Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    19-May-2021

آثار العنف ستبقى ملموسة لزمن طويل

 الغد-هآرتس

 
بقلم: نير حسون 18/5/2021
 
ميدان الجيش الإسرائيلي يوجد قرب الزاوية الشمالية الغربية من اسوار البلدة القديمة في القدس من يأتي إلى الميدان من مركز المدينة يتجه نحو اليمين إذا أراد أن يصل إلى باب الخليل ونحو اليسار إذا كان هدفه باب العامود، يوم الاثنين، قبل أسبوع تقريبا (أسبوع فقط!)، قرر رئيس الحكومة في اللحظة الأخيرة أن يتم تغيير مسار “مسيرة الاعلام” حيث لا تمر من باب العامود والحي الإسلامي، بل من باب الخليل، الشرطة استعدت بسرعة لهذا التغيير وقامت بإغلاق الميدان بواسطة شاحنات وحواجز طيارة وعدد من رجال الشرطة الذين قاموا بتحويل المشاركين في المسيرة إلى باب الخليل والحي اليهودي، في الساعة السادسة مساء، في الفترة التي كان فيها مئات المشاركين في المسيرة يرقصون في الميدان سمعت صافرة الانذار الأولى من جولة اللكمات الحالية مع غزة، شرطيان تأهبا بسرعة وقاما بالطلب من الجمهور الركض نحو الملجأ الذي يوجد في ميدان البلدية المجاور، معظم المشاركين في المسيرة لم يتمكنوا من إيجاد ملجأ قبل أن يسمعوا من بعيد صوت الانفجار بسبب سقوط الصاروخ في ممر القدس، بيت تضرر ولكن لم يصب أي أحد، موجة من الغضب والإهانة أصابت جمهور المشاركين في المسيرة، بضع عشرات بدأوا يهتفون “الموت للعرب”، وركضوا نحو الحواجز، وقد تم صدهم بسهولة من قبل رجال الشرطة.
موجات غضب مثل هذه، والتي أثارت موجات العنصرية والعنف، تكررت مرة تلو الأخرى في الأسبوع الماضي في الشوارع في إسرائيل، شبان، عرب ويهود وعرب من مواطني إسرائيل، شعروا بالإهانة والغضب التي لا يمكن السيطرة عليها أمام ما اعتبر بالنسبة لهم إهانة قومية وحاجة قوية للدفاع عن كرامتهم وكرامة شعبهم، الأسباب تتغير، المس بالمصلين في المسجد الأقصى واطلاق الصواريخ نحو عسقلان أو احراق سيارة في مدينة مختلطة، هذا الغضب المقدس جعلهم يخرجون الى الشوارع من أجل البحث عن ممثلي القطاع المسيء، على الأغلب ضحايا عاجزين أو ممتلكات، هذا الغضب نما في اصيص خصب جدا للتعليم السيء ونظام رفاه منهار وجزر من عدم السيطرة في البؤر الاستيطانية على التلال في الضفة وفي الساحات الخلفية للبلدات العربية، وقد تم ري هذا الاصيص بالتحريض من قبل وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية والسياسيين الشعبويين عديمي المسؤولية.
حتى كتابة هذه السطور، نهاية عملية “حارس الأسوار” لا تلوح في الأفق بعد. آثار الصدى التي اصدرتها الهجمات العنيفة في شوارع المدن داخل المجتمع الإسرائيلي ستهزنا لفترة طويلة، ولكن الآن يمكن استنتاج ثلاثة دروس مؤقتة، الأول يتعلق بشرطة إسرائيل، صحيح أننا سنضطر للتحدث عن العوامل الرئيسية للازمة والاحتلال والتمييز ضد المجتمع العربي، لكن لا مناص ايضا من الحديث عن عدم مهنية الشرطة الذي اتضح في هذا الأسبوع، قائمة الاسئلة الصعبة الموجهة لقيادة الشرطة العليا يزداد طولها في كل يوم يمر: كيف يمكن أنه في عملية الفتك في “بات يم” كان يوجد مراسلون ولكن لم يكن يوجد رجال شرطة؟ هل فحص شخص ما سؤال هل الاستخدام المبالغ فيه لتفريق المظاهرات، مثل استخدام المياه العادمة وقنابل الصوت، يؤدي الى عقاب بيئي، وفي نهاية المطاف ازدياد حدة الاحداث بدلا من تهدئتها؟ هل تم فحص امكانية استدعاء الشيخ كمال الخطيب للتحقيق معه بدلا من القيام بعملية شبه عسكرية واعتقاله في كفر كنا؟ هل تم اشراك جهات مهنية، التعليم والصحة، لمنع خروج الشباب اليهود من اجل المس بالعرب؟ لماذا لم تعمل الشرطة في شبكات التلغرام العنيفة والمحرضة لليمين، مثلا عن طريق ابلاغ المشاركين في مجموعات عن نوع المخالفات ومستوى العقوبة المناسبة اذا استجابوا لدعوات العنف؟ وماذا يعني وجود رجال شرطة يتجولون في شوارع يافا وهم يحملون رمز الجماجم المأخوذ من مسلسل “المعاقِب”؟.
