Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    06-Oct-2018

الحوار الوطني بين الجديّة والعبثية /2!!! - أ.د. عمر الحضرمي

الراي - في قول سابق حَطَّ بنا التناول في دائرة التأصيل لمفهوم الحوار، والحوار الوطني بشكل خاص. واليوم ينتقل الحديث إلى مساقات آداب هذا الحوار وأهميته وأهدافه وفوائده، عندها سنكون قد استكملنا، بصورة أو بأخرى، الالتفات إلى تدوير الزوايا الحادة التي لا تتناسب مع سلاسة التواصل بين الأطراف والأفْرقاء.

لعل أبرز آداب الحوار وأدبياته تتمحور حول ضرورة تقديم المتحاورين المصلحة العامة على المصالح الفرديّة؛ حزبيّاً أو جهويّاً أو فئويّاً أو عنصريّاً. ثم تجيء ضرورة الانفكاك عن الارتباطات الخارجيّة التي تُعِقّد فرص الوصول إلى الحلول المشتركة حول مسائل الاختلاف. وحتى يمكن ذلك لا بد من انتهاج العلميّة والمهنية في عرض المواقف، ويكون ذلك بتوفر الأدلّة المسؤولة والموضوعيّة، وهذا يتطلب الحياديّة التي تعكس النوايا الصادقة لدى المتحاورين، وذلك بتجنب الابتذال ورفع الصوت والتهديد والخروج عن موضوع الحوار وآدابه وانتهاج القول الحسن، والابتعاد عن أسلوب التحدّي من أجل التحدّي، ويكون ذلك بالابتعاد عن التجريح والإساءة للطرف المقابل، والعمل على
احترام الآخر، والاخلاص الوصول إلى الحقيقة والابتعاد عن الرياء والخصام غير المبرر الذي يقود إلى المحاربة والتنازع، والالتزام بأدب الاستماع والاصغاء، والتراجع عن الخطأ إذا ما بدا ذلك بيّناً وواضحاً، والرضا بالنتائج الصحيحة. ولنا في قوّل الإمام الشافعي رضي االله عنه إشارة إلى ذلك عندما قال رحمه االله: «ما كلّمت أحداً قط إلاّ ولم أبالْ، بيّن االله الحق على لساني أو لسانه».
ومن آداب الحوار، وحتى يكون مستمراً ويأتي بالنتائج المرجوّة، أنْ يكون هناك هدف مرجو وذلك بعدم الولوج في أبواب اللغو الذي لا قيمة له والذي يسوقنا إلى الفوضى وإلى الجدل العقيم. وعليه لا بد من الالتزام بآداب الحديث ومخاطبة الناس بالحسنى، والابتعاد عن إيذاء مشاعرهم، وهنا نستحضر قوله تعالى مخاطباً سيدنا موسى وسيدنا هارون: «إذهبا إلى فرعون إنه طغى، فقولا له قولاً لينّاً لعله يتذكر أو يخشى» صدق االله العظيم، لأن القول اللّين أدْعَى إلى إستجلاب القلوب واستمالة الأنفس وعدم تنفيرها. وقوله جلّت قدرته مخاطباً سيدنا محمد صلى االله عليه وسلّم: «ولو كنت فظّاً غليظ القلب لانفضّوا من حولك» صدق االله العظيم. وهذه دعوة إلى ضرورة أن يتحلى المحاور بالالتزام بالقول الحسن وتجنب إيذاء مشاعر الآخرين لأن الصخب والإنفعال يقودان، بالضرورة، إلى إثارة حنق الآخر، وبالتالي إنقطاع حبل الوصال وفشل الحوار.
وفي ذات الدائرة يذهب بنا القول إلى أهمية الحوار، كونه وسيلة فضلى من وسائل إقناع الآخرين بالفكرة، ومن ثمّ تَمَثّلُ هذه الفكرة وتغيير اتجاهات الفرد وميوله، ومن ثمَّ تعديل سلوكه نحو الأفضل الذي يراه المحاور.
إن الأنظمة الراشدة هي التي تجعل من الحوار الوطني نهجاً وسياسة لها، وبدون فهمه على المنهج الصحيح تتدهور العلاقات البينيّة، وتنفتح الأبواب أمام الاستبداد، وتكثر الصراعات الداخليّة، وتعم الفوضى والاضطرابات، وهذا يؤثر على الاستقرار وبالتالي يقود إلى التخلف وإلى تفكك الجبهة الداخلية، وربما يقود في يوم ما إلى فشل الدولة.
وهنا لا بد من إدراك أن الحوار يلبي حاجة الإنسان للاستقلال، كما يوازن بين هذه الحاجة وحاجة الفرد إلى مشاركة الآخرين والتفاعل معهم. وبالحوار تتم معالجة المشكلات التي تقوم في أساسها على عدم فهم الآخر، أو تضارب في الرؤية ووجهات النظر.
إلا أن ذلك كله يقتضي أن يُلِمَّ طرفا الحوار بثقافة تبادل الرأي، وأن يؤمن كل منهما بضرورة احترام وجهة النظر الأخرى، والابتعاد عن الاقصائيّة ومحاولات التغييب. وحتى تتم الفائدة من الحوار يجب أن يكون كل محاور على معرفة بوجهات النظر المقابلة، وأن يكون هدفه الوصول إلى الحقيقة، والعمل على تقويم الأفكار غير الصحيحة حتى لو كان هو الذي يحملها، وهذا كله يقتضي الإخلاص والبعد عن الرياء وإظهار النفس، تحت مظلة مقولة «ربما يكون رأيي صواباً يحتمل الخطأ، وربما يكون رأي قبيلي خطأً يحتمل الصواب» وهذا كله يقتضي أن يحيط الجميع بجوهر موضوع الحوار وتفاصيله ومكوّناته.
 
Email: Ohhadrami@hotmail.com
ا