Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    17-Jan-2019

”حارس خشب السکة“ لغادة المعایطة.. السرد إذ یؤنسن الأشیاء

 

ّعمان –الغد-  دروب منسیة وزوایا مضیئة في روایة ”حارس خشب السكة“ للكاتبة غادة المعایطة الصادرة عن ”الآن ناشرون وموزعون“ بعمان.
تستھل الكاتبة الروایة باعتذاریة رقیقة عن تأخر طباعة الكتاب لأربع سنوات وأكثر قلیلا، لكن كما یقال في المثل الدارج: ”في كل تأخیرة خیرة“، فقد أضافت للمتن بعض الأحداث التي استجدت لتأخذ الروایة طزاجة وقائع الراھن الذي خیم بظلالھ على الجمیع.
تتحدث الروایة عن الأثر وارتداداتھ الراھنة لسكة الحدید الحجازیة التي تبدأ من دمشق مرورا  بالشام والمدن الأردنیة ومنھا عمان الزرقاء والمفرق ومعان وانتھاء بالمدینة المنورة .
ثورة ضد الاستبداد العثماني التي أطلق علیھا أھل الكرك ”الھیة“.
وتترك الروائیة تصنیف العمل في انتمائھ الحقلي للنقاد لافتة إلى مقولة إدوارد غالینو ”لا أعرف إلى أي شكل أدبي ینتمي صوت الأصوات ھذا، لیس مقتطفات أدبیة مختارة، ولا أعرف إن كان روایة أو مقالة أو ملحمة شعریة أو شھادة أو تاریخا“، مستدركة: ”لا أؤمن بالحدود التي تفصل بین الأجناس استنادا إلى ضباط جمارك الأدب“. وكأنھا تقول: إن الروایة ھي كل ذلك، وھو المعنى الحرفي للسرد في فضاءاتھ الحداثویة التي تجتمع فیھا الفنون، تجتمع فیھا الذاكرة مع المتخیل والوثیقة بالروایة الشفاعیة، وتتبعات الأثر بالأشیاء التي تحولھا الكاتبة إلى كائنات تعیش بیننا وتنطق بقصصھا وربما أوجاعھا.
تقول الكاتبة المعایطة في الروایة التي تقع في 258 صفحة من القطع المتوسط: ”لا بد من وجود دراما في كل نفس بشریة، روایة متسلسلة، حیاتي الشخصیة تخلو من الدراما بالمقاییس المعروفة من عناء وحرمان وفقر وجوع، وجمیع المفردات التي تضعني في خانة أبطال المسلسلات، بل كنت شبھ مغیبة في أسرة كبیرة تتكون من ست شقیقات وشقیقین“.
وتستدخل الكاتبة بعض المفردات الدارجة من لھجة أھل الكرك في مواضع تقول: ”خصوصیة اللھجة“ التي تستوقف الكاتب في فضاءات المكان وطیبة أھلھ وتاریخھم بإیحاءات المفردات العامیة.
وتتوقف الكاتبة في عدد من المحطات المكانیة، ومنھا عمان العاصمة التي تقول: إنھا ”ملیئة بالحكایات“، وتستعیر خلال ذلك الكثیر من العبارات الأدبیة لعدد من الكتاب ومنھم: شكسبیر، ھیبولیت تین والقصائد التي تتصل بالأحداث المثیولوجیة سواء أكانت ذلك في المتن النصي أو في مقدمة كل فصل في الروایة، وتعد مثل تلك الاقتباسات برأي الناقد الفرنسي جیرار جینیھ جزءا من النص الذي یمثل رحلة في المعرفة تتوازى مع رحلاتھا الكثیرة في غیر دولة من العالم والتي تغني النص وتثري فضاءاتھ المعرفیة.
وخلال تلك الرحلة تتحدث عن مدینة ترمبل الأمیركیة، ومكتبة عمھا، وھي مكتبة شھیرة وسط البلد بعمان، مستعیدة ذكریات الطفولة التي زارت فیھا وقت كان مقیما في رام الله وبیت لحم منتصف الستینیات من القرن الماضي ورحلتھا مع الكتب، مستعیرة من مشاھد أفلام عالمیة إكمال الحكایة.
ّ تقول: ھي ”حكایات في الكتب، منھا ما نمر بھ مرور الكرام فتكون قراءة القفز، ومنھا ما یثیر الشغف ویلامس القلب، تختزنھا الذاكرة“، ولكنھا الحیاة حكایتنا الكبیرة.
ً وتتحدث عن الشیخ عارف وخشب السكة مستعیدة الظروف التي أحاطت بإنشائھا وخصوصا في وقت أفول الدولة العثمانیة، وظھور القوى الغربیة الطامعة في الشرق العربي وإرث ”الرجل المریض“ كما كان یصفھ الغرب، وتتوقف بین السرد والسینما في مقاربة لشخصیة لورنس العرب الذي كان یظھر غیر ما یبطن، وتستعیر أبیات شعر كان یرددھا الشیخ عارف الذي أنسن السكة التي تفرقت أضلاعھا بین البیوت والأبوات والأسیجة.
وتقول بحس إنساني رقیق عن خشب السكة على لسان شخصیة من شخصیات الروایة : ”سنین
طویلة وھو یحرسنا ویحمینا ویستقبل ضیوفنا، وأتخیلھ یدعو لھم بالسلامة، وحینما أخرج من البیت أضع یدي علیھ وأدعو دعاء الخروج، وحینما عدت من الحج قبلتھ كواحد من العائلة“.
إن رمزیة الباب لا تتوقف عند المشاھدة الیومیة في الدخول والخروج، بل فیما تحقق من أمان وطمأنینة للإنسان، والكرم لاستقبال الضیوف والجاه، فالأبواب ھي عناوین المكان ووجوھھ، ولعل ذلك الخشب الذي مات الشیخ عارف ولم یستطع جمعھ، ینطوي على رمزیة یقولھا جاستون باشلار في كتابھ جمالیات المكان: ”إن الإیماءات التي تجعلنا واعین بالأمان والحریة تنغرس جذورھا في أعمق عمق الوجود“.