Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    11-Nov-2019

شيطان أميركا الأكبر.. 40 عاماً من الهوس بإيران (2-1)

 تنشر مجلة “فورين أفيرز” الأميركية الرصينة في عدد تشرين الثاني (نوفمبر)/ كانون الأول (ديسمبر) ملفاً يضم مجموعة من المقالات التي تقيّم أداء الرئيس الأميركي دونالد ترامب في سياسة الشرق الأوسط. ويحمل الملف عنوان “شرق أوسط ترامب: دليل للمحتارين”. وتنشر “الغد” ترجمة لمقالات الملف لأهميتها في فهم طبيعة السياسة الأميركية وتداعياتها على المنطقة.

الغد-يكتب محرر “فورين أفيرز” في تقديمه لهذه المقالات:
“قفزت سياسات إدارة ترامب في الشرق الأوسط إلى عناوين الأخبار في الصيف الماضي، بينما انتقلت المنطقة إلى شفا الحرب. ولأن الموقف مشوش ومربك، قمنا بتجميع “دليل للمحتارين”.
“للشرق الأوسط تاريخ وثقافة ومنطق جيوسياسي متميز؛ حيث القوى المحلية عالقة في لعبة كبيرة متغيرة بلا توقف. ومع أنه أضعف كثيراً من إمكانية تجنب الهيمنة المؤقتة للغرباء، فإنه قوي بما يكفي لمقاومة الاحتواء الكامل. ونتيجة لذلك، تذهب الخطط الكبرى لخلق نظام إقليمي بشكل حتمي أدراج الرياح، ويغادر الأجانب مصحوبين بالسخط والغضب في نهاية المطاف، واللعبة تستمر”.
“في منتصف القرن العشرين، استلمت الولايات المتحدة الزمام من المملكة المتحدة لتكون القوة الخارجية القياسية في المنطقة. وبحلول سبعينيات القرن العشرين، كان عليها أن تتعامل مع بقايا حرب الأيام الستة، التي استولت فيها إسرائيل على أراضٍ من مصر والأردن وسورية. وقد استخدم وزير الخارجية الأميركي في ذلك الحين، هنري كيسنغر، الدبلوماسية الأميركية لتسهيل تسليم الأرض مقابل السلام، مؤذناً بانطلاق عقود مما تعرف الآن باسم “عملية السلام في الشرق الأوسط”. لكن هذه العملية توقفت بحلول العام 2016. وكانت معظم الإدارات الجديدة لتحاول المضي قدماً بهذه العملية. لكن الرئيس دونالد ترامب أوقف عنها الهواء.
في مقاله، “يشرح مارتن إنديك كيف تخلت الإدارة الأميركية عن نصف قرن من السياسة الأميركية لصالح حلم بالهيمنة على أساس انسحاب أميركي رخيص الكلفة، مع التعاقد على احتواء إيران مع إسرائيل والمملكة العربية السعودية. ويقول إن هذا المسار الجديد هو إخفاق كامل، والذي أدى مباشرة إلى الأزمة الحالية”.
“ليس كذلك، يرد مايكل دوران. كان الرئيس جيمي كارتر هو الذي تخلى عن سياسة كيسنغر، مدخِلاً الهاجس الشخصي بالقضية الفلسطينية إلى الموقف الأميركي. وكانت نجاحات عملية السلام، مثل معاهدات إسرائيل مع مصر والأردن، مساومات مادية معقولة، وليست مساعٍ من أجل العدالة. ويبقى عقد صفقات مماثلة مع سورية والفلسطينيين غير مرجح بشكل كبير. وكانت خطيئة ترامب الحقيقية هي الاعتراف بذلك، محطماً الأوهام المعتنقة منذ وقت طويل”.
“يوافق يوسف منير، في مقاله، على أن القوة الإسرائيلية تجعل تحقيق حل الدولتين مستحيلاً، وهو شيء جيد، لأنه لا يمكن لأي بانتوستان فلسطيني يتحقق من خلال عملية السلام الحالية أن يفي بالتطلعات الوطنية الفلسطينية. بدلاً من ذلك، يجب أن يعيش كلا الشعبين في ديمقراطية دستورية واحدة، والتي تمنح حقوقاً متساوية لليهود والفلسطينيين على حد سواء”.
