Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    30-Sep-2014

استخدام الدين في تعميق الخلل*زليخة ابو ريشة

الغد-يُستخدم الدين في التنشئة الاجتماعية للأفراد، لما تتمنى عليه مؤسّساتها أن يفعله فيهم وفيهنّ؛ أي إعداد الأجيال على الضّمير والخلُق الفاعل في مجتمع البناء والتّعمير والإصلاح وصون الأرض من الفساد، إذا كانت هذه المؤسّسات عفيّة صالحة لم تنحرف بها ظروفها التاريخيّة إلى الإهمال والتقاعس وتوهّم النجاة في رقعة أخرى من الانحدار! غير أنّ استخدام الدين لم يكن في تاريخه بأفظع منه في أيامنا هذه. والفظاعة متأتّية من ازدياد الخلل في البنية الأخلاقيّة -تحديداً- للأفراد في حين إقبالهم على الدين والذي يسجّل -ربما- أعلى نسبة في تاريخ المسلمين! وتخصيص الأخلاق دون غيرها من البنى لأنّها -أي الأخلاق- أساس أيّ تعامل مع البشر والحجر. فإذا غاب الضمير من هذه المؤسّسة، ودخل صندوق القيم فيها عفنٌ أو وباءٌ، صار لزاماً أن تنحل وتنحلّ قيمُ البناء والالتزام والإتقان والوفاء بالعهد والأمانة والصدق في الحال والمقال والإيثار والتّضحية واحترام الوقت ومال الغير والمال العام، بل لها أن تذوب. فالقيم مركز الدائرة في حياة الناس، فإن تبدّلت إلى أسوأ، وانهار ملاطها الذي يمسكها (وهو الضّمير) لم يعد من شيء سليماً، لا اقتصاداً ولا سياسة ولا اجتماعاً...
ولننظرْ حولنا... فهل نجد اقتصاداً حسناً وسياسة قويمة ومجتمعاً مُعافى؟ ولا يقولنّ قائل أو قائلة إنّ الأنظمة والحكومات هي السبب، فهي من المجتمع وإفرازاته، أكانت صحيحة النفس والبدن أم معتلّته! إذن لا بدّ أن خللاً كبيراً وعظيماً قد حدث، حتى يكون الحال -حالنا- على هذا النّحو من الرداءة وشحوب الأمل! ولكن أين هذا الخلل ومعظم نسائنا في الخمار أو النقاب؟ ومعظم رجالنا في المساجد؟ والموظفون لا يقطعون فرضاً في أوانه.
إذن لابدّ أنّ الخلل في الطريقة التي استُخدم فيها الدين، إذا كان الدين نفسه لا يحضّ على تقاعس، ولا يقبل خداعاً أو كذباً أو عملاً غير متقن، ولا يتساهل مع خيانة أو نقض عهد أو خداع (فما بالك بإراقة الدماء بالجملة تحت شعار الدين؟)... إلخ. وإذ كنتُ قد عاينت بنفسي مجالس للوعظ والإرشاد على مدى نصف قرن، وعاينت النّسيج الدينيّ والأخلاقيّ لأفراد على قمة هرم المتأسلمين بالأمس واليوم، فإني أستطيع الخلوص -دون وجل أو افتئاث- إلى أنّ الطريقة التي استُخدم فيها الدين في التنشئة وإدارة أخلاق الناس في خطب المساجد ودروسها وفي سائر المنابر المتأسلمة بما فيها المناهج الدراسيّة، كانت طريقة لا تنطلق من جوهر الدين الذي يبني، بل من قيم تناصب البناء العداء! أي أنّ الطريقة التي استُخدم فيها الدين على مدى عقود كانت كفيلة أن تُبلغنا هذا المبلغ من الانحدار، لأنّها كانت معنيّة بكلّ ما هو قِشريّ، أو ظاهريّ؛ فالتأكيد على أنّ الدين لا يتحقّق إلا باللباس أو بصلوات المساجد، دون بلوغ تلك المنطقة الخفيّة التي تحرّك الإنسان نحو الحقّ والخير، أقصد الضّمير، يجعل من الأطفال المنشّأين ورواد دروس المساجد وطلبة حفظ القرآن الكريم، مجرّد كائنات لا إرادة لها في مصائرها، مغيّبة عن واقعها، تجترّ من النصوص بتفسيراتها الخادعة والموجّهة أيديولوجياً، ممتشقةً سيف التكفير لتهديد أيّ محاولة للخروج من هذا الإطار القاتل للفكر الحرّ والمبادرة الإيجابيّة...!
ومع ذلك فثمّة في مكان ما أملٌ وعلينا أن نربيه ونتعهّده...