Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    02-Dec-2017

البينات التربوية: معلم الدقائق الخمس بين الاستماع والتحدث (6-3) - د. ذوقان عبيدات
 
الغد- في ثقافتنا دائما، يتميز المتحدث، ويهمل المستمع، فالمتحدث قيادي، صاحب سلطة، يأمر وينهي، وبكل شيء عليم، أما المستمع فيمدح لأدبه وعدم تدخله: "له فم يأكل، لا فم يتحدث"، فالمتحدث هو من ينال الإعجاب، فيقال بليغ، فاهم.. الخ. 
ومن هنا يمكن فهم طبيعة المتحدثين من أصحاب السلطة مثل المعلمين والآباء والقضاة والبوليس وغيرهم. 
ما يهمنا هنا حديث المعلمين واستماعهم، فالحديث هو حق لهم بحكم السلطة الرسمية والسلطة المعرفية والسلطة المجتمعية (الكبير يتحدث والصغير يستمع)، فالمعلمون يتحدثون انطلاقا من سلطاتهم الثلاث، وليس مجرد رغبة في الحديث، ومن المهم ان نشير الى ان هذا يعكس فلسفة تربوية مثالية. 
 
(1) الفلسفة المثالية 
ترجع الى افلاطون، الذي أعلن أن الحقائق ثابتة لا تتغير وأنها موجودة في عالم المثل او العالم الفوقي وليس عالمنا الحسي الوهمي، ففي عالمنا الحسي أوهام وأشباه وصور وخيالات!! فيما الحقائق كلها خالدة في عالم المثل.
وقد اتبعت الديانات المختلفة مبدأ ثبات الحقيقة وخلودها، ونشأت الفلسفة المثالية -بخلاف الواقعية -وترى الفلسفة المثالية ما يأتي: -الحقائق ثابتة لا تتغير. -الكبار من مفكرين وفلاسفة ومعلمين هم من يعرفون الحقائق. -من واجب من يعرف الحقيقة ان ينقلها الى من لا يعرفها ومن هنا جاءت الفلسفة التربوية المثالية المطبقة حاليا في كل العالم والتي جاءت تطبيقاتها العملية كما يأتي: 
*المنهج المدرسي يضم الحقائق الثابتة الخالدة ولا قيمة لمعلومات متغيرة. *المعلمون هم من يعرفون الحقائق. *على المعلمين ان ينقلوا الحقائق الى الأجيال. 
وهذا ايضا تطبيق امين لفكرة: ان للتربية وظيفتين هما: -المحافظة على التراث الثقافي والاجتماعي من حقائق ومعارف وعادات وقيم وسلوكات. -نقل التراث من جيل الى آخر. فنشأت مدارس ومعلمون يستندون الى هذه الفلسفة على طريقة: 
-لقنوا طلابكم... -علموا طلابكم.. أحفظوا طلابكم.. 
فالحقائق ثابتة إذن، وعلينا تلقينها!! اما التفكير والتحليل فهو مهارات او بدع ليس لها لزوم. 
 
(2) الانتقالات المطلوبة 
إذا كانت الحقائق ثابتة، فإن التلقين هو الوسيلة المثلى للتعليم والمعلم هو المناسب لهذا العمل، والتحدث هو الاستراتيجية الوحيدة لأداء العمل: فالمعركة اذن هي معركة فلسفية فكرية، فإذا ما اردنا الانتقال الى التحليل والتفكير والابداع فإن ذلك يتطلب تغيير الفلسفة من فلسفة مثالية جامدة الى فلسفات واقعية وبرجماتية.
وهذا يعني ان نجد حلا لما يأتي: هل الحقائق ثابتة ام متغيرة؟ وهنا نصل الى المعضلة الكبرى: ما الحقائق المتغيرة؟ ما الثابتة؟ او الى التمييز بين المعرفة الفلسفية والمعرفة الدينية والمعرفة العلمية، وبين مصادر كل منها: الفكر، والوحي، والتجربة، وكيف يناقش المنهج المدرسي هذه المعارف؟
وعودة الى دور المعلم: هل هو متحدث، أم مستمع أم متحدث مستمع، ام مستمع متحدث؟ ان كل دور يعكس فلسفة ما، ونحن هنا نتبنى دور المعلم المستمع المتحدث، وهذا الدور يفرض انتقالات عديدة هي: الانتقال من معلم الاربعين دقيقة الى معلم الخمس دقائق، والانتقال من دور الملقن الى دور المخطط الميسر، فما طبيعة هذه الأدوار؟
 
