Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    13-Apr-2017

الحاجة إلى ميثاق ثقافي عربي - د. صلاح جرّار
 
الراي - تمرّ الأمّة العربيّة بحالةٍ من الاضطراب والتشظّي والتناحر والتنازع عطّلت مسيرتها الحضارية وأوقفت عجلة تقدّمها، ومزّقت أوطانها وشعوبها إلى أشلاء، وعرّضت أراضيها للاحتلال والغزو، ومقدّراتها للنهب، وتراثها للتخريب والتدمير، وروحها للانكسار، وجعلتها مهدّدة بعواقب لا يعلمها إلاّ الله تعالى.
 
ولم تكن الثقافة في منأى عن هذه الحالة: أسبابها وأعراضها ونتائجها، فقد كانت الثقافة –بمعناها الواسع- عاملاً أساسياً في الوصول إلى هذه الحالة من التمزّق والتصادم، حين انطلق كثير من المتناحرين في مواقفهم وتحركاتهم من اعتبارات مذهبية وطائفية وعرقية وسواها، وحينما أعلنت دول معادية ودول عظمى غير مرّة أنّها تعدّ لحروب فكرية على العرب والمسلمين. وتجلّت هذه الحرب واضحة من خلال تبنّي تلك الدول طائفة دون طائفة ومذهباً دون مذهب ودعمها ضدّ الطوائف والمذاهب الأخرى.
 
ولا يغيب عن البال دور وسائل الإعلام المجنّدة لتعميق هذه النزاعات. وقد أسهم عدد غير قليل من المحسوبين على المشهد الثقافي في تأجيج هذه النزاعات وصبّ الزيت على النار. فيما وقف عدد كبير من المثقفين عاجزين عن مواجهة هذه التمزّق الذي واكبه ضياع الحقائق وسط لجج من الأكاذيب والأضاليل والتشوّهات الفكرية والثقافية، ممّا أدّى إلى الاستهانة بقيم الأمّة ومبادئها وأخلاقياتها.
 
ووصلت نيران هذه النزاعات والحروب إلى الإرث الثقافي للأمّة، فأصبح المساس بالمقدّسات أمراً مألوفاً فدمّرت المساجد والكنائس ودور العلم والمكتبات والآثار والمخطوطات، وأضحت العادات والتقاليد والأزياء وتراث الشعوب محلّ ازدراء وسخرية، فلم يعد الناس يستطيعون أن يلوذوا بأي موروث لهم بأمانٍ وحرية.
 
ومن نتائج هذه الحروب والنزاعات مصادرة الحريات الفكرية وحقوق الإنسان وامتهان كرامة الإنسان وعدم التورع عن قتل الأطفال والمدنيين والمرضى ودفع العقول العربيّة إلى الهجرة.
 
ومن هنا تصبح الحاجة ماسّةً إلى وضع ميثاق ثقافي عربيّ ينطلق من أهمية الثقافة في تحقيق تماسك الأمّة وتلاحمها وتوفيرها للمشترك الثقافي الجامع بين أبناء الأمّة، ويكون هدفه العمل على تحصين ثقافتنا العربيّة أوّلاً وتحقيق أمنها تمهيداً لتمكينها من أداء دورها في تماسك الأمّة ونهوضها الحضاريّ، ثمّ تحقيق الأمن الاجتماعي داخل المجتمع الواحد وبين المجتمعات العربيّة.
 
ولا بدّ أن يشمل الميثاق في حال إقراره تعزيز مكانة اللغة العربيّة في حياتنا بوصفها جامعاً مشتركاً بين أبناء الأمّة، واحترام التنوّع الثقافي، واعتماد الحوار بين العرب بديلاً عن الصراع، والمحافظة على التراث وعدم المساس بالمقدسات والآثار والمكتبات والمساجد والكنائس، واحترام الرموز الدينية والوطنية والقومية، والمحافظة على قيم الأمّة، ورعاية الإبداع والمبدعين وتوفير البيئة المناسبة لتطويرها، ودعم المؤسسات الثقافية، ومكافحة الأميّة، والانفتاح على الثقافات العالمية، وتشجيع الفكر النقدي والثقافة العلمية، وتحريم إراقة الدم العربيّ.
 
إنّ هذه العناصر والمطالب منتشرة في تراثنا العربيّ الأدبيّ والفكريّ والدينيّ بكثرة لكنّها بحاجة إلى مزيد من التذكير والتفعيل.
 
salahjarrar@hotmail.com