Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    07-Mar-2017

عن الاستقلال الفلسفي في بلادنا - ابراهيم العجلوني
 
الراي - كان «الاستقلال الفلسفي» هو الهم الاكبر الذي ادار حوله المفكر اللبناني ناصيف نصار مجمل جهوده المعرفية, ولا سيما كتابيه: «طريق الاستقلال الفلسفي» و»الفلسفة في معركة الايديولوجية» وكان من شروط هذا الاستقلال الفلسفي وفي مقدمتها: رفض الانتماء الى اي مذهب فلسفي مهما كانت منزلته في تاريخ الفكر البشري, ثم تعيين المشكلة الرئيسية للنظر الفلسفي في اطار من خصوصية الزمان والمكان, ثم القدرة على النقد الفلسفي للنظريات والانساق.
 
وغير خاف إن شيئاً من ذلك لن يكون الا بشق الانفس واستنفاد الوسع في اصعب المسالك, ولكل شرط من الشروط الثلاثة المذكورة آنفاً تكاليفه واعباؤه, وليس يقدر على ذلك كله الا اولو العزم من المشتغلين بالفكر وهم قليل.
 
واذا كنا نرى ان الفلسفة انما كانت من اجل الانسان في مضطربه الوجودي, من اجل سعادته وتوازنه النفسي واطمئنانه الى واقع يضمن له الكرامة, فإن بنا أن ننظر الى الشرط الثاني من شروط ناصيف نصار, وهو تعيين المشكلة الرئيسية للنظر الفلسفي, باعتباره اكثر هذه الشروط اهمية في المرحلة الحرجة التي يمر بها عالمنا العربي. ولقد كان الدكتور نصار منسجماً مع نفسه وهو يصوّب فاعليته الفلسفية الى الواقع اللبناني اولاً ثم الواقع العربي, تحقيقاً لهذا الشرط الذي نعتقد أن المشتغلين في بلادنا بالفلسفة لم يولوه ما يستحقه من اهتمام, اذ لطالما رأينا كيف يتنكّب بعض هؤلاء الواقع الذي يعيشونه ويتنفّسون مشاكله ويهربون الى ما يعتقدونه ذا دلالة على تبحّرهم أو عمق فهمهم لهذا الفيلسوف الغربي او ذاك, على حين لو كان ذلك صحيحاً لأثمر رؤية اكثر عكوفاً على مجتمعهم وادنى مقترباً من مشكلاته, ولكان تفكير الشاب الاردني أو المصري عندهم اولى بالتحليل من تفكير كارل ماركس في شبابه, وكان قلق أي منهما المعيشي أولى بالدرس من قلق سارتر الوجودي!!
 
إن اول ما نفيده من تجربة «ناصيف نصار» هو ضرورة انهاء الاغتراب الفلسفي عن واقع الحياة في مجتمعاتنا العربية. وذلك لا يكون بحال ما بقي المشتغل بالفلسفة مفتقداً لأصالته الذاتية وغائباً عن واقعه الموضوعي الذي لا ينفك عن أبعاده التاريخية والحضارية.
 
إن من أسوأ ألوان الترف الفكري أن ننشغل عن الانسان العربي (في مكابداته وعذاباته) بطفولة اسبينوزا وشباب هيجل وتصورات ماركس في كتاباته الاولى. وإن من أبلغ دلائل احترام الذات (فلسفياً) أن نتوفّر على درس مشكلات طفولة ابناء معان ومعاناة شباب الزرقاء (في الاردن) وعلى تباعد بين المناهج الاكاديمية وبين هموم الناس في المخيمات والبوادي, وغير ذلك من المشكلات الرئيسية التي ينبغي للنظر الفلسفي – ما بقي هذا النظر انسانياً وذا جدوى – أن يراها أهلاً لفاعليته ومستراداً لها.
 
إن اغتراب الفعل الفلسفي (بما هو فعل تبصّر وحكمة) عن الواقع, هو برهان فساده بقدر ما هو سبب لفساد الواقع نفسه, أو لوقوعه نهباً للفاسدين, وذلك ما يطول الحديث فيه إن كان ثمة من يطيق المكاشفة أو من لا يشدد على اصحابها النكير.