فيما وراء القضية العربية الإسرائيلية، تصبح الأمور أكثر تحدياً. ويرسم روبرت مالي ومها يحيى الديناميات الإستراتيجية الفريدة والتحديات التنموية في المنطقة، على التوالي؛ وينظر دانييل بنجامين وستيفن سايمون في مصدر صداعها المستمر، إيران. وتتحدث سارة يركس عن بصيص أملها الوحيد، تونس.
تقدم هذه المقالات نافذة واضحة على المشهد الجديد الصارخ في الشرق الأوسط. فاقرأها وانتحب.
 
دانييل بنجامين؛ وستيفن سايمون* – (فورين أفيرز) تشرين الثاني (نوفمبر)/ كانون الأول (ديسمبر)
 
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
 
تخيَّلِ المؤرخينَ بعد قرن من الآن وهم يحاولون تحديد أي قوة أجنبية هي التي كانت الولايات المتحدة تخشاها أكثر ما يكون في العقود منذ أواخر الحرب الباردة وحتى العام 2020. عندما يستعرضون استراتيجيات الأمن القومي للإدارات الأميركية المتعاقبة، فإنهم سيرون روسيا، أولاً كعدو لدود للولايات المتحدة، ثم كصديق، وأخيراً كمصدر إزعاج مستمر. وسوف يرون الصين وهي تتحول من شريك في وقت ما إلى قوة عظمى منافسة. وسوف تظهر كوريا الشمالية في الصورة كعرض ثانوي.
ثمة دولة واحدة فقط هي التي سيصورونها على أنها العدو المقيم الذي لا يلين: إيران. في خطابها الرسمي ووثائقها الإستراتيجية على حد سواء، صورت واشنطن هذا البلد، منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران في العام 1979، على أنه لاعب خطير ومعادٍ بالمطلق. وفي الأشهر الأخيرة، اقتربت الولايات المتحدة وإيران من حافة الصراع من جديد، كما فعلتا مرات عديدة في الماضي: مزَّق الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاتفاق النووي الذي أبرمه سلَفه مع إيران، وتبنى سياسة “الضغط الأقصى” لخنق الاقتصاد الإيراني. وفي الأثناء، ردت إيران بتصعيد التوترات، فهاجمت العديد من ناقلات النفط التي تعبر الخليج الفارسي، وأسقطت طائرة أميركية من دون طيار، وضربت منشأة نفطية في بقيق بالمملكة العربية السعودية.
لم يسبق وأن كان أي رئيس أميركي متقلباً ونزوياً وغريب الأطوار مثل ترامب، وثمة احتمال بأنه سيتجه -بعد العبث مع التصعيد- نحو تسوية مع إيران. (تشير إقالته مؤخراً لمستشار الأمن القومي جون بولتون، وهو من الصقور المتطرفين في موضوع إيران، إلى أن هذه العملية قد تكون جارية فعلياً). لكن نهج ترامب خلال السنوات الثلاث الأولى من وجوده في المنصب لم يأتِ من فراغ. كان امتداداً للعداء العميق تجاه إيران الذي ابتليت به سياسة الولايات المتحدة على مدار الأعوام الأربعين الماضية. وكانت الإدارات السابقة قد وازنت هذه العدوانية بالبراغماتية والمحاولات الدورية للتواصل ومد اليد، والتي غالباً ما كانت مغلّفة بلغة المواجهة؛ والآن، قام ترامب -مدفوعاً بمزيد من الحوافز السياسية وبكثافة الضغط الذي تمارسه عليه إسرائيل والمملكة العربية السعودية- بتضخيم هذا العداء إلى أبعاد كاريكاتورية. وبقيامه بذلك، يواجه خطر الوقوع في شرَك سوء تقدير خطير. ولا تشكل إيران تهديداً وجودياً للولايات المتحدة حقاً، لكن خوض صراع جدّي معها -في وقت تتعرض فيه واشنطن لتهديدات من القوى العظمى المنافسة، وتلتزم بخفض وجودها في الشرق الأوسط- سيكون مكلفاً وسيؤدي إلى نتائج عكسية.
