Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    14-Jun-2019

أمجــد نـاصــر يـعـود إلـى بـدواتــه الأولــى

 الدستور-زياد الزعبي

أقرأ أعمال أمجد ناصر الملتبسة في تجنيسها، وتلح علي، كلما أمعنت في القراءة صور حياة التمرد التي عاشها والتي وزعت عمره على الأمكنة حتى غدا ممكنا النظر إلى كسر العمر في كسر من الأمكنة الغريبة المتباعدة التي تختلط فيها الوجوه واللغات والأديان والانتماءات والكتابات، وهذا ما جعل « حياته سردا متقطعا» في الواقع واللغة في آن معا. لقد أفاق أمجد ناصر على ذاته في مرحلة مبكرة، ورأى فيها دوافع ونوازع ترمي بها المراميا: مراهقة متمردة مندفعة ومثقلة بإرث اجتماعي صارم، وبفقر جارح في عناصر الوجود المختلفة المجسدة في عناصر الصحراء ذات البعد الواحد: السكون الثقيل، والآلفة المرهقة، والوجوه والأفكار التي تحافظ على ثبوتها، والغبار الذي غدا جزءا من حالة السكون التي ترين على المكان والروح. ولذا فقد كان على الفتى المسكون بالشيطنة ألا يدخل دارا من بابها، كان عليه أن يتعلم القفز عن الأسوار، والخروج على الألفة والعبث برمز النظام الصارم، المدرسة العسكرية التي كان يتعلم فيها، ليخرج منها إلى أفق أخر سيقوده إلى هجر الصحراء والدخول إلى عالم جديد، إلى عمان المدينة الغريبة الأولى التي وجد فيها الفتى البدوي إمكانا للبحث عن الذات في التمرد والحب والمقاهي والسياسة والرفاق والكتب والشعر الذي وجد فيه الفتى رفيقا منذ كان على مقاعد المدرسة. 
في عمان تتشكل مسارات حياة جامحة، مسارات في البحث عما يفتقد: أمكنة أكثر رحابة وغنى، ولغات أخرى جديدة، ونساء يمنحن الحياة معنى، ورفاق يعمقون الإحساس بالحياة، ويوسعون آفاقها. لم يطل المقام في عمان التي اكتشف الفتى البدوي أنها ليست مدينة إذا ما قيست ببيروت المكتظة بالبحر والوجوه واللغات والثوار والشعراء والمفكرين والنساء، ولذا فقد شد رحاله إليها ليبدأ بها ومنها عصر هجراته في الأمكنة والشعر والجبهات الثورية مسكونا بروح متمرد أصيل غير قابل للتدجين.
استجاب « للضرواة المتصاعدة فيه لأحلام اليقظة والرغبة الحارقة في الرحيل». يمعن أمجد ناصر في الانتقال من مدينة إلى مدينة، ومن مقهى إلى آخر، ومن أرض إلى أرض، ويغدو فعل الرحيل، ومعاينة الأمكنة عنصرا محوريا في في حياته وشعره، ولعل كتابه « خبط الأجنحة، سيرة المدن والمقاهي والرحيل» يرسم صورة طريفة عميقة لذاك البدوي الذي طيرت الريح مضربه، وربما لذاك البدوي الذي ودع مضارب قومه مرددا فاتحة لامية العرب، لامية ذاك الصعلوك المسكون بحس عميق بالغربة والاندفاع إلى أفاق لا تعرف حدودا:
« أقيموا بني أمي صدور مطيكم/ فإني إلى قوم سواكم لأميل» 
واليوم يعود أمجد إلى نقطة البدء وينفض عن أجنحته تعب الرحيل، بعد أن أثرى حياته على نحو متميز خارج على المألوف السكان، وبعد أن أثرى الثقافة بنصوصه الطريفة العميقة في رؤاها وبناها وتمردها وفي استرجاعها باللغة صور أمكنته وأزمنته التي بدأت بالصحراء ولا بد من العودة إليها. 
منحك الله يا أمجد ما هو خير ويسر لك سبل السلام. ولك التحية