Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    12-Apr-2017

عن ندواتنا وحواراتنا - بلال حسن التل
 
الراي - الندوات من أهم قنوات الحوار, ومن ثم بناء القناعات, وتوجيه الرأي العام, هذا إن توفرت في هذه الندوات شروطها الموضوعية, ومن خبرتي التي تمتد لعقود في ممارسة تنظيم الندوات والمشاركة بها محليا وعربيا وإقليميا ودوليا, أستطيع القول أن هناك بونا شاسعا بين ما يجري في بلادنا وما يجري في بلاد الكثير من خلق الله في مجال تنظيم الندوات والهدف من هذا التنظيم. من ذلك على سبيل المثال أن الأصل في الندوة أن يكون لها عنوان محدد, وقضية محددة, يتم تناولها ومعالجتها من مختلف جوانبها, وهذا يتطلب من المتحدث أن يستعد استعداداً كافيا في إعداد ما سيقوله, وأن يدعمه بالأرقام والوقائع والتجارب, سواء كانت تجارب شخصية أو تجارب موثقة للغير, لكن ما يجري في جل ندواتنا غير ذلك تماما, ففي كثير من الأحيان يأتي الحديث عن موضوع لاعلاقة له بعنوان الندوة المعلن, تماما مثلما نقرأ في بعض الصحف والمواقع الإلكترونية عنوانا مثيراً, حتى إذا قرأت الخبر لم تجد بينه وبين العنوان صلة تذكر, وأن العنوان ليس أكثر من خدعة للقارىء, فإذا تجاوزنا قضية العلاقة بين العنوان والمضمون, سنجد أن الكثير مما يقال في ندواتنا خال من المضمون الجاد المبني على الوقائع والحقائق والأدلة والبراهين, وأن جل هذا الذي يقال مجرد انطباعات لا علاقة لها بالبحث العلمي ولا بالتحليل ولا بحقائق الواقع, ولذلك جاءت جل ندواتنا تتسم بصفتين سلبيتين, أولهما انفلات الحوار وعدم انضباطه وتقيده بموضوع واحد, فقد تحضر ندوة علمية ذات علاقة بالمفاعلات النووية, ثم تسمع سؤالاً في هذه الندوة عن عذاب القبر مثلاً, أما السلبية الثانية فهي ندرة الحضور في الندوات المتخصصة, وشدة الحضور في الندوات ذات الطبيعة السياسية, فحضور الندوة المتخصصة يحتاج إلى إعداد وتحضير, كما أنه يمكن تفنيد الرأي المطروح بسهولة بحقائق علمية واضحة, بينما الندوات السياسية يسهل فيها شتم الحكومات والسلطات وإطلاق الانطباعات, ثم إنك تجد من يصفق لك ويبتسم في وجهك, رغم أنه لا يأخذ كلامك على محمل الجد.
 
وعلى ذكر الانطباعات فإن جل ما يقال في ندواتنا هو انطباعات عامة, لا تقوم على الفحص والتجريب والتحليل, وهي بالإضافة إلى ذلك تغرق بالتعميم الذي يؤدي إلى التعمية, خاصة عندما تغرق في وصف سوء الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي نعيشه, وهو وصف يقوم أيضا على أساس الانطباعات, وليس على أساس الدراسات, ثم إننا لا نسعى إلى الخروج من حالة الوصف إلى حالة تحديد العلاج بدقة, وجل ما نفعله هو رفع الشعارات البراقة كشعار الإصلاح السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي أو التعليمي, دون أن ندخل في كيف؟ وأين؟ ومتى؟ لذلك فإن مايقال في جل ندواتنا مادام لا يخرج عن العموميات ويمكن أن يقال في كل الأماكن, ومهما كان مستوى الحضور فإنه لن يترك أثراً ولن يحدث تغيراً ولن يسهم في إصلاح.
 
سلبية أخرى من السلبيات التي تتسم فيها جل ندواتنا هي عدم احترامنا للوقت, فكثيراً ما يتحول سؤال أو مداخلة إلى محاضرة إضافية, تزيد الحضور مللاً على ملل, وهو الأمر الذي يصبح كارثياً عندما يكرر بعض الحضور أسئلتهم أو مداخلاتهم دون إضافة أو زيادة, فلم نتعلم بعد أن سؤال الغير يسد عن سؤالنا إن كان يتناول نفس القضية, لابل نفس الجزئية, وهذه الظاهرة أعني علاقة عدم احترام الوقت وتكرار السؤال, لها علاقة بشهوة الكلام التي إبتلى بها الكثيرون منا فجعلتهم يصرون على الحديث وعلى الإطالة ليس لتقديم فكرة, أو لإغناء فكرة بل لتسجيل الحضور ولفت النظر.
 
غير أن أخطر خلل أصاب ندواتنا أننا لا نذهب للحوار لنصل إلى قناعات مشتركة, بل أكثر من ذلك فإن الكثيرين منا يقولون من على المنابر وفي القاعات, خلاف ما يؤمنون به ويدعون له في مجالسهم الخاصة, لكنهم إذا اعتلوا المنابر احتكموا إلى قاعدة « الجمهور عايز كده» ولهذا فإننا في جل ندواتنا نذهب للمناكفة وليس للحوار الذي يؤدي إلى بناء القناعات المشتركة وهذا سبب من أسباب عدم تأثير الندوات في بلادنا على كثرتها, يضاف إليه أسباب أخرى منها أن جل منظمي الندوات لا يهدفون إلى خدمة فكرة معينة ونشرها ولا إلى بناء رأي عام حول قضية معينة, ولكنهم يبحثون عن حضور إعلامي, وإضافة بند في تقريرهم الإداري كموظفين, لذلك ترى الكثير من الموضوعات المكررة حسب الموسم, وهذا يلحق الكثير من الضرر في قضايا جوهرية عندما يصبح الحديث بها وحولها مجرد « موضة» يختلط بها الحابل بالنابل, كما نرى في قضية الإرهاب والتكفير منذ سنوات, وفي قضية المناهج منذ أشهر.
 
بعد هذا كله نسأل لماذا تشهد حياتنا الثقافية والفكرية كل هذا اليباب والفقر المدقع وللإجابة على هذا السؤال يجب أن تسبقها إجابة على سؤال آخر هو: إلى أين تذهب حصيلة جل هذه الندوات؟
 
Bilal.tall@yahoo.com