الاستنتاج الثاني، الذي كتب مرات كثيرة في تقديرات الاستخبارات، هو أنه يجب عدم الاستخفاف بأهمية القدس والمسجد الأقصى بالنسبة للفلسطينيين، في البلاد وفي الضفة وفي غزة، إغلاق الدرج في باب العامود ومنع حافلات المصلين من الوصول الى الحرم والاقتحام العنيف للحرم وإهمال العلاقة بين الاوقاف والشرطة وتشجيع منظمات اليمين في الشيخ جراح وغيرها، جميعها اخطاء تكتيكية للضباط في الميدان أو هي نتيجة لسياسة مميزة وخاطئة للشرطة، وعلى أي حال، هي أدت الى ايقاظ المخاوف العميقة جدا لدى الفلسطينيين من مس إسرائيل بشعارهم الوطني، الديني والشعبي، الاكثر اهمية بالنسبة لهم. لا أحد يمكنه أن يعرف هل هذه المواجهة المسلحة لم تكن لتندلع بدون هذه الأخطاء، ولكن لا شك أن هذه الأخطاء سهلت على حماس مهمة التجنيد والاقناع استعدادا للمواجهة. أي سياسي فلسطيني يعرف أنه حول المسجد الاقصى يمكن بسهولة تجميع الجمهور والحصول على الشرعية حتى لتنفيذ عمليات مثل إطلاق الصواريخ على إسرائيل، من هنا تنبع الحاجة إلى التصرف بحذر شديد في القدس وعدم الاصغاء إلى نصائح متحدثين شعبويين من اليمين، الذين يعتبرون أي خطوة حذرة ومدروسة ضعف وفقدان للسيادة، إذا كان هناك قلق واحد يمكن ازاحته عن الطاولة في اعقاب أحداث الأسبوع الماضي فهو أن يعتقد شخص بأن إسرائيل غير قوية بما فيه الكفاية.
الاستنتاج الثالث متفائل، فرغم المشاهد القاسية ورغم الشعور بالخوف يمكن القول الآن بأنه لا يوجد أي سبب حقيقي لليأس من قيام حياة مشتركة بين اليهود والعرب في إسرائيل، خلافا لما هو سائد وخلافا للخطاب المهدد فانه على المدى البعيد المجتمع العربي والمجتمع اليهودي لا يزداد تطرفهما، بالعكس، والأغلبية الساحقة من المدنيين سئمت من العنف، وصحيح أنه كلما مر الوقت فان دوائر العنف تضاءلت والمبادرات الى الوقوف ضد العنف ازدادت.
الاهم من ذلك هو أنه الآن، اكثر من أي وقت مضى في تاريخ دولة اسرائيل، المجتمعان يعرفان بعضهما ويلتقيان على قاعدة متساوية، الآن المزيد من الإسرائيليين والفلسطينيين يعرفون بعضهم البعض بصورة حميمية لم يعرفوها من قبل، إسرائيليون يقابلون فلسطينيين ليس فقط كعمال نظافة أو صيانة، بل هم يقابلونهم في المستشفيات والسوبرماركت والصيدليات والجامعات والمقاهي، كأشخاص متساوين وأبناء من نفس المجتمع، العرب اصبحوا جزءا حاسما في الاقتصاد والثقافة ووسائل الاعلام والإنتاج في إسرائيل، كل ذلك يحدث رغم التمييز ورغم العنصرية، حتى في القدس التي فيها الفلسطينيون لا يعتبرون مواطنين، لذلك، يوجد سبب جيد للاعتقاد بأنه سيكون بالامكان تعريف المشاغبين والمحرضين ومن ينفذون عمليات الفتك كخارقين للقانون ومتطرفين هامشيين وبائسين يغضبون لأن المجتمع يسير في الاتجاه المعاكس لحلمهم.
ليس في هذه العلاقات الوطيدة داخل المجتمع الإسرائيلي ما يمكنه أن يحل المشكلات العميقة – الاحتلال والسيطرة العسكرية على ملايين الفلسطينيين في الضفة والحصار على غزة، وطالما أننا لا نواجه هذه المشكلات فهي ستجرنا، كما يبدو، الى جولات عنف اخرى، ولكن في المجتمع في إسرائيل لا يوجد أي سبب كي لا نؤمن بأن الجرح سيلتئم والجسور سيتم وصلها من جديد.