Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    15-Jan-2019

طاهر المصري : في مرحلة التصوّف السياسي –حلقة 1


 الرأي- ملك يوسف التل


عندما يقول سياسي من سويّة طاهر المصري أنه، اليوم وفي هذه الظروف، ليس مع فكرة أو مشروع الحكومة البرلمانية، فهذا يعني أن لدينا مشكلة أكبر مما نرى أو نتصور. فهو أول سياسي أسمع منه هذا الرأي الذي يصدم لشدة أو كثرة ما يتضمن من مبررات.

ما يعرضه هو شبكة من المشاكل المتراكمة والمستجدة والمتداخلة، يبسطها من موقع خبرة النخبة في العمل العام، دامت 51 سنة. اعتزل الوظيفة فأضحى محصّنا ضد التزلّف، مثلما هو محصّن ضد تصنيفات المعارضة. وهي شيء من سجايا التصوف.

طاهر المصري يرفض اعتزال السياسة التي يراها بعضا من المواطنة الصالحة في الجهر بالذي يؤمن به ويراه.

ولأن لديه فائضاً من أرصدة الموضوعية والجرأة المهذبة المثقفة، مضافا لها نزاهة وتواضع، مع شيء من جينات العناد النابلسي، فإن ما يقوله أبو نشأت في مرحلة مأزومة على المستويات المحلية والاقليمية، يضحي كشفا لا يقلل من قوة صدمته سوى أن الرجل لم يفقد التفاؤل.

تتسارع في الملف الفلسطيني اجراءات على الارض تتصل بالقدس وبموضوع الرعاية الأردنية للمقدسات الإسلامية والمسيحية لوحظ انها تتزامن مع حالة القلق والتوهان التي تستشعرها النخب السياسية وحتى المواطن الأردني العادي منذ حوالي سنة؟ كيف تقرأون ذلك؟

عمليا ألغت أمريكا وإسرائيل موضوع الوصاية الهاشمية بمجرد اعتبارهم أن القدس عاصمة إسرائيل، والسماح والقبول بيهودية الدولة. وبما أن التخطيط الإسرائيلي أو اليهودي منذ الأزل يسعى لبناء الهيكل، وهو بالنسبة لإسرائيل جاهز بانتظار اللحظة المناسبة لبداية التخلص من المسجد الأقصى، فإن مهما حصل فيما بعد، يعني أن إسرائيل وصلت نقطة اللاعودة فيما يتعلق بموضوع الهيكل والأقصى. وايضا نقطة اللاعودة بالنسبة للبقاء في القدس والاحتفاظ بها كعاصمة لهم. هذا الكلام بالنسبة لهم، إلا إذا حصلت تطورات في المستقبل ألغت هذا الموضوع، وهذا ممكن.

الأمور شكلية حيث جعلوا موضوع الوصاية والحراسة شكليا، والمصاريف شكلية.. اليهودي الإسرائيلي والجندي يدخلون إلى الأقصى ويحفرون تحته ويعتقلون الحراس وتغلق البوابات ويؤدون صلاتهم داخل الأقصى، لذلك كل هذا ينفي موضوع الوصاية الهاشمية.

هل ترون حاجة حقيقية لتعديل اتفاقية السلام مع إسرائيل؟ وما تقديركم لما آلت استرجاع منطقتي الباقورة والغمر بتعديل في ملاحق اتفاقية السلام لم تعترف به إسرائيل حتى الآن وهي تجهز لمفاوضات بشأنه, وكذلك الحديث عن ان في المنطقتين أراض مملوكة ليهود أو إسرائيليين؟

برأيي هذا سؤال نظري، أو الجواب عليه نظري، لأنه مهما حصل فإن إسرائيل تحتل الأراضي الفلسطينية كاملة، وهناك تشجيع لها من قبل قوى عالمية مثل أمريكا . غالبية دول العالم بما فيها دول عربية لا تقوم بواجبها تجاه التصرفات الإسرائيلية، الجميع صامت. فإذا تعدلت الاتفاقية أو نقحت فسوف يطالبوننا بما هو أسوأ من الموجود في المعاهدة.

