Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    16-Apr-2021

ذكريات وعـظـات

 الدستور-محمد داودية

 
الحلقة 3
 
الح عليّ عدد كبير من الأصدقاء منهم الأستاذ مصطفى الريالات رئيس التحرير المسؤول للدستور، ان اواصل كتابة ذكرياتي وكذلك فعل ابني عمر داودية، وهو أبرزُ قارىء روايات اردني وربما عربي اعرفه.
أنا الآن في الربع الرابع من العمر واكتمال التجربة واختزان شيء يسير الحكمة، اخذت اكثرها من الاتصال بالناس والاصغاء الى الكبار اهل التجربة والخبرة وتشغيل انظمة الجدل والنسبية وتقليب الاحتمالات وإجراء الحسابات وفق معادلات خاصة اشتققتها منكم انتم الذين وفرتم لي عونا لا نجاح بدونه !!
كثيرا ما كنت ارفع راسي الى السماء فاسأل ربي عن حكمته في اخذ والدي اليه وانا لم اكمل السنتين من عمري.
واخيرا، قبل ايام فقط خلصت الى نتيجة ما كان بالامكان الخلوص اليها قبل الان:
لقد أخذ ربي عُمْرَ والدي واعطاني اياه !!
أَسلم الروح والدي حسن سليمان الداودية أبو علي، في المستشفى الطلياني بعمان عن 29 عاما.
كان يعمل في الدائرة الزراعية بشركة IPC شركة نفط العراق البريطانية في الإجفور (H4. حيفا 4).
وحسب اضبارة الوالد يرحمه الله التي ما تزال محفوظة في المستشفى الطلياني، أُدخِل والدي المستشفى بعمان يوم الثلاثاء 1949.2.1 وتوفي فيها يوم السبت 1949.2.26.
مكث في المستشفى 26 يوما بكلفة بلغت 26 دينارا.
كان عمري حين وفاة والدي سنة و7 شهور و26 يوما.
ولطالما ايقنت ان الله عوضني كثيرا ورعاني كثيرا ودلّني ووجهني وغرس في قلبي ان المحبة والتواضع والإثرة تنفعني وترضيه.
وقد دلني على ان الإستقامة والأمانة والوفاء هي زانة المرء وزينته.
وبالتأكيد فإن المسيرة لا تخلو من العثار و»تفحيطة» هنا وخروج على السياقات هناك. فالنفسُ إمّارةٌ بالسوء، كما انها دالةٌ على الخير.
لعل ما برعت فيه واتقنته هو اجراء محاسبة ومراجعة قاسية لا تتوقف للنفس وللقناعات ولأساليب العمل. وهي محاسبة ومراجعة من اجل التصويب والتصحيح والتراجع عمّا هو خطأ.
كنت كثير التوقع ودائم القياس وكثير الاستفسار الذاتي في «مونولوجات» اعقدها في ساعات الصفاء. كما كنت شديد الانضباط والتنظيم.
وابسط واطول ما استقر عندي هو انني اعترف بلا خجل او دجل على نفسي انني ارتكب الأخطاء لانني اقوم بالأعمال.
ولذلك واظبت على سؤال نفسي:
اين اخطات يا محمد. اين اخفقت. اين اصبت. اين قصّرت.
واسأل نفسي ايضا: من ظلمت ؟
واسأل: مَنْ تمكن من الضحك على ذقني، مَنْ بَلفَني ؟
ويظل تقديري ان من تمكن من بلفي، هو اكثر من داهية ومخاوي الشياطين.
اعتذر عن «الأنا egoism» البارزة
في هذه السياقات. فهي «مذكرات (ي). وهي عصارة تجربت (ي) التي شابها وخالطها كثير من كل شيء واحاول ان اخلص في نهايتها الى بعض العظات، لعلني أكون ذا نفع.
يأخذ عليّ صديقي الموثوق موسى الطراونة انني اعطي ثقتي لكل الناس. في حين يرى انني يجب ان لا امنحها بسرعة، (لم يقل بمجانية وسذاجة !!).
ولزهير بن ابي سلمى قول مهم في هذه الظاهرة:
وَمَهما تَكُن عِندَ اِمرِئٍ مِن خَليقَةٍ
وَإِن خالَها تَخفى عَلى الناسِ تُعلَمِ.
