Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    04-Jul-2015

لعبة الفكر في «الساق على الساق فيما هو الفارياق» للشدياق
الراي - سامح المحاريق
يتحمس فريق من المشتغلين بالنقد والتأريخ الأدبي لاعتبار هذا الكتاب أول رواية كتبت باللغة العربية، وربما يتخذ الكتاب إلى حد ما شكلا روائيا، وربما يكون سيرة ساخرة، ولكن الهدف من كتابته لم يكن إطلاقا لأي من غايات التسلية أو التعبير عن الذات، فاعتبار أي كتاب بوصفه رواية يجب أن يقترن أصلا برغبة الكاتب في وضعه على هذه الصورة دون غيرها، والسيرة الذاتية أيضا لا تكون بمجرد تتابع المشاهد مع التعليقات اللاذعة، والسؤال لماذا قدم أحمد فارس الشدياق كتابه على صورته المتداولة، والتي تعتبر إرهاصة مبكرة في أدب السخرية.
ينتمي فارس الشدياق إلى ثقافة عربية شامية شهدت ضغوطا كبيرة في العصر العثماني، وكان المثقفون العرب يواجهون تحديات كثيرة بعضها يتعلق أصلا بالاعتراف بوجودهم كممثلين لأمة مستقلة تمتلك تاريخا عريقا وتستحق مكانة أفضل من مجرد فناء خلفي للإمبراطورية العثمانية، وبعضها الآخر يتعلق بحرياتهم الشخصية وقدرتهم على ممارسة الإبداع الفكري بمختلف مجالاته، وكان المثقفون العرب وخاصة في بلدان الشام يقاومون توجهات لتتريك الثقافات المختلفة والمتنوعة في الأقاليم التي تحكمها السلطة العثمانية، وهو الأمر الذي استشعر المفكرون العرب بأنه يستهدف هويتهم وبالتالي يحولهم إلى كائنات منفصلة عن واقعها وعن محيطها الطبيعي، ولأن السلطة العثمانية مارست القمع لتطبيق هذه المشروعات، ولأنها كانت تضع ممثلين في الحكم يقاس نجاحهم بقدرتهم على جباية الضرائب مهما كانت وطأة القمع الذي يمارسونه من أجل هذه الغاية، فإن السخرية كانت أحد الأسلحة التي شهرت في وجه الأوضاع المتردية، وكان الشدياق واحدا من روادها.
الكتاب ينتقد المجتمع الذي يحاول أن ينصرف عن قضيته الأساسية في تحقيق العيش الكريم، ويفضح كثيرا من العناية بالمظاهر التي تدفعهم إلى التبعية المطلقة للحاكم بناء على مطامعهم في ذهبه أو مخاوفهم من سيفه، والكتاب يشتمل أيضا على عملية بحث مضنية عن الهوية وهي واحدة من القضايا الأساسية التي شغلت الشدياق في حياته، فالظروف التي واجهت العرب في تلك المرحلة كانت تتطلب تعريفا مغايرا لذواتهم، فالعروبة كانت تفرض التسلط العثماني المتستر بالدين الإسلامي وسيطرته على الخلافة، بينما كانت الهوية الإسلامية تدفع العرب للتعايش مع الدولة العثمانية لطبيعة العلاقة بين مفهومي الثقافة العربية والإسلامية، وبين الواقعين والخيارات الصعبة، بالإضافة إلى العالم المتغير الذي جعل المنطقة العربية أرضا للتنافس على الهيمنة دون أن يكون لأهلها القدرة على تحقيق الاستقلال المستقر، فإن كتابا مثل الساق على الساق كان ليعتبر بداية مبكرة للسخرية التي تشتمل على إدانة صريحة لواقع معقد بقيت الأمة العربية تعاني منه طويلا، وربما ما زالت، فمشكلات الشدياق التي دفعته ليسخر من نفسه ومجتمعه ما زالت قائمة ومستمرة.
 
 
أحمد فارس الشدياق
 
ولد لأسرة مسيحية في عشقوت في لبنان سنة 1804، وبعد تنقله بين أكثر من مذهب مسيحي اعتنق الإسلام وارتحل إلى مصر التي كانت منطلقه إلى العديد من الدول الأخرى زائرا ومتعلما، وكان انتقال المثقفين اللبنانيين والسوريين لمصر في زمن محمد علي مرتبطا برغبتهم الإنخراط في مشروعه النهضوي الذي رأوا فيه منافسا وبديلا للدولة العثمانية.
كان ضمن الفاعلين في الثقافة العربية والمشروع الإصلاحي التنويري، وتوجه للعمل الصحفي في بداياته المبكرة في مصر، وتبنى الشدياق لاحقا فكرة النهوض بالشرق الإسلامي والإصلاح من داخل الدولة العثمانية ليتوجه للإقامة في اسطنبول ويصدر من هناك واحدة من أشهر المجلات السياسية باللغة العربية عرفت بالجوائب وكانت ناطقا باسم المشروع العربي النهضوي ضمن إطار الدولة العثمانية إلا أن المجلة تعطلت قبيل وفاته سنة 1887 في اسطنبول.
 
