Thursday 18th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    16-Sep-2020

المترجم المصري حسن حجازي: الرواية مرجع أساسي لأدب ما بعد الحداثة

 القدس العربي-محمد عبد الرحيم

«منهجي هو أكثر المناهج تقوى، لأنني أبدأ بكتابة الجملة الأولى، ثم أتكل في مجيء الثانية على الله» (لورنس ستيرن).
 
بهذه العبارة يسخر رجل الدين الإيرلندي لورنس ستيرن (24 نوفمبر/تشرين الثاني 1713 ــ 18 مارس/آذار 1768) من تقاليد عصره الاجتماعية والدينية والأدبية، هذه السخرية التي تجسدت في عمله الروائي «حياة وآراء السيد النبيل تريسترام شاندي»، التي كتبها بين عامي 1759 و1767. ورغم ما حققته هذه الرواية من شهرة في عصرها، وكذلك مدى تأثيرها في تطور الفن الروائي، إلا أنها لم تترجم إلى العربية حتى العام الحالي، عن طريق الشاعر والمترجم المصري حسن حجازي، ليصبح صاحب الترجمة العربية الأولى لهذا العمل الكلاسيكي المهم. وبهذه المناسبة كان معه الحوار التالي..
 
■ بداية .. كيف كان التفكير في ترجمة الرواية؟
□ البداية كانت عندما اتصل بي الشاعر والمترجم رفعت سلام، وعرض عليّ تولي تلك المهمة لترجمة تلك الرائعة، لتكون ضمن سلسلة الـ100 كتاب، فلم أتردد ووافقت على الفور، خاصة عندما علمت في ما بعد أن الرواية لم يسبق ترجمتها للغتنا العربية من بين جميع لغات العالم. فخضت التجربة وكان كل ما يشغلني ويؤرقني هو الرواية وأهميتها وضرورة ترجمتها، وضمها للمكتبة العربية، لتكون متاحة في لغة رصينة واضحة قدر الإمكان. وزاد يقيني بضرورة أن أنجز تلك المهمة عندما علمت أن الراوية تمت ترجمتها لمعظم لغات العالم عدا اللغة العربية.
■ ولماذا لم يبادر إلى ترجمتها أحد، رغم تكرار الترجمات لروايات بعينها؟
□ ربما لصعوبة لغة الرواية، حيث أنها من نتاج القرن الثامن عشر، وتتسم بكبر حجمها، حيث تضم تسعة مجلدات، كل مجلد يضم حوالي أربعين فصلا. كما تعج بالرموز والأسماء والاقتباسات بلغات مختلفة مثل، اللاتينية والإيطالية والإسبانية وغيرها، وكذا الأماكن والبيئات المختلفة من شتى البقاع وفي كل المجالات. فمؤلف الرواية كان يضم الكثير من الاقتباسات، بل أجزاء كاملة من الكتب والروايات في عصره، ولم ينكر ذلك، حيث وصفها أحد النقاد بأنها تعد بمثابة مكتبة متنقلة. من ناحية أخرى تعالج الرواية الكثير من القضايا الشائكة في مجال الدين والفلسفة والمنطق، وشتى نواحي الحياة بصورة جريئة واضحة وجلية، خاصة أن مؤلفها من رجال الدين، فكيف يتصدى هذا القس لعرض مثل تلك الأفكار الجريئة في حينها، ومازالت حتى الآن، مثل قضية الزنوج والضمير والتعليم ومكانة المرأة بصفة عامة والمجتمع الإنكليزي. فنراه يجمع بين الدين والفلسفة والحكمة والتهكم والسخرية والإيحاءات النفسية والجنسية والرموز المتعددة والمعقدة، والأسلوب القصصي الذي يزخر بالكثير من السمات الفريدة والمتميزة، علاوة على سيرة ذاتية للمؤلف، يشير إليها من حين لآخر، وسط الكثير من الاستطرادات، والإسقاطات، ووجهات النظر والآراء المختلفة في مجالات عدة ومتباينة. أما تكرار الترجمة لروايات بعينها من قبل مراكزنا ومؤسساتنا، فهذا ربما من باب المجاملة والمحاباة، لذلك ربما نجد قريبا محاولات جديدة لترجمة رواية شاندي!
■ وماذا عن دور النشر في استقبال النسخة العربية؟
□ دور النشر الرسمية لم تبادر في ذلك، حيث مات وتوقف مشروع الـ100 كتاب، بتخلي صاحبه عن مهمته، وانتهى المشروع الواعد بترجمة العديد من الروايات والكتب التراثية المتميزة، مع رواية شاندي وغيرها. في مصر طلب مني بعض الناشرين أصحاب دور النشر الخاصة نشر الترجمة للرواية، لكنني ترددت كثيرا، ربما لضعف المقابل المادي للمترجم، إن وُجِد، أو لربما سيطالبون بالمساهمة في عملية الطباعة والنشر. مع نهاية 2011 وبداية 2012 وحتى وقتنا الحاضر وأنا في محاولات مستمرة في مراجعة وتنقيح الترجمة، في رحلة دامت أو قاربت الثماني سنوات، إلى أن سنحت الفرصة للنشر. وطوال هذه الفترة لم يساورني اليأس في سبيل أن ترى الترجمة النور، فأرسلت ترجمتي للرواية للعديد من دور النشر داخل الوطن العربي وخارجه، لكن لم يستجب أحد للأسف في البداية، إلى أن وصلتني رسالة عن طريق الفيسبوك من مؤسسة «ترجمان للترجمة والنشر» في الكويت، فكان شرطي الوحيد هو أن تخرج الرواية للنور بصورة جيدة وطباعة تتناسب مع أهميتها ومكانتها، وليصبح عنوان الترجمة العربية «حياة السيد النبيل تريسترام شاندي وآراؤه».
 
