Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    01-Oct-2020

النقاش مع اليمين حول المظاهرات بدون جدوى

 الغد-هآرتس

 
ميخائيل سفاراد
 
30/9/2020
 
النقاش حول المظاهرات والصلاة هو مثل النقاش حول الصورة المرغوبة للسلطة القضائية، ومثل النقاش حول ادخال كاميرات الى صناديق الاقتراع لمنع التزوير، الذي هو نقاش عديم الجدوى. قاعدة البيانات وقواعد النحو المنطقي وعالم الاعتقادات لكل طرف هي مختلفة، وهذا الامر يخلق حوارات متوازية لا تلتقي. ولأنه باللسان جميعنا نتحدث ظاهريا بنفس اللغة الانسانية (العبرية)، يتولد الانطباع بأنه يجري هنا حوار، لكن فعليا الجو يمتلئ بتنافر أدوات تعزف اعمال موسيقية مختلفة في نفس الوقت.
هذا الشذوذ ينطبق على خلافات كثيرة بين وجهات نظر عالمية مختلفة التي تجري بدون قاعدة متفق عليها تسمح بحوار على نفس المستوى، ولكن الفشل في النقاشات التي ذكرتها يختلف بميزة واحدة تميزه وتكرر نفسها في العديد من النقاشات التي تجري في الآونة الاخيرة بين المعسكر الحاكم وبين الاقلية السياسية التي تسمى “يسار”. من يؤمنون بالخلق يؤمنون بشدة أن الله خلق العالم، والذين يناضلون ضد الاجهاض يؤمنون بشكل كامل وراسخ أن الجنين هو انسان منذ اللحظة التي تم فيها الحمل. هؤلاء يتألمون من التعليم الآثم (حسب ايمانهم)، وهؤلاء يتألمون من قتل الاطفال (حسب رؤيتهم). الى هذا النقاش يحضرون نظام قيمي كامل. هم يريدون قوة سياسية من اجل وقف التعليم الفاسد ومن اجل انقاذ الاطفال. هذا ليس الوضع لدى المؤيدين لتقييد المظاهرات وتقييد قوة السلطة القضائية أو ردع الناخبين العرب. اليمين المستبد الذي يرفع رأسه في ارجاء العالم والذي حزب الليكود يمثله في اسرائيل، لا يناضل من اجل السلطة لتنفيذ السياسات، بل هو يطبق سياسة من اجل الوصول الى السلطة. الهيمنة هي الهدف، واضعاف انظمة تقييدها هي الوسيلة، وكل وسيلة (وكل ادعاء) هو حلال.
اليمن من هذا النوع ليس له نظام قيمي شامل. توجد فقط قيمة واحدة وهي الحفاظ على السلطة وزيادتها. هذا السبب القيمي يسمح بمرونة بلاغية كبيرة جدا. هذا في ادعاءات رئيس الحكومة واصدقاءه مع أو ضد هذا الامر أو ذاك، يمكن أن نجد تنوع متناقض من المباديء المستعارة من رؤى مختلفة، من خلال اجتثاثها من محيطها القيمي الذي انتزعت منه وزرعها في بيئة غريبة ليست ذات صلة. على سبيل المثال، من اجل الدفع قدما بإدخال كاميرات الى صناديق الاقتراع اكتشف البيبيون “طهارة الانتخابات” (مبهرة بكذب عن تزويرات كبيرة في الوسط العربي)، وفصلوها عن باقي القيم التي تسود في انتخابات ديمقراطية. هكذا، مثل الادعاء بتقييد المظاهرات، اكتشف البيبيون وحلفاؤهم خطاب حقوق الانسان، والانسانيون الجدد من “اسرائيل اليوم” و”المصدر الاول” صرخوا بغضب مقدس أن “الحق في الحياة هو اهم من الحق في التظاهر”.
