Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    29-Jul-2015

المعارضة والمشاركة بما هما روح خائفة*ابراهيم غرايبة

الغد-تبدو المعارضة والمشاركة في السياسة والحياة العامة، لعبة غامضة ومعقدة، لا يفهمها عندنا المتابعون الخارجيون، حتى وهم قد أنشأوها؛ إذ اتخذت في فضائنا الثقافي والاجتماعي معاني ومواقف وأبعادا تبدو عصية على الفهم. فالسياسة لدى منشئيها في الغرب، هي ببساطة، جدل حول إدارة الموارد العامة، أو محاولة للإجابة عن أسئلة من قبيل: ما العدل والكفاء في إدارة الموارد؟ وكيف يمكن إدامتها وتجديدها وحمايتها من التبذير والهدر؟ وفي ذلك، تتشكل الأحزاب والتيارات والمصالح والتجمعات. أما في حياتنا السياسية والعامة، فلا علاقة لها بذلك، وهي مشحونة برموز وطقوس لا علاقة لها بالمعارضة والمشاركة وفق المفهوم الذي نشأت وفقاً له في بلادها الأصلية. والحال أنه يصعب اليوم في الأردن تحديد وصف أو معنى للحكومة والمعارضة.
الأكثر ملاءمة لتنفيذ السياسات الحكومية، أو المشاركة فيها، أو التحالف معها، هم القادرون على التعاطف الصادق. ولكنه تعاطف فقط مع اتجاهات ومشروعات ومواقف مختلفة أو مناقضة للسياسات الحكومية أو معزولة عنها... أولئك القادرون على البكاء، فقط البكاء، لأجل حالة تحاربها الحكومة، وفي الوقت نفسه يتحالفون مع الحكومة في حربها؛ يمثلون نموذجا فريدا آمنا للحكومات. وبالمناسبة، فإن هؤلاء ليسوا نادرين في مجتمعاتنا، ويجب الاعتراف بأنهم يملكون طاقة خارقة للعمل المناقض لضمائرهم. هم في بكائهم واعتذارهم لا يريحون ضمائرهم، ولكنهم يطمئنون الحكومات. ويمكن تسمية هؤلاء النموذجَ المتوقع أو المحسوب. في المقابل، فإن غير المتوقعين مزعجون غير آمنين؛ يمكن أن يخرجوا عن النص أو يجترحوا مفاجآت محرجة في أي لحظة.
وعلى عكس ما يبدو أو يظن للوهلة الأولى، فإن هؤلاء الذين لا يظهرون تعاطفا مع الحالة التي تواجهها الحكومة، أو يظهرون تأييدا كبيرا وتنظيرا مقنعا للحالة التي تؤيدها، يمثلون عبئا مزعجا على الحكومات. فهم إن كانوا يمثلون، لن يكونوا قادرين على الاستمرار؛ سوف ينهارون أو يتراجعون في لحظة ما. أما إن كانوا جادين، فهم أيضا مزعجون للحكومات، إذ لا تحب النخب المهيمنة أحدا متحمسا لقضيتها ومعاركها أكثر منها.
تقرأ وتسمع، على سبيل المثال، نقدا جارفا وبدهيا لأولئك الذين وضعوا يدهم بيد الحكومة (يستخدم عادة مصطلح الدولة)، ويوصف ذلك بالعمالة والخيانة. ويبدو ذلك متقبلا ومفهوما لدى المستمعين والقراء. لكن التفسير الطبيعي للموقف والمقولات الكاسحة هو أن الحكومة القائمة هي حكومة أجنبية أو حكومة احتلال! لكن الأكثر غرابة وتناقضا أن هؤلاء الأبطال والمتصدّين للخيانة، لا يختلفون عن خصومهم في شيء في علاقتهم بالحكومة أو الدولة، وتكتسب الحالة إجماعا تبدو معه محاولة فهمها أو نقدها أمرا يدعو إلى السخرية والنبذ. في الواقع، أنت تخرّب عرسا أو حفلة زار تشارك فيها الحكومة والمعارضة على السواء.
الحكومة تبذل جهدا خارقا وعبقريا في إنتاج الخواء. ونحن نتنازل عن ذكائنا بذكاء كبير، ونندمج في المسرحية، متظاهرين أنها حقيقية، ومتظاهرين أننا لا نتظاهر. وفي أوقات الفراغ، نبكي لأجل البراءة والزمن الجميل. اكتشاف رائع ذلك الطقس المعقد في الإقبال الكاسح على مديح أسلوب في الحياة والسلوك الاجتماعي نعلم جميعا أننا لن نمارسه على الإطلاق ولن نقبل به في الحقيقة، لكننا في ذلك نشحذ عزائمنا ونستعيد الطاقة لنمضي في القبح الذي نلعنه ونطوف حوله بحماس.
الكارثة الفظيعة في هذه المنظومة أنه لا يمكن الاستيقاظ أو الخروج من هذه الغيبوبة من دون ألم وعزلة، أو التطرف.. أو الهروب! ماذا يفعل أولئك المحمومون في "المولات" والطرق والمقاهي والمؤتمرات والندوات، أو في الصحافة والفضائيات وشبكات التواصل الاجتماعي، أو في المساجد والجماعات، أو الغارقون في "موبايلاتهم".. سوى التدعشن أو الانتحار أو الغيبوبة.