في مواجهة الاحتمال الحقيقي لنشوب حرب لن تفيد أحداً، حان الوقت لأن تعيد الولايات المتحدة التفكير في بعض الافتراضات التي أدت إلى المأزق الحالي. وحان الوقت لإلقاء سيطرة إيران التي لا تصدق على التفكير الاستراتيجي للولايات المتحدة -لكَ أن تسميه “الأسر الفارسي”- في سلة المهملات.
 
 
متظاهر إيراني يحطم صورة للشاه في طهران، إيران، كانون الأول (ديسمبر) 1978 – (المصدر)
بلد أم قضية؟
عندما يتعلق الأمر بميزان القوى، يبدو هوس واشنطن بطهران سخيفاً وغرائبياً. فعدد سكان إيران يعادل ربع عدد سكان الولايات المتحدة، ويبلغ حجم اقتصادها بالكاد اثنين بالمائة من نظيره الأميركي. وتنفق الولايات المتحدة وأقرب حلفائها في الشرق الأوسط -إسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة- مجتمعين ما لا يقل عن 750 مليار دولار سنوياً على قواتهم المسلحة؛ أي حوالي 50 ضعف ما تنفقه إيران على جيشها. وتستطيع كل من إسرائيل والولايات المتحدة إنتاج أحدث الأسلحة، فضلاً عن تقنيات الاستطلاع والمراقبة وإدارة المعركة. ولا تستطيع إيران مثل ذلك. قاعدتها الصناعية قديمة. ويستخدم سلاحها الجوي وقواتها البحرية نظم أسلحة عفا عليها الزمن. وهي تمتلك صواريخ باليستية وصواريخ كروز وطائرات من دون طيار بعيدة المدى، والتي يمكن أن تضرب إسرائيل أو دول الخليج، لكنها لا تستطيع استخدامها من دون استدعاء رد انتقامي مدمر (على الرغم من أنها غامرت بمواجهة هذا الخطر بوضوح، على ما يبدو، بهجماتها في أيلول (سبتمبر) على منشآت أرامكو السعودية).
مع ذلك، وعلى الرغم من القدرات العسكرية التقليدية الإيرانية البائسة، فإن صانعي السياسة الأميركيين -الذين سعوا منذ فترة طويلة إلى منع أي دولة إقليمية من ممارسة الهيمنة في الخليج الفارسي- رأوا إيران كتهديد لسببين متعالِقَين. الأول هو الجغرافيا: لدى إيران خط ساحلي طويل على الخليج الفارسي الذي يتدفق من خلاله حوالي خُمس النفط العالمي. ومن الناحية النظرية، قد تحاول إيران منع مرور النفط عن طريق إغلاق مضيق هرمز، مع ما قد يجلبه ذلك من آثار كارثية على الاقتصاد العالمي. لكن هذا التهديد يظل، من الناحية العملية، احتمالاً بعيداً. لم يحدث في أي وقت خلال السنوات الأربعين الماضية، أن تمكنت إيران من إغلاق المضيق. وحتى لو أنها فعلت ذلك، كان بوسع العراق وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة استخدام أو تطوير طرق تصدير بديلة. أما إيران فلا تستطيع ذلك.
المصدر الثاني للقلق الأميركي هو برنامج إيران النووي. إذا أنتجت إيران سلاحاً نووياً، سيكون بإمكانها أن تؤسس، بطريقة يمكن تصورها، تلك الهيمنة الإقليمية التي تسعى العقيدة الاستراتيجية الأميركية إلى إحباطها. وسوف تُحدث إيران مسلحة نووياً ثورة في المشهد الاستراتيجي في الشرق الأوسط وتشكل تهديداً كبيراً لإسرائيل، أقرب حلفاء واشنطن في المنطقة. وفي عهد الرئيس الأميركي باراك أوباما، قامت الولايات المتحدة بحل هذه المشكلة إلى حد كبير من خلال الاتفاق النووي (أو خطة العمل الشاملة المشتركة)، الذي أُبرمَ في العام 2015، والذي أنهى -للغايات والمقاصد كافة- البرنامج النووي للبلد لمدة 15 عاماً. ثم في العام 2018، انسحب ترامب من خطة العمل الشاملة المشتركة، بحجة أنه كان من الممكن التوصل إلى اتفاق أفضل مع إيران. ومنذ ذلك الحين، تستخدم إدارته العقوبات لمحاولة إجبار قادة إيران على العودة إلى طاولة المفاوضات.