المعاهدة عملياً موضوعها استراتيجي، لكن ما تخبئه معاهدة السلام لا يعني لإسرائيل إلا شيئا واحدا وهو أن تترك لها اليد الكاملة لتفعل ما تريد في فلسطين. ولذلك المعاهدة أصبحت شيئا موجودا لكنها على أرض الواقع غير فعالة شعبياً. إلا أنها استراتيجية كما قلت، والواقع الملموس ان اسرائيل تتحرك وتعمل ما تريد في فلسطين.

أما فيما يتعلق بالباقورة والغمر فليس من الضروري أن تعترف إسرائيل .. بيننا وبينهم اتفاقية، وهناك مدة محددة بالاتفاقية لاستئجار هاتين المنطقتين، ونحن قررنا إعادتهما، وأعدناهما. الملك عبد الله أنهى موضوع التأجير، وهذا حقنا.

لكم وجهة نظر تقول ان ما يسمى بصفقة القرن جرى تنفيذهاعلى أرض الواقع في القضايا الرئيسية النهائية مثل القدس واللاجئين والحدود، وبالتالي فإن انتظار نشر وثيقة تقليدية بمشروع الحل أو صفقة القرن هو مسألة تعمية " تمويه" وتبريد لصدمة الحل الذي أخذ مداه على أرض الواقع؟

صفقة القرن في ضوء سؤالك يشمل ثلاث أو اربع قضايا.. القدس أخذوها عاصمة لهم، وقاموا بعمل قانون يهودية الدولة واللاجئين، وهم يعملون على إلغاء مفهوم اللاجئين وإنهاء الأونروا وأصبحوا يقيمون مستوطنات شرعية ستكون جزءاً من الدولة الإسرائيلية فيما بعد... فإذا كل هذا حصلوا عليه، فعلى ماذا سيفاوض الفلسطينيون؟

صفقة القرن الآن تعني إما التحدث عن مشاريع اقتصادية، برنامج اقتصادي وليس سياسي، أو أنها سوف تجبر أو تطلب إبقاء الوضع الراهن (ستاتسكو)على الوضع الحالي كما هو في فلسطين المحتلة. أعتقد أن صفقة القرن سوف تعمل على تقوية احتمالية ومفهوم أن الدولة الفلسطينية في غزة، وسوف يخصص مبالغ طائلة لبناء البنية التحتية والاستثمار في غزة بما فيه الغاز وفتح مطار وميناء وما إلى ذلك. أما صفقة الغاز التي نتوقع منها أنها ستنشيء أو تقبل بحكم ذاتي للفلسطينيين أو بدولة مستقلة أو حتى كونفدرالية، فهذا ليس وارداً عند إسرائيل أبداً.

إلى أي حد تحمُلون إتفاقية أوسلو والسلطة الفلسطينية في رام الله مسؤولية الفشل في إقامة الدولة الفلسطينية؟

أول خطأ في موضوع إقامة الدولة الفلسطينية أن السلطة لم تنجح في تحويل الثورة الفلسطينية إلى دولة فلسطينية، فالمراحل يجب أن تتدرج. كانت ثورة ولها مفاعيلها ومفاهيمها وطرق تعاملها إلى أن أصبحت موجودة على أرض فلسطين وتمارس نوعا من الحكم المحلي، أو الذاتي. لم تتحول الى دولة .

ثانياً لا شك أن هناك أخطاء، و كل خطأ كان يستغله الإسرائيلي ويستغله الأمريكي ويستغله المجتمع الدولي.

