Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    19-May-2019

غزة الصائمة تُضمّد جراحها وتواصل الحياة

 الدستور - محمـد الرنتيسي

هلّ شهر رمضان المبارك، شهر الصيام والعبادة والطاعة.. جاء رمضان بطقوسه وعاداته الكاملة، وبنكهته الخاصة، ترافقه البهجة ويسبقه الإعداد والاستعداد.. بالتسوّق، وشراء مأكولاته المعهودة، من قطايف وبلح وحلويات.
الفوانيس الرمضانية، وحبال الزينة والأهلّة.. ترفع منسوب البهجة بحلوله، والطايف «تحلاية» يُذكر بها رمضان فقط.. وموائد الرحمن تزيد من أواصر التكافل والتسامح.. الطقوس هي ذات الطقوس، والنكهة ذاتها، فشهر رمضان الكريم في فلسطين، لا يختلف عنه كثيراً في بلدان العالم.. فهو شهر الرحمة، وفيه يزداد الإلتفات إلى المحتاجين، ولرمضان في نفوس الأطفال طعم خاص، حين يعيشون عاداته التي تكسر روتين الشهور.. في السحور.. والوجبات الخاصة، وصلاة التراويح.
القدس المحتلة، ليست على عادتها في هذا الشهر الفضيل، فأجواء القمع والتهويد لحرمها القدسي الشريف، اغتالت عاديّة الأيام، التي عادة ما كانت تترك بصماتها وتواقيعها على أسوارها، وتمضي.. تبدو وكأنها تقترب أكثر وأكثر، مرتبكة وحزينة ومطمئنة في آن، من معناها ومن جوهر روحها.. تبدو هذه الروح في أوج ثوبها أمام مشروع الإخفاء والإطفاء الطويل الأمد، تبدو القدس أقرب إلى النظر في مرآتها، كي ترى صورتها دون احتلال، ففيها من الحلويات ما يكفي لأيامها المُرّة.. وفيها من الفوانيس ما يبدد عتمتها.
في غزة، لرمضان طقوسه الخاصة، ومذاقه المختلف، طقوس متراكمة وعابرة للأجيال، تضفي على المكان روحاً مختلفة، يمتلىء بها الناس، فتطفو على وجوههم حباً وأمناً وسلاماً.. الزيارات والعزائم والولائم والمسحراتي، وغير ذلك كثير.
في شهر رمضان، اعتادت غزة على أن تتجمّل وتمتلئ حدائقها ومقاهيها وشوراعها بأناس يبحثون عن نكهة هذا الشهر الخاصة، وطقوسه المميزة، فتكتسب العلاقات الأسرية دفئاً خاصاً، وتمتلئ البيوت بالزوّار، وتتواصل السهرات حتى مطلع الفجر.
هكذا كانت، فهل أبقى الاحتلال فسحة لهذه الأجواء؟.. فغزة تصوم اليوم، تحت حصار خانق، وقصف و»غزوات» وحشية، بدأت مع حلول الشهر الفضيل، فأطفأت قذائف الاحتلال الملتهبة، فوانيس غزة، وناب دويّها عن المسحراتي في ايقاظ أهلها، وطغت سخونة الأحداث على سخونة قطائفها، بينما شلّ العدوان الاحتلالي الحركة التجارية والنشاط المعتاد للصائمين.
غزة الصائمة.. غزة الحزينة والقريبة من معناها، توّع شهداءها، شهداء رمضان الغرّ الميامين، وتحاول أن تواصل الحياة.. والخروج من «روتين» القصف وهدير الطائرات والدبابات، إلى سهرات رمضان الجميلة، وأجواءه الحميمة، وعيونها تتجه للإحتفاء بهذا الشهر كما يجب، والبحث عن ليالٍ رمضانية، خالية من أي دماء.. خالية من الشهداء والجرحى، وهادئة لا يبدد سكونها دويّ القذائف، والانفجارات.