يقول رجل «السي اي ايه» جون نكسون، اول امريكي أجرى استجوابا مطولا مع الرئيس العراقي الراحل المرحوم صدام حسين في كتابه «استجواب الرئيس»:
لقد ادرك اليونانيون القدامى ان الآلهة لو ارادت معاقبتك لقدمت لك اكثر ما تتمناه. (ولعله يقصد اكثر مما تتنماه).
انا والحمد لله نلت ما لم اتمناه. فأنا من الذين لا يطلبون. ويطبقون قاعدة «طالب الإمارة لا يُؤمّر». وهي قاعدة لا اظنها تصلح في كل الأزمان و مع كل المستحقين.
واشكر الله ان ذلك القول لآلهة اليونانيين القدامى فقط.
2
علينا أن نحافظ بلا توقف على نزاهتنا. وان نستخلص ما هو حق وحقيقي. فالفرص التي اتاحها نظام الحكم الهاشمي، لنا نحن ابناء الطبقات السحيقة المسحوقة بالكاد تتيحها اميركا أم الفرص.
غالبا ما اقول لنفسي لو انني انا واحرار كثيرون غيري عشنا في احد الانظمة الثورية الاشتراكية الوحدوية القومية لكنا اما غير معارضين، او معارضين في عداد الموتى الذين يربطون الى الشجر او تم ايقافهم على الحائط ليجبر ابناؤهم او احد من ذويهم على اطلاق الرصاص على جباههم.
وتعالوا نستذكر عددا من المعارضين الاردنيين الذين ظلوا على قيد الحياة لانهم ولدوا هنا وام يولدوا «هناك، ولا اقصد طبعا «المعارضين» المزيفين المبتزين اللحاسين جماعة «زقزق رقص».
اقصد ليث الشبيلات، زكي بني ارشيد، همام سعيد، صالح العرموطي، جميل النمري، ياسين الطراونة، هاشم غرايبة، احمد فاخر، سعد العلاوين، خالد رمضان، جمال الطاهات، سعيد ذياب.
واشهد بالله لو ان اجهزة مخابرات بلادنا عاملتني بقسوة لاصبحت حاقدا. ولما كنت اليوم في صفوف المدافعين عن النظام السياسي الهاشمي بكل جوارحي.
وينطبق الحال هذا على مئات من رجالات الوطن الذي اتبع معهم النظام السياسي الأردني سياسة التبريد والاحتواء، ليس فقط بتوليتهم مواقع سياسية هم يستحقونها بجدارة، (يسميها المتصلبون رشوة)، بل بالاصلاحات التي تمت والتي نثق ثقة مطلقة انها ستتم.
بدأت سياسة الإحتواء في نهاية الخمسينات والستينات بسبب رحابة الراحلين الحسين ووصفي التل.
قال الحصيف الرحب وصفي للحسين صاحب الرؤية والحكمة: هظول الناس مربيين ما بسرقوا يا سيدنا. خلينا نجيبهم يحطوا كتف.
رد الملك: راجعت سيرهم، فعلا بلادهم تحتاجهم وهم يحتاجونها.
تم الاتصال بكل المعارضين المحترمين المشردين في الاتحاد السوفياتي والصين ومصر وسوريا والعراق والجزائر وأوروبا الشرقية، الذين كانوا في اوضاع نفسية واجتماعية ومالية بائسة.
كات الانظمة الثورية تجبر بعضهم على كتابة ما يطلق عليه «تحليلات» وهي في حقيقتها تقارير استخبارية مشينة، مقابل المخصصات الشهرية البائسة التي كان ضباط المخابرات في الدول الثورية «المستضيفة» يقرطون نصفها !!
انقذ برنامج الاحتواء ابناءنا من غربتهم وعزلتهم وذلهم. وتم إحراق اضابيرهم وقيودهم لدى دائرة المخابرات علنا. فعادوا معززين مكرمين الى بلادهم في ابرز حالة مصالحة واحتواء شهدتها البلاد.
وقد تولى عدد منهم مناصب حساسة وكان ابرزهم صديقي ابو جعفر الضابط اللامع نذير رشيد الذي اصبح مديرا عاما للمخابرات وسفيرا في المملكة المغربية ووزيرا للداخلية.