كيف تتصورون الوضع في الضفة الغربية باليوم التالي بعد الرئيس محمود عباس... بعد عمر طويل؟ بعض التقارير تمتلك معلومات تدعو لأكثر من القلق عن فوضى محتملة قد تضطر الكثيرين من أهلنا في الضفة للمغادرة إلى الأردن؟ هل هذا هو الذي يجعلكم تعتقدون أن مشروع الوطن البديل ما زال حيا ولم يدفن؟

هذا احتمال وارد للأسف، يجب على السلطة الوطنية أن ترتب هذا الموضوع بشكل مناسب، ليس بفرض شخص ما، ولكن بجعل الأسلوب والطريقة تكون سلسلة بطريقة ديمقراطية وموضوعية. أما اختيار الشخص الذي سيرأس السلطة فإنه أمر يعود للعملية السياسية والتنظيمية، وأتوقع أنه سيحدث، وآمل أن أكون على خطأ، إلا انه ستنشأ بعض المشاكل الداخلية.

المهم الآن أن المحكمة الدستورية حلت المجلس التشريعي، ولا يوجد حاليا في الدستور أو على أرض الواقع بديل يأخذ مكان أبو مازن. الدستور يقول بأنه في غياب أو في تغيير أو اختفاء رئيس الدولة يقوم رئيس المجلس التشريعي بمهامه لمدة أربعين يوما. الآن لا يوجد رئيس مجلس تشريعي، وبالتالي قد تُحدث هذه أزمة محلية، إلا إذا جرت الانتخابات التشريعية خلال أربعة أشهر حسب الدستور، ومعنى ذلك أن غزة لن تقوم فيها انتخابات وأيضاً القدس، الانتخابات تجري بالضفة الغربية بدون القدس وبدون غزة، وهذه كارثة أخرى سوف تلحق بوحدة الأراضي الفلسطينية وفي التلاحم الفلسطيني.

موضوع دولة غزة التي يعتقد البعض أنها أصبحت في طور التشكل بانتظار إنعطافة تخريج سياسية؟

لقد تهيأت الظروف لهذه المرحلة ولهذا الوضع، وحسب علمي أن حماس لا تقبل بذلك، هم يرفضون ذلك سياسياً، لكن على أرض الواقع هذا الأمر يتمكن ويأخذ حيزه حتى لو أنكرته حماس أو أي جهة أخرى. هذا الأمر يأخذ صفة الواقع الواضح.

في مقابل من يرون إن الضائقة المعاشية الداخلية والمتغيرات الإقليمية الجامحة يمكن أن تدفع غضب الشارع إلى سقوف غير مسبوقة، فإن هناك من يؤمن بأن الدولة التي اجتازت فوضى ما سمي بالربيع العربي قادرة أن تستوعب ربيعا آخر جديدا. أين يقف طاهر المصري بين هؤلاء وهو الذي لا ينفك يحذر من وطأة الضغوط المتراكمة على الطبقة الوسط وعلى المزاج الأردني العام؟

هناك وضعان، وضع ضرورة الإصلاح وضرورة تغيير نهج معين في السياسة الأردنية، وبنفس الوقت ضرورة المحافظة على المؤسسات وعلى الأمن والاستقرار. أعتقد أنه ليس صعبا، أن نصل لهذه النتيجة، لكن الوضع العام في البلد متدهور باستمرار، ولا أحد يقول لي بأنني متشائم أو أهول الأمور، فهذا واقع الأمور، وإذا لم نتعامل مع الوضع فسنكون أسأنا إلى بلدنا وهددنا الأمن والاستقرار.