يمكن تفسير الكثير من كراهية الإدارة تجاه إيران بما يشير إليه وزير الخارجية، مايك بومبيو، بشكل روتيني باسم “الأنشطة الخبيثة” لإيران -محاولاتها نشر نفوذها عبر الشرق الأوسط من خلال الإرهاب والتخريب السياسي ومساعدة الجماعات الشيعية. وهذه الأنشطة هي السبب في الإشارة إلى إيران روتينياً (عن جدارة واستحقاق) بأنها “الدولة الأولى الراعية للإرهاب في العالم”. كما أنها، بالنسبة لصقور إيران، أفضل دليل على أن ذلك البلد ما يزال قوة ثورية مكرسة لتقويض مصالح الولايات المتحدة وحلفائها. وبالنسبة لمعارضي خطة العمل الشاملة المشتركة، بما في ذلك إدارة ترامب، وفّر الاتفاق لإيران اعترافاً ضمنياً كمحاور شرعي. وجادل هؤلاء المعارضون بأن امتثال إيران للصفقة كان خدعة ذميمة لتعزيز أهدافها التوسعية في المنطقة. (كان هذا، بالطبع، نفس المأزق الكلاسيكي الذي لا فكاك منه: رأى الصقور في كل من الامتثال للصفقة -وأي مظهر لعدم الامتثال لها أيضاً- أدلة على نوايا إيران الخبيثة).
صحيح أن إيران ارتكبت أكثر من حصتها من الفظائع. لكنها مع ذلك لم تعد الدولة نفسها التي كانت عليها في الثمانينيات، عندما كانت حكومتها الإسلامية الثورية عاكفة حقاً على إعادة تشكيل النظام الإقليمي. وعلى سبيل المثال، تقلص دعم إيران للإرهاب إلى حد كبير خلال العشرين سنة الماضية. وعلى الرغم من أن طهران ووكلاءها ما يزالون ينجحون في شن هجوم ناجح من حين لآخر، مثل تفجير حافلة في بورغاس، بلغاريا، في العام 2012، إلا أن محاولاتهم أصبحت أصغر نطاقاً من ذي قبل، وكانت الكثير من مؤامراتهم الأخيرة غير فعالة بغرابة. في العام 2011، على سبيل المثال، كانت مؤامرة إيرانية لاغتيال السفير السعودي في واشنطن محكومة بالفشل منذ البداية، لأن العميل الإيراني حاول مقاربة مخبر لإدارة مكافحة المخدرات لتنفيذ عملية القتل. وفي العام 2012، فجر إرهابيون إيرانيون في بانكوك عبوة ناسفة بالخطأ في منزلهم الآمن. وعندما وصلت الشرطة التايلندية إلى مكان الحادث، ألقى أحد الإيرانيين قنبلة يدوية -والتي أصابت شجرة، وارتدت نحوه، ونسفت إحدى ساقيه.
لا شك أن كل الإرهاب سيئ، لكن الصقور يبالغون في عرض حجم التهديد الذي يمثله الإرهاب الذي ترعاه إيران، والذي يعتبر باهتاً، نسبياً، مقارنة بالإرهاب الجهادي الذي يتسامح معه -أو حتى يقوم بتمويله- شركاء واشنطن السُنَّة. وتبقى أنشطة إيران أقل ضرراً بالاستقرار العالمي -قُل من دعم باكستان للجماعات الإرهابية التي تستهدف الهند، أو قيام روسيا بضم شبه جزيرة القرم، ومع ذلك تتعامل واشنطن مع طهران باعتبارها دولة مارقة، بينما تحافظ على علاقاتها مع إسلام أباد وموسكو. من الواضح أن هناك شيئاً ما، والذي يتجاوز مجردة المصلحة الاستراتيجية.
