Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    12-Oct-2017

الفوضى في واشنطن تدعو إسرائيل إلى الحذر - عاموس هارئيل
 
هآرتس
 
الغد- هذا ما زال العرض الأفضل في المدينة. لقد مرت تسعة اشهر تقريبا منذ أن ضرب إعصار دونالد ترامب واشنطن. واحيانا ظهر أن العالم بدأ يعتاد على وجبة الدراما اليومية. هجمة تغريدات في الصباح الباكر، تصفية حسابات متأخرة في تويتر زمن النوم واستقالة كل اسبوعين لموظف كبير في الادارة – يمكن بسهولة الادمان على الاثارة غير المتوقفة التي يزودنا بها اكثر رئيس غير عادي في تاريخ الولايات المتحدة. ولكن من قلب هذه الضجة يأتي مرة كل بضعة اسابيع تذكير بالأهمية الحقيقية لهذه الامور. وهذا كان شأن المقابلة التي اجراها في بداية هذا الاسبوع سناتور جمهوري هو بوب كوركر، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس، مع صحيفة "نيويورك تايمز". السناتور الذي أعلن نيته للاستقالة من الحياة السياسية في العام القادم، ازاح الستار وسمح للجمهور الأميركي بالقاء نظرة على ما يجري من خلف الكواليس، بين البيت الابيض وتلة الكابتول.
في تلك المقابلة وفي تصريح سابق لوسائل الإعلام طرح كوركر الادعاءات التالية: دونالد ترامب يدير الادارة وكأنها برنامج واقعي خاص به، هذا "المجرب"، حلف كبار المسؤولين – جون كيري وجيمس ماتيس ووزير الخارجية ريكس تلرسون – منشغل طوال الوقت في كبح الرئيس، الذي يمكن أن يدحرج كل الدولة إلى الفوضى. فتصريحات ترامب في مجال السياسة الخارجية مقلقة ويمكن أن تؤدي بخفة إلى اندلاع الحرب العالمية الثالثة.
كوركر قال إن سناتورات جمهوريين كثيرين يعتقدون كما يعتقد، لكنهم لا يشعرون بأنهم أحرار في التعبير عن آرائهم.
في الوقت الذي كان فيه ترامب منشغلا في اثارة وتحريض الرأي العام، ما اعتبر ترك مسبق مخطط له من قبل نائب الرئيس مايك تنيس الذي ترك مباراة كرة القدم بعد سجود اللاعبين احتجاجا على سماعهم النشيد الأميركي، كوركر اعطى تحذيرا شديدا من داخل التيار المركزي للجمهوريين. تصرف الرئيس، كما فهم من اقواله، يشكل خطرا واضحا وفوريا على السلام العالمي.
إسرائيل كانت وما زالت ساحة ثانوية بالنسبة للإدارة الأميركية. كوركر وآخرون قلقون في الاساس من تبادل الاتهامات بين الرئيس ترامب ورئيس كوريا الشمالية، كيم جونغ أون. ولكن موظفين وضباط إسرائيليين، لهم علاقات مستمرة مع نظرائهم في واشنطن، يجدون صعوبة في اخفاء تذمرهم من الاجواء الغامضة والفوضى التي ما زالت تلف نشاطات الادارة. وظائف هامة جدا لم يتم إشغالها بعد، ويبدو انه في حالات كثيرة ينشغل الموظفون في الادارة في الحفاظ على بقائهم الشخصي، ويحاولون عبثا توقع التصريحات القادمة للرئيس – التي يجب عليهم رسم السياسة الأميركية من خلالها. في الخلفية يكمن الخوف المشترك لكبار القادة في إسرائيل وفي الولايات المتحدة، وهو أن المشكلة التي تميز كل اجراءات الادارة يتم استغلالها بصورة سيئة من قبل لاعبين منضبطين واكثر دقة في موسكو وبجين وطهران.
الواقع الأميركي غير المسؤول بكل المقاييس يقتضي من إسرائيل أن تكون اكثر حذرا. رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في خطابات ونقاشات من خلف الكواليس يضغط على ترامب للعمل على الغاء أو تعديل الاتفاق النووي بين الدول العظمى وايران. الاتفاق الذي وقع في فيينا في صيف 2015 مليء بالعيوب، لكن مشكوك فيه اذا كان نتنياهو (أو أي زعيم آخر) يستطيع توقع كيفية تصرف ترامب في حالة مواجهة مع الايرانيين.
في نفس الوقت، الآمال التي تسمع كل مرة في اليسار الإسرائيلي، أن الرئيس الأميركي سيقوم بحل النزاع مع الفلسطينيين مرة واحدة وإلى الأبد، من خلال تسوية مفروضة على الطرفين، تبدو مدحوضة. فالإدارة حتى اليوم لم تظهر أي اشارة على طول النفس والتخطيط بعيد المدى والقدرة على التركيز، وهي الأمور اللازمة لنجاح هذه الجهود في المكان الذي فشل فيه أسلاف ترامب.