لا أحد يطالب بثورة ولا أحد يطالب بأمور عنيفة، الناس تطالب وتقول بأنها تجوع وتريد تحديد الوضع الإداري والسياسي حتى تستطيع أن تعيش وتطمئن، وإلا إذا تم حرمانها من العيش فستجرب وتأخذ حقها بيدها، وهنا يحصل الخطأ والخطر. لذلك نحن حتى لا تبقى الناس في هذه الطريقة يجب أن تكون هناك ثورة بيضاء، وهذه أصبحت شعارات المسؤولون يرفعونها وليس لها معنى، فقط مجرد شعار للتهدئة.. نريد عملا حقيقيا يراه الناس. أول شيء في العمل الحقيقي أن تعترف الدولة بأن هناك حالة صعبة وبحاجة إلى مراجعة شاملة كاملة حتى نستطيع إعادة الأمور إلى نصابها. لا يجب أن نبقى نتغنى بالشعارات والتملق السياسي وبالتطمينات، بل يجب استغلال الوقت، فالناس ليسوا أغبياء وليسوا متطرفين فهم يعرفون الحقائق ويعرفون أين الخطأ ومن يؤخر ويعرفون مصالحهم.. يجب أن نسير بالطريق، ابتداء بإيقاف النزيف ثم البدء بإعادة البناء.

سوريا والدول التي تدمرت، تكسرت البنية التحتية لديها، بينما نحن تدمرنا بموضوع الخطأ السياسي، ليس العنف الذي دمرنا، بل سوء الإدارة، وان كنا بفضل الله أفضل من غيرنا، لكن ليس معنى ذلك أن نسكت ونقبل بالوضع الحالي.

لماذا لم تستجب الحكومات المتعاقبة خلال السنوات العشر الماضية للتحذيرات الكثيرة من مفاقمة الدين العام ولم تعمل ما تتعهد به من معالجة الأزمات الاقتصادية والاحتقانات الاجتماعية التي تهدد الاستقرار والعقد الاجتماعي؟

تداخل صلاحيات الجهاز الإداري والسلطة التنفيذية مع السلطات الأخرى والتغييرات التي تمت على المفاهيم، جعلت التجارة والعمل السياسي متلازمان، وأصبح هناك مصالح لفئات ما بأوضاع الدولة الأردنية تمنع القيام بتصحيحات وهي التي تتحمل مسؤولية هذا التراكم من الأخطاء. لذلك هذه الأمور توزعت على عدة جهات رسمية دستورية ما بين ضعف البرلمان وبين النفاق السياسي.

استراحة

ما السبب الذي يجعل الدولة ممثلة بكافة أجهزتها التشريعية والتنفيذية والأمنية عاجزة عن تطبيق قانون منع التدخين في الأماكن العامة؟

ليس من سمة المجتمع الأردني التقيد بمفهوم سيادة القانون. الخطأ يقع على الحكومات، وعلى النواب والأعيان الذين يقرون القانون ويخالفونه. ما يسري على التدخين يسري على الواسطة والمحسوبية وعلى كل شيء، فمفهوم سيادة القانون غير متمكن لدينا.

كم هي درجة القلق التي تشعر بها حيال أحفادك، والحياة التي تتخيل أنهم سيعيشونها بعد 10 أو 20 سنة خصوصا وأن الكثير من الخطوط الحمر التي عشناها وتربينا عليها قد تكسر وتنكسر؟

حقيقة أنني أشعر بالقلق على أحفادي تماما كما يشعر العديد من الأردنيين بالقلق على أحفادهم. فالزمن يتغير بسرعة، ومفهوم الدولة التي عشنا في ظلها أكثر من ستين سنة ببناء مؤسسي قانوني دستوري يتمتع بالأمن والأمان، بدأ يتراجع لصالح نظرات ومصالح ضيقة، وهويات ثانوية.

انا أومن بأهمية ان نستمر في الخط الأردني الثابت وهو بناء الدولة، انتماؤنا للدولة، وليس لفئات أو جهات ضيقة. جيلي يتطلع كيف تم بناء الدولة منذ الإمارة، وكيف بدأنا بالتدرج حتى أصبحنا بهذا الوضع المميز والمتميز في المنطقة، لذلك لا أريد ان أكون متشائما لكن حكما على ما نراه الآن أعتقد أننا في طريق كثرت تعرجاته، ما يحتم علينا ان نعود لأخذ زمام المبادرة في بناء الدولة بمفهومها الحقيقي.