدعوا وينتجوا ويساهموا في إعمار الكون وقيادته نحو الحق والسعادة والرخاء كما فعل أسلافنا من قبل. 
أما بخصوص الإبداع والعبقرية في تأليف البخاري لصحيحه فهي تتمثل في الجوانب التالية:
أن البخاري قام بذلك بعد أن استجمع القدرات العلمية والمعرفية اللازمة، فقد باشر بجمع الصحيح بعد أن أتمّ حفظ القرآن الكريم وكثيرا من السنة النبوية والعلوم الضرورية من اللغة والفقه وغيرهما، وبعد أن ألّف كتابه العظيم في تاريخ الرجال.
كان تأليف كتب الحديث في زمن البخاري معروفاً ولكنه من عبقريته وموهبته وتوفيق الله له اقتنص فكرة طُرحت في أحد الدروس، قال البخاري: "كنت عند إسحاق بن راهويه، فقال بعض أصحابنا: لو جمعتم كتابا مختصراً لسنن النبي صلى الله عليه وسلم، فوقع ذلك في قلبي، فأخذت في جمع هذا الكتاب"، فالبخاري طوّر الفكرة وجعلها جمع السنن الصحيحة فحسب، فكانت إبداعا وعبقرية لم يعرف التاريخ لها مثيلاً لليوم. وهنا تظهر عبقرية الانتقاء لدى البخاري حيث كان يختار أصحّ الأسانيد وأعلاها والتي تجمع بين أعلى درجات التوثيق في الرواة والتصريح باللقاء بين الرواة، وتظهر عبقرية البخاري في تكرر الأحاديث لأن الحديث الواحد يتعلق بأكثر من باب فقهي ولكن غالباً يكون فيها فائدة جديدة إما في المتن بزيادة فائدة أو لفظة أو في السند فيرويه من طريق آخر ليشير لهذه الفائدة، وهو ما تكفل ببيانه شرّاح صحيح البخاري وخاصة ابن حجر في شرحة "فتح الباري" حيث فصّل كثيراً في بيان هذه الفوائد لتكرار الحديث.