الغد-هذه الرمزية العظيمة، التي نالها الشهيد عمر ابوليلى، في الأردن، يتوجب ان تتم قراءتها بشكل عميق، فهي تقول الكثير، في هذا التوقيت بالذات، وعلى اكثر من مستوى.
آلاف الصفحات على وسائل التواصل الاجتماعي، في الأردن، مجدت الشهيد عمر ابو ليلى، والذي يحلل مضامين الصفحات، يكتشف بكل بساطة، ان الشهيد لم يكن ابنا لفلسطين، وحسب، بل كان ابنا للأردن، وللأردنيين، وكأنه ينتمي الى كل بيوت وعائلات هذا البلد.
ليس ادل على ذلك من فتح بيوت العزاء بالشهيد، من جانب قبيلة بني حسن، وإعلان وحدة شباب السلط، عن عشر عمرات، عن روح الشهيد، وإعلان أردنيين بشكل شخصي، نيتهم أداء العمرة، عن الشهيد أيضا، فوق تبجيل بطولته، وفرادته، وبسالته أيضا، باعتباره رفع السلاح، ضد إسرائيل، بطريقة عز نظيرها، والأدلة نراها كل لحظة.
هذا يثبت أولا، ان الوجدان الأردني مرتبط بفلسطين، الى حد كبير، وهو وجدان واحد على ضفتي النهر، على كل حال، فهذه أيضا، بلاد الشام، التي قسمها البريطانيون والفرنسيون الى أربع دول، وقد كانت فضاء واحدا، إنسانيا واجتماعيا، قبل ان تأتينا لعنة التقسيم.
هذا الوجدان الوطني والإنساني والشعبي في الأردن، كان تاريخيا يصطف الى جانب فلسطين، والشعب الفلسطيني، ليس بحكم التاريخ والجغرافيا، وحسب، بل بحكم النزعة الطبيعية في الأردن، وفي الشخصية الأردنية، التي تمجد مقاومة الاحتلالات، وتمنح الابطال مكانتهم، وليس ادل على ذلك من ان الذاكرة الوطنية في الأردن حافلة بعشرات الرموز، وكلها على صلة بالعسكر والشهادة، أولا، بشكل يفوق الرموز السياسية والأدبية والاجتماعية.
لكن ما الذي فعله عمر ابوليلى، فجأة، وبشكل مختلف عن بقية الشهداء، حتى نال كل هذا التمجيد، وهذا سؤال مهم، اذ سبقه عشرات آلاف الشهداء في فلسطين، والاجابة ترتبط بأن عمر ابوليلى، جاء في توقيت شاع فيه الوهن والضعف، فخرج مذكرا الناس، بحقائق الأشياء، وقواعدها، وأيقظ الداخل الإنساني، في نفوسنا، الذي يعرف ان الطريق الى فلسطين لا يكون الا بهذه الوسيلة، وعلى نطاق جمعي أوسع.
عمر ابوليلى الشاب العشريني، الذي اهان الاحتلال الإسرائيلي، حقق غاية اهم في استشهاده، أي رفع الظلمات عن القلوب اليائسة، وتذكيرها أيضا، ان المشكلة الأولى والأخيرة هي الاحتلال فقط، وان التشاغل عن كلفة وجوده، كلفة كبيرة جدا.
رمزية عمر ابوليلى في الأردن، رأيناها في كل مكان، وهي تقول أيضا، ان العداء لإسرائيل، لا يمكن ان يزول في الأردن، او يضعف، حتى لو ظنت جهات كثيرة، ان جملة عوامل ستؤدي الى ضعف الداخل الأردني، وقبوله بالتسويات، او عزل الأردنيين عن قضاياهم.
هي مراهنات بائسة، على اية حال، تأسست على أوهام بسبب الأصوات الشاذة التي نسمعها في غير موقع ومكان، حتى يظن البعض ان هناك كراهية بين أبناء الأردن وفلسطين، او ان هناك انقساما لا يمكن الوقوف في وجهه، وهذه كما اشرت مجرد أوهام، تتبدد كل مرة، فلا يمكن لأي حالة شاذة ان تعاكس حركة الشعوب والتاريخ، او ان تعاند القواعد الأساسية التي صاغت هذه الامة، مهما تفشت بيننا الامراض والعلل الطبيعية، او المصنعة.
ليس إرهابيا، ولن يكون، حتى لو ظنت إسرائيل انه مجرد إرهابي، وحتى لو سعت دول كثيرة الى تجريمه، وهي محاولات فاشلة، لان الإرهاب هو ذاك الذي صنعه الاحتلال، وهو الأولى بالادانة، لا..إدانة الضحايا، او تجريم التعاطف معهم، هذا فوق ان كل يوم سيأتي عمر آخر، مهما حاولت إسرائيل التنكيل بهذا الشعب، الذي يدرك أيضا، بغريزته انه ليس وحده، برغم كل هذه الظروف التي أدت الى تشطير وحدته الداخلية، ووحدة جواره التاريخي، في دول كثيرة، تمت استباحتها، حتى ترتاح إسرائيل، وتعيش آمنة.
التاريخ يثبت ان تمجيد الابطال والشهداء، كان سمة من سمات اهل الأردن، من الشهيد كايد المفلح عبيدات اول شهيد أردني في فلسطين، مرورا بكل شهداء الجيش الأردني في فلسطين، وصولا الى كل شهداء فلسطين، على مدى العقود السبعة الفائتة.
كان شهيدا من اجل الأردن، أيضا، مثلما كان شهيدا من اجل فلسطين، والسبب في ذلك بسيط، فالذئاب تريد التسلل الى كل هذه المنطقة، وعليها ان تعرف ان طريقها ليس مفتوحا، ولا آمنا.