المصالح الأميركية
الرئيس الأميركي روزفلت وصف السياسة الخارجية الأميركية كالحاجة إلى "التحدث بلطف والامساك بعصا طويلة". ترامب يتحدث كل الوقت، وعلى الاغلب بشكل فظ، لكنه لم يوضح حتى الآن ما هو طول العصا التي يمسك بها، واذا كان ينوي استخدامها. الحماسة التي استقبلت بها في إسرائيل أيضا الهجمات الصاروخية ضد القاعدة الجوية في سوريا و"القنبلة الاكبر" التي القيت في يوم ما في نيسان الماضي في افغانستان، تلاشت منذ زمن. الولايات المتحدة أخلت فعليا الساحة السورية لروسيا وايران اللتان تفعلان فيها كل ما يخطر ببالهما. الاختبارات الاساسية التي تشغل الادارة تنتظر، كما هو معروف، في كوريا الشمالية، وبمستوى ما في إيران، التي يتابع زعماؤها باهتمام كيفية تعامل الولايات المتحدة مع كوريا الشمالية.
لقد قام ترامب بإرسال اشارات في الاسابيع الاخيرة حول نيته الاعلان عن أن اتفاق فيينا لا يخدم المصالح الامنية للولايات المتحدة. وحتى يوم الاحد القادم، 15 تشرين الاول، يتوقع أن يحول هذا الموقف إلى موقف رسمي. في هذه الحالة، الرئيس يحول للكونغرس القرار بشأن العودة إلى فرض عقوبات اقتصادية على إيران. ولكن التصريح الأميركي لا يلزم كما هو معروف الدول الاخرى – التي في معظمها اعلنت تمسكها بالاتفاق – وكذلك قدرة الادارة على تمرير عقوبات جديدة في الكونغرس، امر مشكوك فيه، بيقين بعد أن اختار ترامب الشجار مع كوركر، الذي للجنته دور مركزي في هذه العملية.
في هذه الأثناء أعلن وزير الدفاع الأميركي بأن الحفاظ على الاتفاق هو مصلحة أميركية، ورئيس الاركان المشتركة، جوزيف دينفورد، أعلن أن ايران لا تقوم بخرق الاتفاق (بالمناسبة، هذا أمر مختلف فيه، لأن الوكالة الدولية للطاقة النووية امتنعت عمدا عن التشدد باجراء فحص للمنشآت النووية الايرانية، التي يمكن أن يتبين أنها اشكالية). نيدي شيرمان التي ركزت علاقة وزارة الخارجية الأميركية على توقيع الاتفاق النووي في عهد ادارة اوباما، قالت في هذا الاسبوع إن ترامب سيرتكب "خطأ كبيرا" اذا تخلى عن الاتفاق النووي. وحسب شيرمان، ترامب محق في تشخيصه بأن نشاطات ايران تشجع على عدم الاستقرار في الشرق الاوسط، لكنه يخطئ في قوله إن هذه النشاطات تعارض روح الاتفاق النووي. وحسب اقوالها فإن تداعيات التخلي عن الاتفاق ستكون مدمرة لعلاقات الولايات المتحدة مع الاتحاد الاوروبي ومع الدول العظمى. وقد وجهت انتقادات كثيرة للادارة السابقة على الطريقة التي تمت فيها بلورة الاتفاق، من خلال تقديم تنازلات كثيرة لايران، لكن يبدو أنه سيكون من الخطأ تجاهل تحذيراتها.
في إسرائيل أيضا يمكن تشخيص الفجوة بين موقف المستوى السياسي والمستوى المهني حول ايران، على الرغم من أنه (بصورة شاذة) الخلاف هنا يدار بصورة داخلية جدا بعيدة عن الانظار. يمكننا التقدير أنهم في الجيش الإسرائيلي وفي الاجهزة الاستخبارية يعرفون العيوب في اتفاق فيينا (على رأسها الابقاء على قدرة ايران على تخصيب اليورانيوم وعدم وجود قيود على برنامج الصواريخ). ولكن في نفس الوقت، يدركون الاخطار التي تحدق بتخلي الولايات المتحدة عن الاتفاق.
رئيس الاستخبارات العسكرية السابق، الجنرال احتياط عاموس يادلين، بقي قريبا من كبار ضباط الجيش الإسرائيلي. وهو يعبر بين الفينة والاخرى في تصريحاته عن الاجواء السائدة في هيئة الاركان العامة وفي الاجهزة الاستخبارية. في المقال الذي نشره في هذا الاسبوع يادلين ورئيس معهد بحوث الامن القومي في جامعة تل ابيب، الباحث د. افنير غالوب، يدعون أن هذا ليس الوقت المناسب لإلغاء الاتفاق النووي، ويطرحون بدل ذلك على إسرائيل التوصل إلى تفاهمات أكثر عمقا مع الأميركيين فيما يتعلق التنصل الممكن من الاتفاق مستقبلا، اذا قامت ايران بخرقه. في نفس الوقت، يوصي الاثنان بتعزيز النشاطات الأميركية والإسرائيلية لوقف مساعدة ايران للمنظمات الارهابية والعصابات، ودفع مجلس الامن إلى اتخاذ اجراءات ضد استمرار تطوير برنامج الصواريخ البالستية لطهران.
