Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    07-Oct-2018

استعادة هيبة العلم والتعليم* مكرم الطراونة
الغد - 
في العام 1987، وفيما كنت في الصف السابع الابتدائي هرولت مسرعا بعد انتهاء اليوم الدراسي إلى البيت، لألقي ما في جعبتي من كتب وأتوجه للشارع حيث التقي "أولاد الحارة" للعب كرة القدم. كنت كمعظم الأطفال مولعا بها.
ومع مرور وقت اللعب، همس "ابن الجيران" بصوت مرتفع "الاستاذ.. الاستاذ". لم يكن وقع هذا الاسم على الأذن سهلا، فقد كانت تتشكل حوله هالة من الوقار والاحترام. والرهبة من شخصيته الصارمة الجادة كان قاسما مشتركا بين جميع الطلبة تجاهه.
تنافرنا، كما تفعل كرات لعبة "البلياردو" الملونة عندما تصطدم بها الكرة البيضاء، وغادرنا الشارع إلى أقرب مخبأ، فمنا من توارى خلف مركبة، ومنا من اقتحم بقالة بحجة الشراء، ومنا من توجه لمنزله مهرولا، وقدماه تسبقانه.
هذا الوصف للحال لم يكن مقتصرا فقط على معلمي مدرستنا، بل كان سمة أصيلة يتمتع بها المعلم أو المعلمة، أو ذلك الشخص الأكثر صرامة (مدير المدرسة)، في جميع أرجاء المملكة، كون الطلبة كانوا يرون فيهم قيم المعرفة والعلم والتربية والأبوة، لذلك كنا جيلا أنشئ على بيت الشعر الذي ينتهي بـ "كاد المعلم أن يكون رسولا".
ليس المقصود هنا الإشارة إلى أن معلمي هذا الزمن أقل هيبة وعلما وتقديرا واحتراما، لكن بلا شك هناك شبه اتفاق على أن المنظومة التعليمية والقيمية اختلفت كثيرا اليوم، بأركانها الخمسة المتمثلة بالمدرسة، والمعلم، والطالب، والأسرة، والمنهاج.
ما الذي اختلف بين الماضي والحاضر؟ هل كان لعصا المعلم التي يلوح بها ولا يتوانى عن استخدامها دور في احترامه والخوف منه داخل الحصة وخارجها؟، أم أن جيل الأمس كان أكثر مسؤولية من نظيره الحالي؟، أم أن المنهاج الذي كان يدرس حينها يتناسب مع الطلبة ومعرفتهم، مقارنة مع جيل التنكولوجيا والتطور الذي بكل تأكيد يحتاج إلى منهاج يواكب الانفتاح المعرفي والتحليلي والتفسيري الذي يعيشه، بل يحتاج أيضا إلى معلم مدرب ومؤهل وواع، ومنتج، أم جميع ما ذكر ويضاف إليه مقارنات أخرى عديدة.
المعلم في الدرجة الأولى هوية وطن، وباني جيل للمستقبل، مورد أبنائنا المعرفة التي يحتاجونها كسلاح في معركة الحياة، فالمهام المناطة به جسيمة، والخطأ بها يصنف بأنه كارثي، لذا على الدولة، إذا ما أرادت الحيلولة دون ذلك، تهيئة جميع الأدوات التي تلزمه لتحقيق هذه الأهداف.
في واقع الحال، كل ما نحتاجه لأن تعود للمعلم مكانته وقدرته على التعامل مع هذا الجيل المتطور ليس عصا الخيزران، وإنما تحسين وضعه ماديا ومعرفيا، مع تأهيله وتدريبه لأن يكون قادرا على جذب الطلبة أثناء الحصة الصفية بالوصول خلالها إلى مرحلة متقدمة من الحوار التحليلي أثناء شرح المنهاج الدراسي، الذي يجب أن يتضمن محتوى يساعد على ذلك.
المعلم غير المؤهل والمدرب، والمنهاج القائم على التلقين والحفظ (البصم)، لن ينهض بأي مجتمع، ولن يساهم قيد أنملة في تقدمه وتطوره، كما أنه لن يكون له نتائج مثمرة، بل سيساهم في تدني مستوى التحصيل العلمي للطلبة، وبالتالي تردي مدخلات الجامعات، والذي سيترتب عليه أيضا تراجع في المخرجات، وتدهور السمعة العلمية لهذه الجامعات التي تسعى لاستقطاب المزيد من الطلبة العرب للدراسة فيها.
المعلم، ونحن نحتفل بيومه العالمي، يحتاج إلى أن يسمع صوته عند اتخاذ أي قرار له علاقة بالعملية التعليمية، فهو من يعمل بالميدان، يلمس احتياجاته، لذا علينا عدم التعامل معه وكأنه آلة تنفيذ خطط، أو جهاز يقرأ محتوى ما على مسامع طلبة. لنترك له مساحة للتعبير عن نفسه علميا بالطريقة التي يراها مناسبة لخلق جيل مبدع خلاق. عندها سيتحلق الطلبة حوله احتراما لعلمه، وستعود له هيبته التي نجلها ونقدرها كلنا.