Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    16-Apr-2017

قصة نجاح - بلال حسن التل
 
الراي - من العيوب المستشرية في مجتمعنا, أننا نولي اهتماماً كبيراً في حياتنا العامة للذين يتصدون للعمل السياسي فنحول الكثيرين منهم إلى نجوم وشخصيات عامة, رغم أن سجلات الكثيرين منهم تخلو من إنجاز حقيقي, يتناسب مع المكانة التي نضعهم فيها, وهي في الغالب مكانة زائفة صناعها الموقع الرسمي بالنسبة للكثيرين منهم. وبالمقابل فإننا لا نعرف شيئاً عن الكثير من الشخصيات التي صنعت قصص نجاح كبيرة وتركت أثراُ واضحاً في محيطها ومجتمعها, وهذه من سمات مراحل التخلف الحضاري الذي تمر به المجتمعات في بعض مراحل دوراتها التاريخية.
 
مناسبة هذا الحديث لقاء جمعني مع المهندس سمير عبد الهادي عن غير سابق معرفة بيننا,لكنني اكتشفت أنه واحد من الذين من الله عليهم بسمة «القبول» الذين يشعرونك بالألفة السريعة معهم, زاد على ذلك الملامح الطيبة المرسومة على وجهه, وهذا عنصر آخر من عناصر «القبول» التي من الله بها على صنف من الناس يدخلون قلبك فوراُ, فكيف إذا ساقك الحديث معهم إلى روابط وقواسم مشتركة, كما جرى بيني وبين المهندس سمير عبد الهادي, الذي اكتشفت أنه بحق صندوق يحتوي في جوفة كنزاً ثميناً من الوثائق ذات العلاقة بفترات مهمة من تاريخنا الوطني والقومي, ورغم معرفة الرجل بقيمة ما يمتلكه من وثائق, سواء كانت صوراً أوكتابات وغير ذلك, مما يدخل في تصنيف الوثائق والمحفوظات, فإنه لا يبخل بها على أحد باحثاً عن الحقيقة أو مؤرخاً أوموثقاً,كالمرحوم زياد أبو غنيمة, الذي استفاد كثيراً من وثائق ومحفوظات المهندس سمير عبد الهادي, وهي الوثائق التي أعادني بها المهندس إلى حقبة مهمة من تاريخ عشيرتي, على وجه الخصوص وتاريخنا الوطني على وجه العموم, عندما أوكل جلالة الملك المؤسس عبدالله بن الحسين إلى والد المهندس سمير عبد الهادي المرحوم نعيم عبد الهادي رحمه الله مهمة رفع الظلم الذي لحق بآل التل مطلع خمسينيات القرن الماضي, جراء دسائس الجنرال كلوب ضدهم, نكاية بعدوه اللدود القائد عبدالله التل, وكيف أنجز المرحوم نعيم عبد الهادي الذي عين وقتها متصرفاً لإربد المهمة الموكولة إليه باقتدار يشكر عليه, وهو الاقتدار الذي رافقه فيما بعد رئيساً لبلدية نابلس ونائباً ووزيراً والذي لخصه المؤرخ المرحوم سليمان الموسى بقوله عنه « قوى الحافظة, يقظ الذاكرة, صريحاً واضحاً, وشخصية ذات حضور قوي, يتحدث عن الماضي بموضوعية وحيادية وعن الآخرين بصدق ونزاهة» ولعل هذه من الصفات التي أورثها نعيم عبد الهادي لولده المهندس سمير نعيم عبد الهادي, الذي قال عنه الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير الثقافة في دولة الإمارات العربية المتحدة في حفل وداعه عندما قرر أن يحيل نفسه على التقاعد, وأن يعود إلى وطنه ويستقر في عمان, بعد أربعين عاماً من العمل في دولة الإمارات العربية المتحدة, أن سمير» صاحب أداء متميز, وسلوك رائع وعلاقات طيبة, وهو نموذج للإلتزام بشرف المهنة ودقة الأداء والعمل الجاد لخدمة آمال المجتمع وأمانته, وهو يمثل نموذجاً رائعاً على المستويات المهنية و الإنسانية على حد سواء».
 
قول الشيخ نهيان عن الإبن المهندس سمير عبد الهادي, خريج الجامعة الأمريكية في بيروت يؤكد أنه ورث عن أبيه المهندس نعيم عبد الهادي الذي سبقه في التخرج من نفس الجامعة الكثير من الطباع ومن أسرار النجاح, لكنه اختلف عنه في مجالات العمل, ففي الوقت الذي استغرقت فيه السياسة الوالد, فإن الهندسة استغرقت الإبن, حتى صار فيها علماً ومعلماً كما يقول عنه عارفوه, وهو معلم يتمتع على رأيهم بالحكمة وبالإحساس القوي بالواجب, وببعد النظر وبعشق التميز, من خلال التفاني بالإخلاص, في كل ما أوكل إليه من أعمال, صنع خلالها قصص نجاح, تصلح لتتعلم منها الأجيال الجديدة لتكتشف سر نجاح من سبقها من مهنيين, أمثال سمير عبد الهادي, الذين جمعوا بتفوق كبير بين القيم الأخلاقية والكفاءة الفنية المهنية, مما بتنا نشكو من غيابه في أيامنا هذه, التي صرنا نعاني فيها من سوء أخلاق المهنيين, وتدني مستوى المهن, وغياب قصص النجاح, وهو الأمر الذي يزيد من أهمية الكتابة عن أشخاص كالمهندس سمير عبد الهادي, الذي اختار بعد أربعين عاماً من العمل الهندسي الناجح والمتميز أن يتنحى طوعاً, ليفسح المجال للأجيال الجديدة, وليكمل مسيرة حياته متفرغاً للأعمال الوطنية والإنسانية والخيرية وخدمة لقضيته الوطنية التي قال في وصفها الشيخ نهيان بن مبارك «أتذكر في كل مرة أراه حرصه الكبير على دعم الشعب الفلسطيني العزيز وتحقيق الحياة الكريمة له» ولعل هذا التعلق بفلسطين سبب من أسباب اهتمام المهندس سمير عبد الهادي بالتوثيق, لأن الوثائق هي ذاكرة الشعوب, والحافظة لتاريخها لذلك طالما دعونا بإلحاح كل أبناء شعبنا خاصة القادة والناجحين منهم في كل الميادين إلى توثيق تجاربهم وتجارب المحيطين بهم, ففوق أن ذلك مساهمة في بناء الذاكرة الوطنية والحفاظ عليها, فإنه مؤشر على حس حضاري أغبط المهندس نعيم عبد الهادي عليه, وأتمنى على الإعلاميين في بلادنا أن يبحثوا عن قصص النجاح في الكثيرين من الميادين بعيداً عن الإخفاقات السياسية ففي بلادنا قصص تستحق أن نضيء عليها كما في هذا المقال.
 
Bilal.tall@yahoo.com