Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    15-Jun-2017

الدور الأردني في بناء الإنسان السوري بعد الحرب - رومان حداد
 
الراي - شهدت سورية منذ آذار 2011 العديد من التغيرات على عدة صُعد حالت دون حصول المواطنين على معظم الخدمات، بما في ذلك خدمات قطاع التعليم، وخصوصاً في المناطق التي وقعت تحت سيطرة كتائب المعارضة المسلحة، والميليشيات الأخرى كتنظيم داعش.
 
وقد تأثر القطاع التعليمي بشكل خاص في غالبية تلك المناطق، سواء أكان ذلك بسبب الدمار الذي حلّ بالمدارس، أو بسبب استخدام النازحين لها، بالإضافة إلى غياب المظلة القانونية، والحالة الأمنية الاستثنائية التي تمر بها هذه المناطق.
 
وقد أدّت الظروف الميدانية التي تشهدها المناطق التي تقع خارج سيطرة النظام، وظروف نزوح وهجرة السوريين، إلى انقطاع عدد كبير من الأطفال عن التعليم، بعضهم لست سنوات متتالية. وقدّرت منظمة اليونيسف عدد الأطفال السوريين في سن الدراسة الذين لا يحصلون على التعليم حتى بداية عام 2014 بأكثر من 3 ملايين طفل، وهذا الرقم زاد كثيراً مع تطور الأحداث، وأشارت المنظمة إلى أن أكثر من خُمس المدارس دُمّرت بشكل كلي أو جزئي. ومن المؤكّد أن هذه النسب قد ازدادت منذ ذلك الحين.
 
وتبرز عدة حقائق عن الوضع التعليمي في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، حيث تشير المعلومات إلى أن 3465 مدرسة ومؤسسة تعليمية لا تصلح للقيام بوظائفها التعليمية. وما يُقارب خمسة ملايين طفل داخل سورية يحتاجون لمساعدة للحصول على التعليم. وأن 3 ملايين طفل في مرحلة التعليم (من عمر 6-17) لا يذهبون إلى المدارس، وهم يمثّلون أكثر من 50% من الأطفال في هذا العمر في سورية.
 
وعن الحالة النفسية للأطفال في هذه المناطق تشير الدراسات إلى أن أكثر من 93% من الأطفال في هذه المناطق يُعانون من أعراض الخوف، و64% من أعراض القلق، و53% من أعراض مشاكل النوم.
 
وهنا تبرز فرص الاستثمار في قطاع التعليم المدرسي في سوريا بعد انتهاء الأزمة بصورة كبيرة جداً سواء أكان الاستثمار في العامل البشري أو في المباني أو المناهج التعليمية، ويرجع ذلك لعدة أسباب أهمها ارتفاع مؤشرات التسرّب المدرسي في سورية بصورة غير مسبوقة مقارنة مع المعدل العالمي، والسبب الرئيس لهذه الظاهرة هو عمالة الأطفال، حيث يمكن أن يؤدّي التسرب المدرسي إلى تغيّر شامل في الخريطة الاجتماعية والاقتصادية السورية في المستقبل، خصوصاً إذا تمت ملاحظة أن المناطق الأكثر تأثراً هي المناطق ذات الغالبية السنية.
 
كما يمكن ملاحظة حجم ما تحتاجه المباني المدرسية من إعادة إعمار، فقد تعرّضت نسبة كبيرة من المدارس، تتراوح بين 10-40% من المدارس في المناطق غير الخاضعة لسيطرة النظام للتدمير بشكل كلي أو جزئي، نتيجة للقصف أو الأعمال العسكرية في هذه المناطق، كما خرجت نسبة من المدارس (حوالي 15%) من الخدمة نتيجة لإقامة نازحين فيها.
 
وعلى مستوى تأهيل الكوادر البشرية يظهر للعيان نقص الكوادر المؤهلة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، سواء أكان ذلك في الهيئات التعليمية، أم في المختصين في إدارة المشاريع التعليمية وتقييمها، وهو ما يمكن ملاحظته أيضاً في غياب الكوادر المختصة والمدرّبة، وهو ما أدى إلى دخول عدد كبير من المتطوعين، الراغبين في خدمة المجتمع أو الراغبين في الحصول على فرصة عمل، وأدّى دخول هؤلاء من دون تدريب مناسب إلى المساهمة في خفض جودة الخدمات التعليمية المقدّمة.
 
وفي مجال المناهج المدرسية أدت الأزمة السورية إلى أن تعتمد المدارس في قطاع التعليم غير النظامي مناهج متعددة، معظمها مناهج معدّلة عن المنهج الحكومي، وتؤدي إلى تعدد في المعارف التي يتلقاها الطلبة في المدينة أو القرية الواحدة أحياناً. وهو ما أتاح مجالاً غير مسبوق في العملية التعليمية لتعديل المناهج من قبل إدارات المدارس، وأحياناً من المعلمين أنفسهم، وهو ما يعني ضرورة الاستثمار لتطوير المناهج المدرسية بما يتواءم مع التطورات والتغيرات التي طرأت على المنظور والفلسفة التعليمية في العالم، ليستطيع طلبة سورية جسر الهوة التي حدثت بسبب الأزمة السورية وتخريج أجيال قادرة على القيام بالمسؤوليات التي تنتظرها.
 
ويتوقـع الخبراء أن يحتاج قطاع التعليم إلى ما يقارب 5 مليارات دولار على مدى خمــس سنوات بعد انتهاء الأزمة كي يتم جسر الهوة بين الواقع الحالي وما يحتاجه مستقبل سورية من مخرجات تعليمية.
 
في ضوء ذلك كله يبر دور الأردن الممكن في القيام باستثمارات نوعية في إعادة بناء سوريا، فإعادة البناء لا تتضمن فقط المشروعات الإنشائية من طرق وشبكات كهرباء وصرف صحي ومبانٍ، بل يمكن أن يكون للأردن فرصة حقيقية ونوعية بالاستثمار بالإنسان السوري، بما نملكه من خبرات ومؤسسات، ومبادرات نوعية مثل مبارة مدرستي، وما تملكه أكاديمية الملكة رانيا لتدريب المعلمين من خبرات في تأهيل المعلمين، بالإضافة إلى ما تم إنجازه في الأردن عبر اللجنة الوطنية للموارد البشرية.
 
الخبرة الأردنية في هذا المجال تفتح لنا مجالاً نوعياً للاستثمار بمنافسة قليلة، وهو ما سيترك بصمة أردنية واضحة في سورية ما بعد الحرب، وستؤدي إلى الاستفادة من المكون البشري السوري في نهضة سورية مجدداً ونهضة عربية مستقبلاً.