الرواية العربية لا تحظى بالمكانة المرجوة، وإن كانت هناك بعض الجهود التي تُبذل في ذلك، من خلال تبني بعض مراكز الترجمة الرسمية والخاصة ترجمة بعض الأعمال الروائية التي تفوز بجوائز معينة.
 
■ وأين المؤسسات الثقافية للدولة من ذلك؟
□ من ناحية المؤسسات الثقافية للدولة فلدي تجربة غير طيبة مع المركز القومي للترجمة وسلسلة الجوائز، حيث حاولت نشر كتاب للشاعر الأمريكي المعاصر غريغوري أور، من خلال المركز، لكن المحاولة للأسف باءت بالفشل.
■ كيف تتوقع استقبال القارئ العربي للرواية؟
□ أرجو أن يتم استقبال الرواية بصورة تليق بها وبمكانتها، فالرواية تحظى بشهرة واسعة ومكانة مرموقة على مستوى العالم الغربي والعربي. فعلى مدار السنوات الماضية، كانت تأتيني رسائل عدة من داخل مصر، ومن شتى ربوع عالمنا العربي تسأل عن الرواية وموعد خروجها للنور، خاصة أن هذا العمل المتميز، يحتل مكانة مرموقة بين روايات العالم، حيث تم تصنيفه ضمن أفضل مائة رواية في تاريخ الرواية على الإطلاق.
■ وبالعودة إلى الرواية.. كيف كان استقبالها في عصرها؟
□ في بريطانيا تعرضت الرواية لعاصفة من النقد الشديد في البداية، من قبل معاصري لورنس ستيرن، ذلك لأسباب جمالية وأخلاقية، تجلت في صدمة شديدة شكلتها الرواية في المجتمع الفيكتوري، من خلال المواقف الصريحة الفجة التي عرضها المؤلف، والتي تحتمل على الدوام تأويلات عدة متناقضة ومختلفة، مع طرحه للعديد من التساؤلات حول الواقع السياسي والاجتماعي، ومفهوم الحياة والثقة والأمانة والضمير، من خلال تساؤل الرواية في شخص بطلها، هل الرجل يتبع القواعد؟ أم أن الآخرين هم الذين يتبعونه؟ من ناحية أخرى أثارت الرواية العديد من التساؤلات، أو الاستنكار بمعنى أدق.. فكيف يمكن للأدب القصصي أن يُكتب بهذه الطريقة؟ أي علاقة كانت لحكاية ستيرن بالتجربة الواقعية، بل بالكتب الأخرى؟ هل الاقتباس غير المشار إليه في العمل من كُتاب آخرين (رابليه، فرنسيس باكون، جون لوك) يصل إلى حد السرقة الأدبية؟ كان النقاش عنيفاً، استفاد ستيرن منه مضمناً تعليقات المراجعين، وردود فعله عليها في أجزاء لاحقة من الكتاب. وقد عمد ستيرن من خلال شخصيته شاندي إلى إيقاع النقاد في حيرة من أمرهم، فعمله إما يتجاوز قدراتهم، أو أنه أدنى من إثارة اهتمامهم. وعلى عكس بريطانيا، فقد استقبل النقاد في ألمانيا روايته بترحيب وإعجاب، وعلى رأسهم جوته ورواد الحركة الرومانسية، كما تأثر بعمله كارل ماركس الذي حاول محاكاة عمله في رواية. ولتوضيح مثل هذا التأثير نجد أنه بعد سبع سنوات من نشر الرواية، شارك كُتاب آخرون مقدمين نسخاً بديلة غير مرخصة، تتمات ونهايات وافتتاحيات. كما ابتدع متحمسون وصفات تريسترام شاندي السحرية والطبية، كذلك إنشاء المقابر والأضرحة لشخصيات الرواية، وسموا خيول السباق على أسمائها. فأصبح الكتاب جزءاً من الحديث المحلي والعالمي أحياناً.
■ قيل إن الرواية فيها سمات من روايات ما بعد الحداثة، كيف ترى ذلك؟
 