إحدى المرافعات الرئيسية هي أن إيران تدعم حزب الله، المجموعة السياسية اللبنانية التي يشكل مخزونها الكبير من الصواريخ والصواريخ تهديداً خطيراً على إسرائيل. ومع ذلك، فإن دوافع طهران لهذا العمل هي جيوسياسية بقدر ما هي أيديولوجية: الصواريخ هي رادع إيران الاستراتيجي الرئيسي ضد إسرائيل. وقد ساد هذا الردع بشكل عام منذ العام 2006، عندما انهار بسبب عدم الكفاءة وسوء الفهم. وأوضحت الحكومة الإسرائيلية أنه إذا كان عليها أن تخوض حرباً أخرى مع حزب الله، فإنها ستغزو لبنان ولن تغادره إلا بعد أن تدمر حزب الله وسلاحه. ومن الواضح أن الموقف دقيق، ولكن ليس لإسرائيل ولا لإيران مصلحة في إقلاق الوضع الراهن.
بصرف النظر عن الإرهاب، ينبغي النظر إلى العديد من محاولات إيران توسيع نفوذها في جميع أنحاء الشرق الأوسط على حقيقتها: كردود فعل انتهازية على الأخطاء التي ارتكبتها الولايات المتحدة وشركاؤها. على سبيل المثال، يحذر الصقور من نفوذ إيران في العراق، لكن هذا الواقع هو في الأساس نتيجة للغزو الأميركي لذلك البلد في العام 2003، الذي أطاح بحكومة الأقلية السنية التي كان يتزعمها صدام حسين ومكَّن الأغلبية الشيعية هناك. وبالإضافة إلى ذلك، حتى مع ازدياد النفوذ الإيراني، حافظت الحكومات المتعاقبة في بغداد على علاقات جيدة مع كل من طهران وواشنطن -في واقع الأمر، قد تكون الحكومة الحالية هي الأكثر تأييداً للولايات المتحدة على الإطلاق. كما أن دعم إيران لنظام الرئيس السوري بشار الأسد هو محاولة للحفاظ على الوضع الراهن -والدفاع عن حليف كان موثوقاً ذات مرة- بعد أن هددته الدول العربية السنية التي كانت تحاول الإطاحة بالأسد عن طريق تسليح وتمويل المتمردين السوريين. وكان دعم إيران للحوثيين في اليمن محاولة مريحة وغير مكلفة إلى حد كبير لاستنزاف خصومها السعوديين حتى الجفاف.
ذات مرة، قال هنري كيسنغر، الواقعي المتطرف، مقولته الشهيرة، إنه يجب على إيران “أن تقرر ما إذا كانت دولة أم قضية”. وقد استشهد بهذه العبارة الكثير من الاستراتيجيين الأكثر كسلاً لتبرير اتخاذ موقف متشدد دائم ضد إيران. فبعد كل شيء، إذا كان خصمك مدفوعاً في المقام الأول بالإيديولوجية، فمن غير المرجح أن يكون منفتحاً على التسوية أو التوافق. والمشكلة هي أن هذا التأطير قد أعمى العديد من المحللين الأميركيين عن رؤية الدوافع الحقيقية لإيران: تعزيز مصالحها الأمنية إلى الحد الأقصى في بيئة معادية للغاية.
 
 
لا تصدقوا الضجيج: قوات الحرس الثوري الإسلامي الإيراني – (المصدر)
الدم الفاسد
تعود علاقات الولايات المتحدة مع إيران إلى الحرب العالمية الثانية، عندما نُشرت الآلاف من القوات الأميركية في إيران -التي كانت في ذلك الحين حليفاً للولايات المتحدة- لتأمين خط سكة حديد أساسي لإمداد الاتحاد السوفياتي على مدار العام. وعلى الرغم من أن تورط الولايات المتحدة في إيران ظل محدوداً في فترة ما بعد الحرب، إلا أن واشنطن شاركت حقاً كشريك صغير في مؤامرة بريطانية للإطاحة برئيس الوزراء الإيراني المنتخب، محمد مصدق، في العام 1953. وكانت الإطاحة بمصدق هي الخطيئة الأصلية للعلاقة الأميركية-الإيرانية، وقد تفاقم الغضب الإيراني من الانقلاب في وقت لاحق بسبب الدعم الأميركي والإسرائيلي لمحمد رضا شاه بهلوي، الذي تسببت سياساته القمعية ومحاولاته الفاشلة للتحديث في تقويض الدعم الشعبي لنظامه. وأدت علاقة الشاه الحميمة بالولايات المتحدة إلى تشويه الطرفين في نظر الإيرانيين، وهو ما أسهم في تكوين مشاعر الاستياء التي أفضت إلى الثورة الإسلامية في العام 1979.
