Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    15-Aug-2019

الفلسطينيون فهموا الدرس*باسل ترجمان

 الدستور-لحظات بعيدة عن معنى الفرح بعيد الأضحى عاشها المرابطون في القدس وهم يدافعون عن المسجد الاقصى من محاولات المتطرفين اليهود اقتحامه في يوم من أكثر الايام قدسية لدى المسلمين.

الصدام مع المستوطنين لن يكون الأخير في ظل عجز إسرائيلي تام عن القبول بفكرة السلام واهميته، وانكفاء سياسي وفكري جامح حولها لدولة تختفي وراء التطرف الفاشل العسكري والديني والعجز عن التقدم بخطوة في أي اتجاه قد يجرها لمواجهة أو صدام تهاوت قدرتها على التعاطي معه واستعاضت عنها بالبحث عن استعراضات عسكرية واستخباراتية لا تأثير لها على مضمون الصراع ويمكن أن تغير في ارض الواقع.
هجوم المستوطنين على المسجد الاقصى الذي مر  في ظل زحمة عيد الاضحى وتوجه الانظار إلى البيت العتيق في مكة واجتماع ملايين المسلمين لأداء ركن الحج الاعظم شكل منعطفاً مهما سيساعد الفلسطينيين في فهم أن ما حك جلدك غير ظفرك ولا يجب انتظار  الفاتح العظيم والمحرر الذي سيأتي بجيوش زاحفة حاملا رايات العروبة او الاسلام ليحرر اولى القبلتين ذلك الامر الذي اعجب الفلسطينيين وكثيرا من العرب  رغم أن اصوات قادة عرب عقلاء نبهت وحذرت من مخاطر ذلك لكن الثقافة المبنية في العقل العربي والاسلامي على المخلص والمنقذ والمحرر ساهمت بشكل كبير في صناعة الكارثة وتعميمها.
الانزعاج الفلسطيني من تراخي حزام الدعم العربي من البعض مفهوم خاصة وأن حالة الانكفاء جراء ما تعرضت له كثير من الدول العربي من أزمات منذ تسع سنوات مع انطلاق ما سمي «بثورات الربيع العربي» التي قادت المنطقة بمجملها لكثير من الكوارث ومازالت ارتداداتها متواصلة وساهمت في تفتيت التلاحم العربي واضعاف الاهتمام بالقضايا الاساسية لصالح الازمات المحلية التي كانت اكثر عنفاً ودموية وسيطرت على مساحة واسعة من الاهتمام الشعبي والسياسي والاعلامي العربي والعالمي.
بالمقابل شكلت هذه الحال التي وصل اليها الواقع العربي فرصة مهمة للفلسطينيين للتعاطي مع واقعهم بعيدا عن التجاذبات التي تجاوزت الاطار العربي وانتقلت لأطراف إسلامية حاولت ركوب ظهر القضية وتكرار مشهد ممل للجميع.
التعاطي الفلسطيني انتقل من مرحلة الاستغاثة التي تذهب في الهواء إلى البحث عن قدرات واقعية ومنطقية لمواجهة العدو الرافض تماما للسلام وحل الدولتين يشكل مرحلة متقدمة في تطوير الوعي الجماعي وتحديد آليات وسبل المواجهة مع العدو في قضايا الصدام اليومي بمنطق وحساب الامكانيات والظروف وعدم انتظار وهم لا يأتي، ورغم مرارة الاحساس بذلك لكن التعاطي بواقعية سيجنب الفلسطينيين في المستقبل الكثير من الخسائر التي تكبدوها جراء الاوهام التي علقوها على غيرهم بان يهب لإنقاذهم من ورطة أو يتحرك لتحريرهم من الاحتلال.
الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش فهم مبكراً وبعد الخروج من بيروت إثر الاجتياح الاسرائيلي صيف 1982 عندما خاطب الشعب الفلسطيني في قصيدته مديح الظل العالي بالقول «كم كنت وحدك»، انتقال هذا الفهم ولو متأخراً للواقع الفلسطيني رغم إيلامه، سيكون أداة بناء وعي حقيقي في التعاطي مع الاحتلال بما يملكوه فقط على أرض الواقع وهذا سيخلق نوعاً جديداً من التضامن والتعاطف العربي والاسلامي والدولي مع فلسطين التي ستذهب بنضال شعبها نحو الحرية.
الفلسطينيون أمام معادلة جديدة وصعبة ستتغير فيها رؤى وآليات تعاطيهم في الصراع مع العدو على الارض ودون انتظار من سياتي لينقذهم، والأهم إخراج القضية من خانة الصراعات الاقليمية والمحاور التي تسببت لهم بخسائر كبيرة جدا ولم تجنِ من ورائها سوى الخيبات.
المسؤولية الأخلاقية والسياسية والدعم بكل اشكاله واجب على الأشقاء والأصدقاء لفلسطين وهذا ليس قابلا للنقاش لأن بعد القضية يتجاوز واقعها المحلي إلى واقع عربي ودولي ورفض إسرائيل للسلام يطرح تساؤلات حول المدى الذي يمكن أن تستمر فيه إلى ما لا نهاية بهذا التجاهل وكيفية صياغة آليات جديدة لإجبارها على القبول بالسلام أو بحلول تضعها أمام مسؤولياتها السياسية والاخلاقية أساساً.
الفهم التقليدي لإدارة الصراع انتفى تقريبا والمنطقة بأسرها تحتاج لمراجعات شاملة لرؤية اليات جديدة في التعامل مع الواقع الذي تعيشه جراء ما شهدته منذ بداية القرن من احداث نقلت نقطة ارتكاز الصراع من فلسطين الى مناطق اخرى في المنطقة شهدت وتشهد ازمات اكثر عنفا ودموية وهددت استقرار دول وكادت ان تغير شكل خريطة المنطقة تماما وتعيد تشكيلها، وهذا أدى لتراجع مركزية القضية من صدارة اهتمام العرب والعالم.
الحقيقة المؤلمة هي التي تمكن من استعادة الوعي وتضع الجميع أمام صورة الواقع مجردة ورغم صعوبة تقبل ذلك لكن مواجهة هذا الواقع بعيدا عن الاوهام سيمكن من خلق ابداع فكري وثقافي يواجه بمساندة الاشقاء ودعم الاحرار في العالم الغطرسة الاسرائيلية التي رغم كل ادعاءات القوة تتآكل يوما بعد يوم وتضعف امام العالم.