Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    07-Feb-2018

تحديث النظام الدولي عند ريتشارد هاس - عارف عادل مرشد

 الراي - تتفق أغلب الكتابات الغربية على أن النظام الدولي، الذي أسسته الولايات المتحدة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، والذي تربعت على قمته عقب نهاية الحرب الباردة، وسقوط الاتحاد السوفيتي، يمر بمرحلة من التحول مع انتقال مركز القوة في الغرب، ممثلا في الولايات المتحدة والقوى الغربية إلى الشرق، ممثلا في القوى الصينية والروسية بصفة أساسية، لكنها تختلف حول ملامح هذا التحول.

 
في محاولة لاستشراف مستقبل التحول في النظام الدولي، يأتي كتاب ريتشارد هاس (HAASS RICHARD (المعنون بـ(عالم في حالة من الفوضى: السياسية الخارجية الأميركية وأزمة النظام القديم) A WORLD IN DISARARY:AMERICAN FOREIGN POLICY AND THE) (CRISIS OF THE ORDER والصادر في أوآئل العام المنصرم، ليناقش فيه التحولات التي يمر بها النظام الدولي ومؤسساته، وفيه يقدم رؤيته لشكل النظام الدولي الجديد الذي سماه (النظام .(WORLD ORDER 2) (2العالمي وتأتي أهمية هذا الكتاب من أنه يقدم تحليلاً رأسياً تاريخياً لتطور النظام الدولي، منذ ظهور الدولة القومية، وتحليلاً أفقياً للتطورات التي لحقت بمناطق العالم المختلفة، دون التركيز فقط على المركزية الغربية التي ميزت كتابات علم العلاقات الدولية، حيث يرى أن التطور في النظام العالمي جاء نتاج التطور في مناطق العالم المختلفة.
 
أما بالنسبة لمؤلف الكتاب، فيُعد ريتشارد هاس(1951 ،(أحد العقول الاستراتيجية الأميركية التي تنتمي لجيل ما بعد الحرب العالمية الثانية، ويشغل الآن موقع رئيس مجلس العلاقات الخارجية (RELATION FOREIGN ON COUNCIL (في الولايات المتحدة الأميركية، والذي تصدر عنه المجلة المعروفة (الشؤون الخارجية) (FOREIGN .(AFFAIRS ينطلق هاس في كتابة هذا، من أن معاهدة وستفاليا التي لجأ إاليها قادة أوروبا في منتصف القرن السابع عشر (1648 ،(لإنهاء الصراع الديني بين الكاثوليك والبروتستانت والذي تجسد في حرب الثلاثين عاماً (1618-1648 ،(والتي اشتركت فيها كل الدول الأوروبية، باستثناء بريطانيا، كما لم تشارك بها روسيا أيضا، قد وضعت أسس ما بات يُعرف بالنظام الدولي، الذي نظم العلاقة بين الدول من خلال أربعة مبادئ هي: أولاً: السيادة الوطنية، ثانياً: المساواة بين الدول، ثالثاً: ترسيم الحدود الحاسمة لمنع النزاعات، رابعاً: اختفاء هيمنة الدين على العلاقات الخارجية، هذه المبادئ قام عليها النظام الدولي وظل قائما بدرجة أو أخرى إلى يومنا هذا، إلا أن هاس يشير إلى أن هناك مستجدات طرأت كان لها أثرها على مفهوم السيادة ما يعني أننا في طريقنا إلى نظام عالمي مغاير وجديد، أطلق عليه هاس أسم (النظام العالمي 2 .(فلقد كانت السيادة الوطنية، تاريخياً، تؤسس لما يٌعرف بحقوق السيادة، أو حق الأوطان والدول في الاستقلال وإدارة شؤونها دون تدخلات خارجية، كذلك حق الدفاع عن هذا الاستقلال، والحفاظ على الحدود التي تم التوافق عليها، مطلقاً على هذا الشكل من السيادة اسم (الجيل الأول للنظام الدولي) (ORDER1 WORLD.( بناء على ما تقدم، يرى هاس أن هذه القيم القديمة التي تقدس السيادة ويحملها هذا الجيل، لم تعد قادرة على مواجهة التحديات التي تواجهها دول عديدة، داعياً إلى تحديث النظام العالمي، بما يٌعرف بـ(النظام العالمي 2- ( كما ذكرنا- وهذا التحديث يكون بالإساس في مفهوم السيادة، الذي يقوم عليه النظام الدولي منذ منتصف القرن السابع عشر، هذا النظام الذي استقر على وجود الدول، والقوى العظمى، وتوازن القوة. وعليه، فإن هاس ينادي بمفهوم جديد للسيادة يتبنى الواجبات والمسؤوليات، يُطلق عليه (واجبات/التزامات السيادة-(OBLIGATION SOVEREIGN ، (فهناك واجبات ومسؤوليات تلقى على عاتق الدول التي تتمتع بالسيادة، وفي نفس الوقت يجب أن تحصل الدول ذات السيادة على ضمانات لحقوقها.
 
فالعالم مقبل على مرحلة لا يوجد خلالها من يسيطر على الأمور، فهناك فوضى متزايدة ناتجة عن انتشار الأسلحة النووية، وأزمات اللاجئين والمهاجرين، وانهيار الدول، وعجز النظم الديمقراطية، وبالتالي فإن على الدول أن تركز-ككيانات ذات سيادة- لا على مصالحها فقط، بل على واجباتها أيضا. وهذا الوضع عند هاس، سيحد من نزعات التدخل بأقل مما كان يطمح إليه الليبراليون، وسينتج نظاماً أكثر تعاونا مما يتوقعه تحدیث النظام الدولي عند ریتشارد ھاس - صحیفة الرأي 2018/7/2الواقعيون.
 
ومن أجل تفعيل مبدأ واجبات السيادة هذا، ذكر هاس ثلاثة اعتبارات: أولها: مبدأ التعددية في علاج القضايا العالمية، مثل الإرهاب، ثانيها: البرجماتية في مواجهة التحديات الجماعية، وآخرها: اشراك الفاعلين من غير الدول القادرين على الاسهام والتغيير. ويؤكد هاس، أن جزءا كبيراً من عبء تحديث النظام الدولي يقع على الولايات المتحدة الأميركية التي ستظل أقوى دولة في العالم لعقود قادمة-حسب اعتقاد هاس- كما أنها في الوقت نفسه لا يمكنها فرض النظام بمفردها، حيث أنه لا يمكن لأي دولة أن تتصدى للتحديات العالمية من تلقاء نفسها، نظراً لطبيعة تلك التحديات ذاتها، وقدم رؤيته لكيفية تعامل الولايات المتحدة مع مستجدات الواقع الدولي على المستويين الخارجي والداخلي.
 
خلاصة القول، إن هاس قدم في كتابه قراءة شارحة للعصر، وقضاياه، وموضوعاته، والتحديات العالمية التي تواجه الدول، ودعا إلى ضرورة تفعيل القيود الخارجية على الدول، ومراجعة المفاهيم التقليدية للسيادة والأمن القومي من أجل إحداث استقرار في النظام العالمي، الذي يرى هاس أنه يحتاج إلى نقلة لمواجهة الفوضى الدولية، وهي (النظام العالمي 2 (الذي يؤمن بوجود ترابط مصير مشترك أكثر من الإيمان بالحدود الفاصلة بين الدول، وعدم التدخل المطلق.