شكلت الثورة الإسلامية نقطة تحول. في أواخر العام 1979، اقتحم طلاب إيرانيون السفارة الأميركية في طهران واحتجزوا موظفيها الأميركيين كرهائن، مما دفع الرئيس الأميركي، جيمي كارتر، إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران في نيسان (أبريل) 1980. وسرعان ما أصبحت المصالح الأميركية والإيرانية تتصادم في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وفي العام 1980، قام العراق بمهاجمة إيران. وبعد صد هذا الهجوم الأولي، قامت إيران في العام 1982 بغزو العراق بهدف الإطاحة بصدام ونشر الثورة الإسلامية، وهو ما أثار مخاوف الولايات المتحدة من صعود الهيمنة الإيرانية في الخليج الفارسي. وفي العام 1983، بعد أن تحولت مهمة حفظ سلام أميركية في لبنان إلى تدخل يدعم الحكومة المسيحية في البلاد، دعمت إيران وسورية الميليشيات الشيعية اللبنانية التي هاجمت الدبلوماسيين والعسكريين وضباط المخابرات الأميركيين. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة -التي خشيت أن يؤدي انتصار عراقي إلى دفع إيران نحو الاتحاد السوفياتي طلباً للمساعدة- بذلت جهوداً خلال منتصف الثمانينيات لدعم طهران في الحرب الإيرانية-العراقية، ألقت واشنطن بحلول أواخر الثمانينيات، بعد الكشف عن فضيحة إيران كونترا التي هزت إدارة ريغان، بدعمها الحاسم خلف بغداد.
بحلول أوائل التسعينيات، كانت الولايات المتحدة قد وضعت نفسها في مأزق. شعرت واشنطن أنه يتعين عليها قمع طموحات كل من إيران والعراق إلى أجل غير مسمى، بدلاً من استخدام إحداهما لموازنة الأخرى. لكن هذه السياسة أثبتت أنها غير مستدامة. فبعد أن أطاحت الولايات المتحدة بنظام صدام في العام 2003، تُرِكت مع عدو واحد، إيران، وإنما من دون وجود شريك محلي لاحتوائه. وفي الوقت نفسه، أقنع الغزو الأميركي للعراق القادة الإيرانيين -الذين أصبحوا الآن في مواجهة القوات الأميركية على الحدود الأفغانية والحدودية العراقية- بأن ينتهزوا الفرصة لجعل الولايات المتحدة تنزف عن طريق إرسال العبوات المتفجرة الفتاكة إلى الميليشيات الشيعية العراقية، مما تسبب في المزيد من تدهور العلاقات بين البلدين. ولفترة وجيزة أثناء إدارة أوباما، كانت الولايات المتحدة قادرة على استخدام مزيج من الدبلوماسية والضغط لإيجاد مساحة للتفاوض على خطة العمل الشاملة المشتركة. ولكن، في عهد ترامب، عادت العدائية القديمة للولايات المتحدة، مع الكثير من العنف والطاقة، ونية الانتقام. (يُتبع)
 
*دانييل بنجامين: مدير مركز جون سلون ديكي للتفاهم الدولي في كلية دارتموث. شغل منصب منسق مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية الأميركية من 2009 إلى 2012.
*ستيفن سايمون: أستاذ العلاقات الدولية في كلية كولبي. عمل سابقاً في مجلس الأمن القومي في كل من إدارتي كلينتون وأوباما.
*نشر هذا المقال تحت عنوان:
America’s Great Satan: The 40-Year Obsession With Iran