(3) معلم الخمس دقائق 
في كتابه معلم الدقائق الخمس (2016) يقول مارك بارنز، ان على المعلم ان يزيد وقت التعلم الصفي من خلال تعليم متمركز حول الطالب يوجهه تدريس تفاعلي مختصر، يقوم به معلمون ماهرون، يعرفون متى ينبغي عليهم التنحي جانبا، ثم يضيف: مطلوب من المعلمين تقديم دروس سريعة تستثير الفكر، وتطلق العنان للطلاب نحو البحث عن المعنى بأنفسهم، او من خلال عملهم معا في مجتمعات تعلم. 
ان هذا يعني: -يقوم المعلم بتزويد الطلبة بمفاهيم وأدوات وخطط وأهداف في دقائق معدودة. -الغاء الحصص -المضيعة للوقت -اربعين دقيقة.. 
ان هذه الأفكار كما يرى مترجم الكتاب د. بلال جيوسي، اننا نعمل على تحسين تعلم الطلاب وتغيير حياتهم وبنيات تعلمهم من خلال تدريس أقل وتعلم اكثر. ومن المهم الاشارة الى ان التدريس الأقل لا يعني جهدا اقل للمعلم، بل على العكس انه جهد اكبر ولكنه في اتجاه مختلف وفاعلية جديدة.
يحتاج معلم الدقائق الخمس الى: -تخطيط اكبر وإعداد اكبر للموقف التعليمي. -إدارة افضل لوقت التعلم وادواته. -تثمين كل دقيقة في الحصة. -زيادة قدرة المعلم على الاستماع والصمت ايضا. -تقليل قدرته على التحدث. 
فالحصة المطلوبة: -يقدم المعلم الدرس في خمس دقائق. -يوزع المهام ويثير الدوافع. -يتنحى صامتا او يتحرك ملاحظا. 
ان هذا التنظيم للموقف الصفي، يزيل عن كاهل المعلم والطالب كل ما يبعث على الملل، ويوجه كلا منهما الى ما يجب فعله وما يجب تركه. اذن يتحدث المعلم خمس دقائق ويعمل الطلاب ثم يناقشون ويتأملون بما قاموا به. 
ان هذا التعلم يؤدي الى "تذويت المعرفة"، أي جعلها جزءا من سلوك الطالب وشخصيته، ناهيك عن متعة التعلم للطالب ومتعة التعليم للمعلم. إذن الصمت فضيلة المعلم وليس قوة الحديث، والتخطيط وإدارة الموقف وليس المحاضرة الطويلة.
(4) ما نتاجات معلم الدقائق الخمس؟
تنعكس نتاجات معلم الدقائق الخمس على كل من المعلم والمتعلم وعملية التعلم: فالمعلم أقل حديثا وأكثر استماعا وتأملا، انه يعمل خارج الحصة اكثر مما يعمل بداخلها، يخطط ويدير الموقف وينظم ويتأمل، والطالب اكثر حركة وتحدثا، وأقل استماعا، يتحرك ويتفاعل مع زملائه ويتأمل ويفهم. والتعلم اكثر متعة وأقل مللا، أكثر ارتباطا بحاجات المتعلم. 
(5) ما متطلبات تطبيق معلم الدقائق الخمس؟
ان تطبيق هذه الفكرة يتطلب معلما:
1 -يدع الطلاب يتعلمون بأنفسهم وهذا يتطلب ان يعرف المعلم متى يصمت ومتى يستمع ومتى يتحدث، فالمعلم بحاجة الى ساعة توقيت تضبط مدة حديثه. 
2 -يتدرب على التخطيط خارج الحصة والهدوء داخلها، فالمطلوب ان يتخلى عن التدريس المباشر والمحاضرة الطويلة وقيادة الموقف الصفي مباشرة. 
3 -يثق بقدرات طلابه بل ويدربهم تدريجيا على تحمل مسؤولياتهم من خلال التعلم المتبادل داخل مجتمعات تعلم خاصة بهم. 
 
4 -يستخدم ادوات فاعلة كالفيديو والصور والعروض. 
5 -يخطط درسه مسترشدا بما يأتي: -وضع خطة لكل دقيقة في الحصة. -حديث خمس دقائق. -عرض فيديو 3 دقائق. -اسئلة الطلاب 5 دقائق. -عمل مجموعات صغيرة 6 -8 دقائق. -التشارك بين المجموعات 5 دقائق. 
-التأمل والتقييم 10 دقائق. 
وبذلك نكف عن التعليم المباشر، ونساعد الطلاب على التعلم المباشر، فالمعلم ليس محاضرا ولا متحدثا محتكرا. 
 
*مدير مركز الاستشارات والبحوث التربوية/ مجتمع النهضة التربوية.