 
□ نعم .. على الرغم من النقد الشديد الذي تعرضت إليه الرواية من قِبل معاصري ستيرن، إلا أنها صارت مرجعاً مهماً للأفكار والشخصيات والتقنيات الروائية، نهل منه كثير من الكتّاب، وبداية لأسلوب تيار الوعي الذي ظهر في فن الرواية في بدايات القرن العشرين مع روايات جيمس جويس وفرجينيا وولف. فـ «تريسترام شاندي» ليست رواية بالمفهوم التقليدي، وإنما نص طويل في تسعة مجلدات يروي فيه تريسترام سيرة حياة أفراد عائلته ومجتمعه بالتفصيل الدقيق في مزيج من الأحداث والتأملات والوصف والسرد المسهب، يتخلله الكثير من الشطط والابتعاد عن الموضوعات الرئيسة. فالاهتمام ليس بالفكرة أو الثيمة، بل بالطريقة التي تروى بها الأحداث، فلا قيود بحبكة أو ترتيب عِلّي للأحداث. حتى أن تقنيات الرواية جاءت ساخرة بدورها وخارجة عن صرامة تقاليد الكتابة، مثل استخدام علامات الترقيم بكثرة، وترك الصفحات البيضاء، والرسومات والأشكال المقحمة، ليؤكد عدم واقعية الرواية. وبذلك تتجلي أهمية هذا العمل عبر تطوير لورنس لبنية الرواية من خلال أسلوب السرد، الذي تبناه العديد من الكتاب في إطار أدب الحداثة وما بعد الحداثة، فالموضوع لا يرتبط بشخص البطل، بل بالمواضيع التي يحلو للكاتب تناولها، والتي تتفرع وتتشتت عن الحدث الأصلي، أو الموهوم بأنه أصلي، إلى جانب حوارات متخيلة ممتدة مع قراء ونقاد.
■ كيف ترى حركة ترجمة الأدب إلى العربية اليوم؟
□ أعتقد الحركة ضعيفة لحد ما عندما نقارنها في دول مجاورة، فهي تحتاج لجهود ضخمة وتبني سياسات وميزانيات مناسبة وحماس، ورغبة صادقة من قِبل الجهات الرسمية من ترجمة ونشر وتوزيع الأعمال ودعمها، لتصل إلى القارئ في يسر وسهولة، وبأسعار تكون في متناول القارئ العادي، وبحاجة لتسليط الأضواء عليها في وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمقروء بصورة أفضل. فبجانب المؤسسات الرسمية هناك العديد من دور النشر الخاصة التي تساهم بفاعلية وبدور متميز يستحق الإشادة والتقدير في ترجمة الأدب، وإن كان الاهتمام بترجمة الأعمال الروائية يفوق بكثير ترجمة الأعمال الشعرية، ذلك بسبب زيادة الإقبال من جانب القراء على شراء واقتناء الأعمال الروائية. من جانب آخر يجب الاهتمام بالمترجم والمحافظة على حقوقه ورعايته مادياً ومعنوياً، إن أردنا حركة ترجمة فاعلة ونهضة أدبية يكون لها تأثير مباشر في نشر العلم والثقافة.
■ وما موقع الرواية العربية من الأدب العالمي؟
□ الرواية العربية لا تحظى بالمكانة المرجوة، وإن كانت هناك بعض الجهود التي تُبذل في ذلك، من خلال تبني بعض مراكز الترجمة الرسمية والخاصة ترجمة بعض الأعمال الروائية التي تفوز بجوائز معينة. فنحن بحاجة إلى تسليط الضوء أكثر على الأعمال التي تستحق، حتى نصل بالرواية العربية إلى المكانة التي تليق بها.