Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    04-Jun-2017

صناعة محلّية ! - د. لانا مامكغ
 
الراي - استقبلني عند الباب بالسّؤال: « وين كنتِ ؟ « فأجبت بهدوء: « كنتُ أمشي... رياضة يعني! « قلتُ هذا وأنا أكتمُ ضحكتي أمام الصّغير، حفيد إحدى الجارات، الذي شعرتُ أنّه قرّر تقمّص دور الرّجل فجأة، لكنَّ صداقتي معه كانت تسمح بهذا النّوع من التّحقيق الطّريف !
 
وفي محاولة للتوّدد إليه؛ مددتُ يدي إلى جيبي وأخرجتُ قطعةً نقديّة من فئة الخمسة قروش لأخبرَه بفرح أنّي وجدتها في الطّريق، وأنَّ بإمكانه الاحتفاظ بها... هنا، وجدتُ ملامحه البريئة تكفهرَّ فجأة، ليبتعدَ عنّي بنفور وهو يسألُ باستهجان: « كيفَ تأخذين ما ليس لكِ... إنتِ حراميّة؟»
 
سادَ صمتٌ بيننا للحظات وأنا لا أعرفُ بماذا أجيب أمام عينيه الغاضبتين، فقلتُ بارتباك: « لكنّي وجدتها في شارعٍ فرعي فارغٍ من المارّة، كما أنَّ المبلغَ تافه ولا يستحقُّ... « فقاطعني بحدّة: « كان لازم تتركيها، يمكن صاحبها يرجع يبحث عنها... لازم بكرة تسلمي المبلغ للشّرطة... حرام عليكِ!» ثمّ ركض إلى البيت ليتركني أقفُ على الرّصيفِ ببلاهة وأنا أشعرُ بالخزي والعار والضآلة!
 
ولم أجد مخرجاً من الورطة سوى باللجوء لوالديه للتوسّط بيني وبينه لإنقاذ صورتي في ذهنه... وما زالت محاولاتهما مستمرّة حتى اللحظة !
 
في خضمّ هذه المعاناة... وفي حادثةٍ نقيضة؛ حدّثني أحدُ الآباء عمّا حدثَ في إحدى المدارس الخاصّة مؤخّراً خلالَ يومٍ ترفيهي للأطفالِ وأولياء أمورهم، ليقول: « قسَّم المشرفُ الطّلبة إلى فريقين، ثمّ رمى عدداً من الكرات في أرض الملعب، ليطلبَ من كل فردٍ في كل فريق إحضارَ كرةٍ واحدة فقط إلى الصندوق المخصّص لكلّ فريق، فيكون الفوز للمجموعة التي تحرزُ العدد الأكبر من الكرات، ثمَّ حدثَ أن غادرَ الرّجلُ المكان ليردّ على مكالمة هاتفية، ليبدأ الصّغارُ في اللعب، أمّا المخزي في الأمر؛ فقد كان في تدخّل الآباء حين استغلوا غيابَ الرّجل وبدأ كلٌّ منهم يحثّ ابنه على إحضارِ كرتين أو ثلاث مرّةً واحدة بما يخالف تعليمات اللعبة، فاستجابَ الأولاد لينتهيَ الأمرُ بفوز الفريق الذي نجحَ في الغشّ أكثر من الآخر..»
 
ويُنهي الأبُ انطباعَه بالقول: « يومها؛ اكتشفتُ ببساطة، كيفَ يُصنع الفاسدون في مجتمعاتنا!»
 
موقفان يُعبّران عن تناقضٍ صارخ ليضع كرةً من نوعٍ آخر في مرمانا نحنُ الكبار لنواجه السّؤال الكبير: هل نملكُ رؤيةً واضحة حازمة حاسمة في موضوع القيم التي نودُّ إكسابَها لصغارنا؟ خاصّة أنّنا نتشدّقُ بكوننا مجتمعاتٍ دينيّة؟ هنا، والمعذرة على السّؤال الأكثر إلحاحاً: لماذا تتفوّقُ علينا مجتمعاتٌ أخرى في دولٍ علمانية حين تنجحُ في غرسِ القيم والأخلاق الجميلة لدى صغارها دون ترهيبٍ أو ترغيب، أو إشارة لعذاب القبرِ والجنّة وجهنم؟
 
وألف معذرة مرّة أخرى حين أجزمُ بالقول إنّه لا يجوز لنا أن نندهشَ ونُصدمَ ونُصعق إزاء حالات الفساد السّائدة؛ فالفاسدون ليسوا وافدين من كواكبَ أخرى... الفاسدون نحنُ الذين نصنعهم بأيدينا!