Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    28-Nov-2017

العلمانية لم تعد عصيَّةً على النقاش! - د. زيد حمزة

 الراي - كما أن هناك موضوعات وقضايا كان من الصعب الاقتراب منها وبحثها أو حتى الاشارة اليها لأنها قد تُغضب أو تربك الرقيب الخفي الذي يتخيله أو يؤكد وجوده وراء كل ستار اولئك الذين كانوا يتصدون لِهمِّ الكتابة العامة ويجازفون بنقد السياسات الحكومية أو ذات العلاقة بدول أخرى حليفة أو صديقة! فان هناك مثيلاتها من المواضيع والقضايا التي لا علاقة مباشرة للحكومة بها وكان يمكن ايضاً أن تُحدث ضجة في المجتمع وتثير غضب جماعات ومنظمات واحزاب سياسية ونقابات، أو تستفز مشاعَر مجموعةٍ كبيرة أو صغيرة من هذا المجتمع تحمل أفكاراً ومعتقداتٍ تصر على أنها فوق أي نقد باعتبارها حقائق أزلية ينبغي ان يحترمها ويقدسها الجميع في كل الأمكنة والازمنة.. وفي مثل هذه البيئة التي سادت لعقود طويلة بلادنا العربية ضاغطةً على عقول الناس وخانقةً للحريات العامة ومنكرةً للحقوق الاساسية وفي مقدمتها حقوق المرأة كان ينبغي على الكاتب أخذ الحيطة والحذر واتباع ما يتوفر له أو يستنبطه من وسائل تُجنِّبهُ الصدام ومن ثم المنع وتُبقي له الفرصة الضيقة المتاحة لخروج آرائه الى الناس، وليس مقبولا بالقطع ان يلجأ من أجل ذلك الى المداهنة والنفاق أو يغرق في اوحال الانتهازية والعمالة.

 
وإني لأغامر الآن بالمجاهرة بالرأي الذي أردده في مجالات أخرى ومفاده أن تلك البيئة قد أخذت تتحول وتتغير، ببطءٍ هنا وبسرعةٍ هناك، منذ أن تحركت الجماهير الغفيرة ونزلت الى الشوارع والميادين في عام 2011 ،كما أنها رغم بعض الانتكاسات والاختراقات قد بدأت تتسع وترتقي بفضل تعدد وتنوع صيغ التعبير في عالم الانترنت وتطبيقاته ومشتقاته من ادوات التكنولوجيا سريعة الانتشار وهائلة النفوذ حتى أصبح بمِكنة أعدادٍ اكبر من المفكرين والناشطين أن يُدلوا بدلائهم في شتى صنوف المعرفة وفي مختلف القضايا السياسية والاجتماعية ما داموا لا يدعون للعنف واستخدامه.. ولعل القارئ يستطيع بعد هذه المقدمة أن يستذكر مئات الأمثلة المعبرة عن المرحلة الوليدة الراهنة، وساطرح للتوضيح والتدليل مثلاً واحداً شهدتُه بنفسي في الاسبوع الماضي حين حضرتُ المناظرة المدهشة التي اقامتها رابطة الكتاب الاردنيين حول ((العلمانية)) وكان طرفاها كل من استاذ الفلسفة الدكتور احمد ماضي الماركسي المعروف والاستاذ سالم الفلاحات احد قادة الاخوان المسلمين من اصحاب الآراء الحرة المستقلة وادارها الشاعر الموهوب المقموع موسى الحوامدة.. وهي بالطبع ليست المرة الاولى التي تخضع فيها العلمانية للنقاش رغم أنها بقيت معظم الوقت عصيّة عليه منذ ان ورث الهيمنةَ على ثقافتنا من قِبل العثمانيين المستعمرون البريطانيون والآخرون من بعدهم واوهمونا أنها تعني نظام الكفر والالحاد مع أنهم يتبنونها في بلادهم ومع أنهم رحبوا بكمال اتاتورك حين طبقها في تركيا المسلمة (!) بعد أن انقلب على الخلافة العثمانية.. عدوتهم اللدود لقرون مضت.
 
لا أنوي هنا أن اتحدث عما دار في المناظرة او أمحّص حقيقة ما قيل وتردد فيها خصوصاً وأن اسماء المشاركين يمكن أن يشي بمواقفهم المسبقة لكن المفاجىء كما بدا لي على الاقل ان الاسلامي سالم الفلاحات لا يضمر للعلمانية عداءً ولا يعترض عليها من حيث المبدأ بل هو يقترح استبدال اسمها بالدولة المدنية حتى لا تنفّر الذين جاز عليهم لأمد طويل ما أُشيع من أنها عنَت�' في ديار الآخرين إلاباحية والغاء الاديان فذكّرني ذلك بما جاز عليهم ايضاً من تشويه لمعاني ومرامي فلسفات ومبادئ سياسية عديدة أخرى كالماركسية، وقد عقّب احمد ماضي مرحباً بهذا الراي الايجابي وتمنى ألا يكون صنواً لقول زعيم إخواني آخر صرّح بانه يوافق على الدولة المدنية شريطة أن يكون الدين مرجعيتها فنسف بذلك اساس هذه الدولة ، واضاف ماضي بان المفاهيم الحقيقية للعلمانية كما يراها تعني ببساطة عدم تدخل الدين في السياسة ومنع استخدامه لغير شؤونه كما تعني احترام جميع المعتقدات الدينية بلا تمييز او استثناء ، فذكّرني ذلك ايضاً بما كنت ألمّح له بحيطة وحذر وبخشية المس بالمقدس، أيام كنت اطالب بـ ((بحياد الاديان)) بديلاً عن ((حوار الاديان)) الذي اعتبرتُه تضييعاً للوقت وهدراً للجهد والمال حتى لو حُسنت�' نوايا الدعين اليه !
وبعد.. ما أحلى انعتاق العقل من العبودية !