Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    10-Feb-2019

هؤلاء هم «كبار البلد»..*حسين الرواشدة

 الدستور

فيما تصاعد «دخان» الفساد حتى تلبد في فضاءتنا العامة، كما كشفت عنه ملفات التحقيق في قضية «مطيع « الاخيرة، تسلل من تحت الركام بصيص نور اشعله موظفون كبار ( لا بمواقعهم ودرجاتهم وانما بأخلاقهم وشهامتهم ايضا )، يمثلون الوجه الحقيقي للاردني الاصيل النبيل، الذي لا يخون، ولا يبيع ضميره، ولا يستقوي بنفوذه وصلاحياته الوظيفيه على وطنه، مهما كان حجم الاغراءات والضغوطات عليه.
هؤلاء يستحقون الاحترام والتكريم مرتين : مرة لانهم واجهوا الفساد وصمدوا حتى اخر لحظة على القيم والمبادئ النظيفة التي تربوا عليها، ثم جسدوها في عملهم باخلاص، وبالتالي دفعوا ثمن مواقفهم كرمى لعيون بلدهم، رغم انه كان بوسعهم ان «يطأطئوا» رؤوسهم امام موجة الفساد العاتية حتى تمر، بالصمت على الاقل ان لم يكن بالمشاركة وقبض الثمن، لكنهم تنزهوا عن كل ذلك دون ان ينتظروا « شكرا « من احد.
ويستحقون الاحترام والتكريم مرة اخرى لانهم تحملوا كل هذا الظلم الذي لحق بهم، وحاولوا ان يكشفوه من خلال القنوات الرسمية المشروعة، لكنهم حين انسدت امامهم هذه الابواب (لا تسأل لماذا..؟!) آثروا الصمت، ليس خوفا من احد، وانما من اجل الحفاظ على سمعة المؤسسات التي عملو فيها، باعتبارها مؤسسات وطنية لا يجوز ان يجرحها اي فساد لاشخاص تنكروا لها مهما كانت مراتبهم فيها.
وسط هذه المناخات التي لم تكسر فيها عين الفساد بعد، نحتاج الى التذكير بهذه المواقف التي سجلها بعض رجالات الاردن الشرفاء، كما نحتاج الى التذكير بأخلاقيات الوظيفة العامة، وبالنماذج الوطنية التي ما زالت حية في ذاكرتنا. ليس فقط لنحتفي بهم ونقدمهم كملهمين لابنائنا واجيالنا، وانما ايضا لكي نرفع «موازين» جديدة لمفهوم «كبار البلد» الحقيقيين، نضع فيها نخبنا أمام امتحان «الاكثر» وزنا في كفة أخلاق الوظيفة العامة والالتزام بمبادئها، والاكثر ايمانا بمصلحة البلد والاكثر «اقناعا» للناس، والاكثر زهدا في المناصب والاغراءات والامتيازات.
صحيح ان في تاريخنا القريب نماذج وطنية يمكن ان نستلهم منها قيم الاستقامة وأخلاقيات العمل العام، ممن تركوا في ذاكرتنا الوطنية «رمزية» خاصة للتجرد من كل مصلحة شخصية، والالتصاق دائما بالناس ومصالحهم، والارتفاع فوق «اغراءات» المواقع والاحتكام الى «نبض» البلد، هؤلاء وغيرهم لا تذكرنا بهم «الثروات» التي تركوها، وقد رحلوا فقراء، ولا تذكرنا بهم «المواقع» التي شغلوها، وانما القيم التي آمنوا بها، والمواقف التي سجلوها والأخلاقيات الرفيعة التي التزموا بها حين مارسوا أعمالهم السياسية أو الادارية أو غيرها.
لكن الصحيح ايضا ان بلدنا ما زالت «ولادة»، والشاهد هؤلاء «الكبار» الذين سجلوا باخلاقهم النبيلة على دفتر النظافة والنزاهة مواقف لا يمكن لاحد ان ينساها، اما الذين يحاولون ان يتهموا بلدنا بالعقم لتبرير فسادهم وتمريرالموبقات التي يرتكبونها للحفاظ على مصالحهم، فلا نملك الا ان نقول لهم : بلدنا ما زال بخير رغم كل هذا الغبار الذي تلبد في اجوائه، ربما سكتنا فيما مضى على هذا الخراب التي تغلغل داخل مؤسساتنا ومجتمعنا وبلدنا، وربما اغمضنا عيوننا على المرض الذي نهش اجسادنا واكتفينا بابتلاع وصفات التسكين التي كنا نعرف أنها قد تهدئ آلامنا، ولكنها لا تشفي عللنا وامراضنا، لكننا بهمة هؤلاء المخلصين وغيرهم ممن نعرفهم اوالذين لا نعرفهم بعد، سنتمكن من تبديد كل هذا الغبار..واستعادة الوجه الحقيقي للاردن الاصيل.
الآن، لا يكفي فقط ان ننتصر لهؤلاء باعادتهم الى وظائفهم، او ان نعيد الاعتبار لهم بتكريمهم، وانما لا بد ان نفتح ملفات الفساد بدون حسابات» ضيقة» لكي يأخذ المتورطون فيه ما يستحقونه من عقاب، وان نعيد النظر في كثير من التشريعات و التي تحكم عمل المسؤولين، والاخرى التي تتعلق بمراقبة ادائهم، او بكبح جماع من يفكر منهم بالتعدي على المال العام او التورط في الفساد، كما لا بد من ان نتحرك باتجاه اصلاح اخلاقيات الوظيفة العامة، واغلاق نوافذ الاغراء والافساد لبناء المواطن الحر والعفيف والسيد، فنحن نحتاج فعلا الى رموز وموظفين نظيفين ومقررات حاسمة تمنع الامتيازات الوظيفية وتصون المال العام وتنهي حالة استسهال مد اليد الى المال العام، تحت اي عنوان.