وابراهيم محمد باشا الحباشنة الذي اصبح مديرا عاما للخط الحديدي الحجازي ثم وزيرا للداخلية. والمحكوم بالإعدام الجنرال صادق الشرع الذي اصبح وزيرا للتموين ووزيرا للشؤون الخارجية للخارجية.
ورئيس هيئة الأركان الجنرال علي ابو نوار الذي حكم بالسجن 15 عاما ثم عاد ليصبح سفير المملكة لدى فرنسا وبعدها عضوا في مجلس الأعيان.
والقائمة تطول جدا.
والمؤكد ان نظامنا السياسي فيه اكبر مساحة للتسامح والصفح والعفو، وفيه رشد بالغ سيمكنه من اطلاق برنامج حوار وطني جدي حقيقي لا يستثني احدا من قوى المجتمع الأردني الدستورية الراشدة، المعارِضة قبل الموالِية.
فالإصلاح ضرورة وطنية يدعمها ويطمئن النظام السياسي والاجهزة الى نتائجها الايجابية الخيرة، انحيازُ الشعب واستقراره العميق على العرش الهاشمي بقيادة سيد قريش اعز قبائل العرب وعميد آل البيت، الملك عبدالله الثاني ابن الحسين.
3
شاع مؤخرا وعقب فاجعة السلط الوطنية الموجعة، مصطلح «ترهل الإدارة الحكومية» وتكلسها وجمودها.
في تقديري ان الإدارة الحكومية محترفة كفوءة منتمية واعية قادرة. وانها مدججة بأجيال من الرجال والنساء الوطنيين.
وليس صحيحا انها ادارة عاجزة ومترهلة.
الصحيح هو ان المسؤولين -وانا منهم- هم العاجزون المترهلون. هم الذين لا توجد قاعدة تحددهم وتضبطهم ما يجعل لاهوائهم حيزا كبيرا في اتخاذ القرارات.
والوجه الاخر للمسألة هو ان المسؤولين هم فقط الذين يعرفون !. لا توجد منظومة وبروتوكول محدد لمواصفات اتخاذ القرارات.
ولذلك نرى المسؤول يتحكم في «العقل الفني للدولة الاردنية» المتمثل في اعلى الكفاءات التي في الوزارات. يحركها بدل ان يسترشد بآرائها ويتوكأ عليها.
4
ثمة ضباب يلف المشهد الإقليمي برمته يتمثل في السؤال الذي يحمل اجابته في ثناياه:
لماذا يتم استهداف عرش الملك عبدالله واستقرار الكيان الأردني وأمنه، في هذا الظرف الذي يلف اقليمنا الملتهب، الذي لا يحتمل ذرة من العبث والفتن والقلاقل ؟
اي غباء استراتيجي واي قصر نظر امني
يدفع الى هذه النقلة الهائلة المحكومة اولا بالاستحالة، وبالمخاطر الجسيمة ثانيا.
في العناوين التالية تكمن الإجابة:
وقف الملك ضد صفقة ترامب.
وضد تهويد القدس وكل ما يمسها
وضد طمس حقوق شعب فلسطين.
وضد الضم والاستيطان.
وقف الملك موقفا اسطوريا متسلحا بنا وبشعب فلسطين العربي الشقيق الذي وجد في الملك سندا ثابتا هو بين الساموراي والكاميكازي.
هذا الموقف الجليل والتضحية الأبرز في القرن العشرين، التي اوشكت ان تطال العرش في تجليها الاخير، ستظل تستدعي وقوف شعبنا العظيم ووقوف شعب فلسطين العربي العظيم مع الملك عبدالله مهما كان الثمن.
5
وجدت نفسي مستفرَدا، قد مسّني الضُرُّ والعُسر. وبقيت واقفا على رِجْلٍ واحدة، اكثر من نصف قرن. كنت الاطم بكفِّ الطفل الرقيقة، المخارزَ المتلاحقة التي غارت عميقا في جسدي وروحي فأدمته.
جعلت التحدياتُ الطفلَ المُستفرَدَ، ذئبا شديد البأس، يعرف ما يريد، ويعرف كيف يسعى إلى ما يريد.
