Tuesday 23rd of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    25-Feb-2017

رويدكم هذا الطفل من...عجين - م. باهر يعيش
 
الراي - مع آذان الفجر تصحو.. توقظ الصغير إبن الستة أعوام. تغسل وجهه تمشط شعره تتأكد من نظافته الشخصية تقليم الأظافر نظافة الأنف و الأذن ملابس نظيفة و مكوية إن تيسر ذلك، تضع خبزا وجبنا و قطعة من خيار من خير الحقل في كيسه المدرسي من قماش يمسك أبيه بيده و يسيران في اتجاه المدرسة هو اليوم الأوّل للصغير يتهيب الخروج من المنزل يشعر بأنّه سيغادر حضن أمّه الى لا عودة الى المجهول يحاول أن يشد يد أبيه الى الخلف ليعود تشجيع من الأم مع أشفاق وقلق مشروعين تشعر كأنّه سيخرج من رحمها للمرة الثانية لم يعد صغيرا.. خسارة الأخوات يزيّنّ المدرسة يغرونه بها بالرفاق و اللعب، الأبّ بأسلوبه: أصبحت رجلا ستصبح ضابطا مهندسا مدرّسا طبيبا لكن يبقى المجهول غير مرغوب بالنسبة إلى الطفل أن يبقى وحيدا مع أناس لا يعرفهم كابوس لا يدري نتيجته الابتعاد عن المنزل و الأم و الأخوة مخاطرة ليس لها في عرفه معنى ولا يحب الخوض فيها.
 
يعبر الأب ممسكا بيد الصغير باب مدرسة متواضع قديم مبناها من حجر جبال الوطن. صفان من غرف التدريس يستعرضان ممرا واسعا بينهما، ساحة لعب متواضعة غرست بها ماسورتان نحيلتان لتثبيت شبكة لعبة الكرة الطائرة. صف من مراحيض عربية في جانب الساحة وطابور استعراضي من صنابير ماء نحاسية صفيرة تدمع تتعلّق بجدار حوض طويل يتردد الصغير.. يزداد تردّده, يحاول أن يغرس قدميه في الأرض... لا يفلح يدخلان غرفة المدير يرحّب بالأب جاره وقريبه شأن كلّ من في الحيّ يتولى(مربي الصّف) عملية التسجيل, يقودهما الى غرفة الصف (الأوّل أبتدائي) أطفال متشابهون ملجومون ملخومون مشدوهون بفارق شعر يخط رؤوسهم, كلّ أثنين ثلاثة على مقعد يجلسون الصغير بجانب طفل آخر ينساب منه الدمع وماء الأنف مدرارا, يخفق يتنهّد بصمت. ينظران إلى بعض خلسة تقترب العدوى من صغيرنا لكنّ...يرى أباه فيرتدع يتجلّد رجولة الطفولة يحاول السيطرة على فزعه تبدأ شفتاه بالرجفان.. يمسك نفسه, يحبس أنفاسه ويهمد يتشبث بكم والده القشّة الأمل المتبقي في انقاذه يتدخل الأستاذ و يفصل بينهما بلطف و حزم يغادر الأب هاجس القلق والاشفاق على الصغير يتمنى العودة يضمّه الى صدره و يعيده الى البيت يقاوم والصغير يقاوم كلّ بطريقته يضبط عواطفه و يمضي من هنا تبدأ الحكاية لا أم و لا أب تودع صغيرها في عهدة كائن ما كان ثمّ تمضي سوى المدرسة يضعون مصير الصغير فيمن يتوسمون خيرا وثقة في رعايتهم (تربيتهم) وتعليمهم بداية طريق خطّطوها له بأسلوبهم.
 
تمضي السّنون يزداد حمل الصغيرأثقالا من دفاتر و كتب كلما ارتقى صفا بجدارة أو ب(زحلقة) الأهل يراقبون أو لا يراقبون يشاركون أولا يشاركون كبر الصغير شاب خطّ شاربه وتفجّرت علامات شخصيّته و مراهقته المرحلة الأكثر حرجا ينهي دراسته الثانويّة يضعونه في الغربال يهزّونه يمتحنونه يفحصون قدراته فحص من خلال نتائجه يخطون للصبي مستقبله المهني بل (حياته) برمّتها هناك شبه كبير بين الدخول الأول إلى المدرسة و الخروج النهائي منها.. قلق تخوف ومجهوليّة المصير تظهر نتائج حصاد المدرسين والمربيين و...الأهل من زرع حصد ومن لم.. يا ويحتاه...يا ولداه سيرى ورقة جداول النّجاح...بيضاء من غير سوء بيضاء من دون أسماء (لم ينجح أحد)علامة مميّزة لدينا... يتوجّب حصانتها بحماية فكريّة.
 
هو طفل من..عجين (يشكّل) بأيدينا أرضعناه حليب أحرفنا علما أم أخلاقا ليس له يد في نتاجنا لا يحاسب إلا عندما ينضج ليميّز الخطأ من الصّواب أن وفقنا في تنشئته (ليميّز) سينجح وإلّا(سيسقط)(المصطلح الأقسى لعدم النّجاح لدينا) فيجنح فنعاقبه نحن (تربية وتعليم وأهل) بحاجة الى وقفة مراجعة محاسبة صريحة قاسية وواضحة مع النفس مع الذّات ترى...هل (هنا) وليس هناك...كدأبنا من يعلّق الجرس؟!.
 
mbyaish@gmail.com