عدد من كبار رجال الاستخبارات في إسرائيل قلقون الآن اكثر مما يجري في الجبهة القريبة من ايران، سوريا، في اعقاب انتصار نظام الاسد في الحرب الاهلية هناك. اهتمام وسائل الاعلام تركز في الاساس حول نية نشر المليشيات الشيعية، ومن ضمنها حزب الله، قرب الحدود مع إسرائيل في هضبة الجولان. ولكن العملية الايرانية واسعة ولها امكانية كامنة اكثر خطرا – تشمل نية انشاء مطار تحت سيطرة ايران في دمشق، وميناء على شاطئ البحر الابيض في طرطوس (قرب الميناء الروسي)، وربما أيضا وضع قوات برية أكبر في سوريا. في نفس الوقت، إسرائيل قلقة من امكانية أن تعيد ايران ملء مخازن الصواريخ الدقيقة في سوريا، التي فرغ معظمها اثناء الحرب الاهلية. وقلقة أيضا من محاولة ايران نشر صواريخ متقدمة مضادة للطائرات من انتاج روسيا في سوريا. هذه هي الخطوط الحمراء الجديدة لإسرائيل، التي سيرسمها وزير الأمن أفيغدور ليبرمان في الاسابيع القريبة القادمة اثناء لقاءاته مع نظيريه الروسي والأميركي.
حسب تقارير وسائل الاعلام الأميركية في الاسابيع الاخيرة يزداد التأييد في البنتاغون للقيام بعمليات مبادر اليها ضد حزب الله وضد حرس الثورة الايراني، الذي يبحثون في الادارة الأميركية فكرة بالإعلان عنه كتنظيم ارهابي. يبدو أن واشنطن اكثر استعدادا من السابق لزيادة جهود جمع المعلومات الاستخبارية عن حزب الله، وربما حتى التدخل بصورة نشطة ضد جهود تسليحه من قبل ايران. ربما أن ماتيس الذي يرى في نفوذ ايران المتزايد في المنطقة مشكلة ملحة أكثر من موضوع الذرة، سيعمل على عرض خطوات كهذه على ترامب كبديل عن فرض العقوبات على ايران.
هل ستتوقف الهدية عن العطاء؟
في هذه الاثناء، في الساحة الفلسطينية تم أمس في القاهرة افتتاح محادثات المصالحة بين السلطة الفلسطينية وحماس بصورة رسمية. في جهاز الامن الإسرائيلي يعتقدون أنه رغم جهود الوساطة للمصريين، ما زالت هناك عقبات اساسية في طريق التوصل إلى اتفاق. مسألة اساسية تتعلق بمستقبل السلاح الموجود في أيدي حماس في قطاع غزة. حتى الآن حماس ترفض تماما طلب السلطة الفلسطينية لإخضاع الذراع العسكري وسلاحه لسلطة الاجهزة في رام الله.
أحد الخيارات التي تطرح في إسرائيل هو موافقة الطرفين أخيرا على مصالحة محدودة، يتم فيها ازالة العقبات الاكثر تعقيدا واقلاقا للطرف الآخر. حماس ستوافق على حل اللجنة الادارية التي انشأتها في القطاع قبل سنة تقريبا. وهي اللجنة التي ازالت بصورة رمزية آخر بقايا وجود السلطة الفلسطينية هناك، رغم أن حكومة حماس أدارت فعليا القطاع منذ عقد، منذ أن طرد منها رجال فتح في حزيران 2007. في المقابل سيوافق رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس على الغاء العقوبات التي فرضها على القطاع في الربيع الاخير – تقليص رواتب موظفي السلطة ودفع ثمن الكهرباء – التي فاقمت سوء الوضع لسكان القطاع في الصيف.
وسواء كانت هذه أخيرا مصالحة صغيرة أو مصالحة كبرى، فإن إسرائيل سبق لها أن أوضحت موقفها في هجماتها الشديدة ضد المفاوضات من جانب نتنياهو وليبرمان في هذا الشهر. بالنسبة لنتنياهو فإن الفرق بين الضفة الغربية وغزة هو ذخر سياسي اساسي، الهدية التي لا تتوقف عن العطاء – لأنه بمساعدتها يمكن أيضا اضافة الزيت على نار الكراهية بين الطرفين الفلسطينيين الصقرين، وأيضا رفض توسلات المجتمع الدولي للعودة وتحريك العملية السلمية (بذريعة أن عباس لا يمكنه ضمان أن اتفاق سياسي مستقبلي يمكنه ان يضم أيضا القطاع).
في هذه الحالة أيضا يبدو أن موقف المستوى المهني في جهاز الامن مختلف قليلا. فهم يدركون هناك الاخطار الكامنة في المصالحة، مثل تعزيز موقف حماس في الضفة الغربية للمس بالتنسيق الامني مع إسرائيل، لكنهم يشخصون أيضا وجود مزايا – على رأسها احتمال تحقيق هدوء امني على حدود القطاع، لفترة زمنية طويلة نسبيا.