ولقنته الحياةُ، الدروسَ الفادحة التي مكنته من ارتقاء مرتقيات وعرة.
واشتقَّ الطفلُ لنفسه قواعدَ حياةٍ صارمةً، مشى على صراطها فأنجَته من التهلكة.
ووهب اللهُ الطفلَ حكمةً، دلّته، وأضاءت دربَه في اشتداد الظلمة وانطباق اليأس.
لقد تفاديت الكثير من اهوائي ولاحقت الكثير من رغباتي وعشت دون ان أُلحِقَ الضررَ بأحد، ولا حتى بقطة او نملة.
عملت بدأبٍ ودقّةٍ وأمانة، وقادت المثابرةُ والصبرُ والإخلاصُ خطاي في دياجير وبرازخ دامسةٍ، فكان الصبرُ أجمل الحصانات.
ومن طفلٍ يبيع الصحفَ في بلدة فقيرة على سيف البادية الأردنية، الى صحفي محترفٍ، ينتج الصحفَ والمجلاتِ ويطرّزها بالمقالات النارية.
ومن شابٍّ فقيرٍ بائسٍ متمرد، اوغل في دهاليز العمل السياسي السري، الخطرةِ المرعبة، ضد النظام، الى مدير إعلام الملك الحسين الهاشمي «مدير الإعلام والعلاقات العامة للديوان الملكي الهاشمي» والى عاشقٍ صوفي في محرابه.
كيف يصبح الطفلُ اليتيمُ الفقيرُ وزيراً ثلاث مرات !
ماذا على المرء ان «يشلح» كي يصبح وزيرا ؟
وعن ماذا عليه ان يتخلى؟
وعلى جثث من عليه ان يتخطى !؟
أصبح الطفلُ حصانا جامحا صلبا بلا لجام.
ثمة احكام انطباعية متعسفة غرّة، يحاول أصحابها المتعصبون لها تعميمها على كل الناس وفي كل الأزمنة وفي كل الأمكنة وفي كل الظروف.
وبأمانة فقد كنت من هؤلاء، ردحا من الزمن.
لست مضطرا يا عزيزي الى اطلاق النار على من هو امامك ولا الى طعن من هو فوقك لتأخذ مكانه.
والقمة وان كانت مخروطية، فانها ليست حادة، وهي تتسع لكل من له طموح وقدرة على الصعود وعزم على الارتقاء، مع توفر شروط الاخلاص في العمل والتفاني فيه وتحمل متطلباته القاسية.
لا احد يطالب أحدا بان يشلح اخلاقه ونزاهته وشرفه.
لكن لا احد يستطيع ان يمنع أحدا من النذالة والرخص، التي يعتقد الاوغاد انها المؤهلات المطلوبة.
انها قابليات واستعدادات تكبر مع النبيل وتنمو مع الوغد. ولا يستطيع احد ان يرفعك إذا لم يكن لك عمود فقري.
6
يوم 21 تشرين الأول 2003 كنت اتبطح على شاطي المحمدية على المحيط الأطلسي مع الأصدقاء أبناء الجالية الأردنية في المملكة المغربية: هنائي الدجاني وزهير القضاة ونبيل النجار وزياد الصرايرة ومحمد الشوابكة ورياض العابدي وفهمي السماعنة.
تناولنا وجبة لذيذة من سمك الصول والميرنا الطازج، وشرعنا في مناقشة شؤون الجالية الاردنية في المغرب عندما دق هاتفي الجوال.
- مرحبا محمد.
- اهلا يا أخي.
- انا فيصل الفايز.
- اهلا الحبيب أبو غيث، ارجو ان تكون في طريقك الينا.
- اسمع محمد. كلفني سيدنا بتشكيل الحكومة.
- اطيب المنى وصُبّار بركة وربي يوفقك دولة الرئيس.
- اريدك معي في الحكومة ذراعي اليمين وسندي، احجز الآن، اريدك غدا في عمان.
- شكرا على الثقة دولة الرئيس، تؤمر سأكون عندك غدا مساء بعون الله.
هكذا أصبحت وزيرا للمرة الثانية بمفاجأة ومباغتة كاملتين.
* غدا القسم الرابع.