 
مقتطفات من الكتاب
 
• ثم أن الفارياق أقام عند معلمه ريثما ختم الكتاب المذكور. وبعد ذلك أوجس منه العلم أن يربكه في مسائل تصعب عليه فينفضح بها. فأشار علي والده بأن يخرجه من الكتاب ويشغله بنسج الكتب في البيت به به فلبث على هذه الحالة مدة طويلة فاستفاد منها ما أمكن لمثله أن يستفيد من تجويد الخط وحفظ الألفاظ بَدْ بد وكان أهل البلاد يفضلون حسن الخط على كل ما تصنعه اليد. فعندهم إن من يكتب خطاً حسناً هو الذي أفق بين أقرانه في الفضل. ومع اشتهار ذلك فلم يكن حاكم البلاد يستخدم من الكتاب إلا من بذأت العين خطه وعاف الذوق السليم كلامه عيط عيط أشعارا بأن الخط لا يتوقف إلا على الحظ. وإن إدارة لا تفتقر إلى تهذيب الكلام. تع تع وإن كثيرا قد نالوا المراتب السامية والمناصب السنية وهم لا يحسنون توقيع اسمهم الشريف حس حس غير أن الفارياق لم يكن قرير العين بهذه الحرفة. إذ كان يعتقد أن الرزق الذي يأتي كشق القلم لا يكون إلا ضيقا وي وي نعم أن كثيرا من الناس قد نالوا العيش الواسع الهني. والخير المتتابع الوفي. من مورد هو بالنسبة إلى شق القلم رحب لكنه بالنسبة إلى شرههم وسرفهم ضيق واه واه غير أن الفارياق وقتئذ كان غراً لا تجربة له ولا خبرة فكان يحكم على العبيد بالقريب. ولا شيء أقرب إلى عين الكاتب من لسان قلمه وعارض قرطاسه. أو أدنى إلى قلبه من الكلام الذي يكتبه واللبيب من قنع بالحرفة التي يتعاطاها ولم يشق عليه أمت الشق ولم يشرئب إلى ما ليس يحسنه شع شع.
• وبعد فلا ينبغي أن يكون الشاعر عاقلاً أو فيلسوفاً. فأن كثيراً من المجانين كانوا شعراء. أو كثيراً من الشعراء كانوا مجانين. وذلك كأبي العبر وبهلول وعليان وطويس ومزبد. وقد قالت الفلاسفة إن أول الهوس الشعر وأحسن الشعر ما كان عن هوس وغرام. فأن الشعرللعلماء المتوقرين لا يكون إلا مكرزماً.
• فإذ قد عرفت هذا فأعلم إن اعتراضك عليّ في إيراد ما هو غير مفيد لك لكنه مفيد لي لا يكون إلا تعنتاً فإن هذين الشاعرين كتبا ما كتباه ولم يخشيا لومة لائم، ولم يعترض عليها أحد من جنسيهما. وقد اشتهر فضلهما وصيتهما حتى أن مولانا السلطان أدام الله دولته أقطع لا مرتين في أرض أزمير إقطاعات عظيمة. ولم يسمع عن ملك من ملوك الإفرنج إنه أقطع شاعراً عربياً أو فارسياً أو تركياً مقدار جريب واحد في أرض عامرة. ولا غامرة. فأما كون وازن بعير بيعر قد حاكى الإفرنج في تاريخه وهو عربي وأبواه أيضاً عربيان وعمه وعمته كذلك عربيّان. فما لم أتيقنه إلى الآن. ولعلي أعلمه بعد إنجاز هذا الكتاب فأخبر به القارئ إن شاء اللّه. وإنما أرجو أي القارئ ألا يقطع قراءته لجهله سبب هذه المحاكاة وإن يكن العلم به مهماً.
• وكأني بكم معاشر السفهاء تقولون أن إهلاك نفس واحدة لسلامة نفوس كثيرة محمدة يندب إليها. ولكن لو كان لكم بصيرة ورشد لعلمتم أن الاضطهاد والإجبار على شيء لا يزيد المضطهد وشيعته إلا كلفاً بما اضطهد عليه. ولاسيما إذا علم نفسه إنه على الحق وإن خصمه القاهر له على ضلال. أو أنه متحل بالعلم والفضائل وقرينه عطل عنها فقد فاتكم على هذا العلم الديني والسياسي. وعرضتم عرضكم للقذف والتسويد. وذكركم للمقت والتنفيذ. ما دامت السماء والأرض أرضاً.
• كان للفارياق صاحب من الديار الشامية يتردد عليه. فلما وفد الخادم بالرسالة وتخت الثياب كان هو حاضرا. فقال للفارياق أنا أذهب معك إلى الخواجا ينصر فقد سمعت بذكره غير مرة واحبّ أن أراه. فقال له الفارياق ولكن لعل في الازواء إساءة أدب في حق المزور. فإن المدعو لا يليق به أن يستصحب أحداً معه. قال لابأس فإن هذه عادة الإفرنج فأما في مصر فيمكن للمدعو أن يستصحب أياً شاء. وللمستصحب أيضاً إذا لقي واحداً في الطريق من معارفه أن يستصحبه ولهذا أيضاً أن يستصحب آخر وللآخر آخر حتى يصيروا سلسلة أصحاب بحيث لا يكون في السلسلة حلقة أنثوية. وكلهم يكلمون المزور من دون محاشاة وينالون منه الإكرام ويترحب بهم. ولا يمكن أن يسأل أحداً منهم فيقول له وأنت ما حاجتك وأيّ كتاب وصاة عندك إليّ. وما اسم زوجتك أو أختك وما سنهن. وفي أي حارة يسكن كما تفعل أصحابك الإفرنج. فلا تخش من الرجل جبهاً.