أنا أردني..ووطني هو الوحيد الذي اعتقل كل الفصول , أي وطن هذا الذي تحوي وديانه الشتاء والصيف والربيع في ان واحد؟..أي وطن هذا الذي تناقضت الفصول على سفوحه وهي لا تأتي كلها مرة واحدة إلا لفرط الحب...ويقبل الصيف أن يكون معتقلا في الغور والشتاء على هضبات عمان كبلناه بالياسمين..

أنا أردني..وقد ولد الخلفاء كلهم على أرضي والدولة الاموية لم يعرف فرسانها فرط الحب في القصيدة إلا حين مروا من صحراء (زيزيا)..ولم يعرفوا إقامة الغزل على بحر الشوق إلا حين أناخوا الراحلة..على همس الأرض في المفرق..

أنا أردني..ووطني هو الوحيد الذي أفشل نظريات النشوء وبناء الدول..فقوة شرق الأردن أسست قبل تأسيس الدولة..لأن الصحراء تؤمن دوما أن الكتاب , والحب والجديلة..إن لم تحميها البنادق فالحرف يبعثر مثل الجديلة.. حين تعصف بها الريح العاتية..لهذا خرقنا نظريات الإجتماع , وقوانين (ميكيافيلي)..وقلنا أن البنادق من (سبطاناتها) تأتي الدول..

أنا أردني..أنا المزيج الجميل بين مجتمع البداوة والحضر..ووطني هو الذي وحد بين خطى الناقة , حين ترسم لاجدوى خطاها.. كحلا في عين الصحراء وبين زيتونة عجلونية..يكاد الزيت فيها يضيء من فرط الغرام لا من فرط السنين....أنا وطني هو الوحيد في الدنيا..الذي زاوج , بين منجل وسيف..وبين قصيدة نبطية , وحلم فلاح..وبين الماء والجدب.. فكانت الدنيا حين تمطر فوق السلط , يرتوي من ماء زي وعلان..بعض البدو في الراجف.

أنا أردني..ووصفي التل خالي وحابس عمي وهزاع شيخ عشيرتي وكايد المفلح العبيدات حناء جدائل البنات في حوران..ونقبل الاسم حين يرد ذكره وننحني له , ومسلم مطير عم أبي...ودمي ليس بدمي إن لم ينتم لكل فدائي وطني عظيم ولكل شهيد ولكل عسكري..ولكل قرية من اقصى الشمال وحتى حد الكحل في الجنوب العظيم...

أنا أردني..والقصيدة النبطية لا تولد معي في لحظات العشق بل هي مثل الطلقة مخزنة في (باغة ) الأيام...وأمي أرضعتني من حليبها حولا كاملا..ولم يكن حليبا , كان غرام الفرسان..وفيه طعم الميادين حين تستفز الخيل من لجامها..ويقدح الشرر...وفيه أيضا صخر البترا..فيكون القلب منه , يكون مثل الخطوط الحمراء التي تكحل الخزنة , إن مس عشقي والتراب..ومثل السوسنة السوداء حين تنبت عجرفة على الشمس والصحراء..وينتصر الحب..حين تكون بلادي غافية على مخدات من الغيم.

أنا أردني.... أردني أردني أردني..