عندما نقتلع هرمية الحقوق من عالمها السياسي الذي يشمل ايضا مبادئ تحدد ما هو الحد الادنى للمخاطرة بمصلحة مهمة تبرر المس بالحقوق وما هي طرق اثبات هذه المخاطر، يبدو أن بيبي على حق. وبعد كل شيء هو يهتم، مثلما قال في سياق آخر ولكن بصورة متلاعبة، بـ”الحياة نفسها”.
نقاش كهذا ليس فقط هو غير مجدي، بل هو متعب ايضا: عندما يتم فيه المرة تلو الاخرى اخفاء البيانات من النقاش والتي تظهر فرق واضح في مستويات الاصابة المؤكدة؛ وعندما يحصل مغردو اليمين الذين هم ايضا مصلون على منصة للصراخ منها بسذاجة بشأن التمييز ضدهم، ورغم أن الجميع يعرفون أنه خلافا للصلاة فإن قيمة المظاهرة تقاس بعدد المشاركين فيها، وعندما يكررون مرة تلو الاخرى ادعاء أن حرية الاحتجاج ليست اهم من حرية العبادة رغم أن هذه اجابة على ادعاء لم يطرح، الادعاء هو أن الاحتجاج اكثر اهمية للديمقراطية، وأن حرية الاحتجاج هي حق يحمي “قواعد اللعب”، لهذا فإنه يضمن من بين امور اخرى حرية العبادة؛ هكذا ينجح اليمين في نقش الحقيقة البسيطة التي تقول إن ما يريده رجاله هو فعليا أن يسيطر النظام الحاكم على المظاهرات ضده.
هكذا، مواجهة جانب، يخترع حقائق وبيانات ويخلق تشبيهات واستعارات لا مثيل لها تبعد سنوات ضوئية عن مصدرها ويجند افكار لا تتفق مع بعضها البعض – يخلق تماس يؤدي الى ارهاق المتظاهرين. النتيجة هي أن كل جملة يقولها البيبيون وامثالهم تحتاج الى دقائق طويلة من اجل دحضها، والعودة الى البديهيات الاساسية والسياق ذي الصلة ووضع الحقائق في نصابها. هذه دقائق ثمينة ليست في الخطاب الاعلامي. تخيلوا معلم الرياضيات في مدرسة ثانوية اضطر الى بدء كل حل لمعادلة من مجهولين بالتذكير بأن واحد زائد واحد يساوي اثنين. وهكذا الادعاءات تتحرك في دوائر غير منتهية ولن تنتهي، بل بطريقة من اثنتين: انهاء أو استخدام القوة الزائدة للسلطة.
هكذا بالضبط خسرنا في قضية المظاهرات. لأنه مع الاخذ في الحسبان الآلة الضخمة التي تئز بلا توقف (وبدون قاعدة علمية) بأن المظاهرات تخلق اصابة مكثفة وأن الصلاة لا تقل اهمية عن المظاهرات فلن ينجح أي شيء في اقناع المصلين بأنه “من المنطقي أن يحظر عليهم ما هو مسموح في بلفور”. معنى ذلك هو احتمال معقول لخرق اكبر لقواعد الابتعاد الاجتماعي في الكنس، المزيد من الاصابات والمزيد من الوفيات. لهذا، من وجهة نظر من يؤيدون المظاهرات فانه حتى لو لم يكن هناك أي دليل على أن المظاهرات تخلق العدوى، فان وجودها يتسبب بطريقة غير مباشرة بعدوى كبيرة في الكنس وفي المدارس الدينية.
لهذا السبب ولأنهم لا ينجحون في التغلب على الحجم الضخم من البيبيين واقناع الجمهور بأن التشبيه لا اساس له، يجب على المتظاهرين تغيير صورة الاحتجاج وأن يأخذوا على عاتقهم قيود. هذا هو معنى تقديس حياة الانسان والتضامن الاجتماعي. ليس لأن المظاهرات تؤدي الى العدوى أو لأن حكم المظاهرات مثل حكم الصلاة، بل لأن التلاعب البيبي نجح، والمسؤولية عن منع نتائجه المدمرة ملقاة على عاتق المتظاهرين.