Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    30-Jun-2016

يحدث في لبنان .. الآن ! - محمد خروب
 
الراي - لم يكدْ لبنان يفيق من صدمة التفجيرات الانتحارية الأربعة والمتتابعة، التي حدثت في بلدة القاع البِقاعية, حتى تبعتها اربعة تفجيرات اخرى في اليوم ذاته (مسائية هذه المرة) على نحو أذهلت الجميع, وبدت وكأنها بالفعل «غزوة» داعشية مرتبة ومنسّقة, تستهدف هذه القرية الصغيرة الوادعة بالذات, والتي لا يزيد عدد سكانها, على ثلاثة آلاف نسمة، فيما يستقر الى جانبها في بلدة صغيرة اخرى تسمى مشاريع القاع، مخيم بائس للاجئين السوريين, يتواجد فيه أكثر من عشرة آلاف لاجئ، ويتفقر الى ادنى درجات الانسانية ويعيش اهلوه على الكفاف.
نقول: البلدة ذات الاغلبية المسيحية الكاثوليكية، وقد صدمتها سلسلة التفجيرات الثمانية، جاء رد فعل اهلها على تلك العمليات الانتحاربية لافتاً في عصبيته وايضاً في الشكل الذي تم به، عندما حمل اهالي القرية (رجال ونساء) الاسلحة الاتوماتيكية وتمنطقوا بشرائط الذخيرة وراحوا يتناوبون على حراسة مداخل القرية، بل الأدهى من ذلك، ان «ثقافة الفَزْعَة» قد استبدت بشرائح معينة من المجتمع اللبناني, فتدّفق سياسيون وحزبيون وجنرالات متقاعدون وميليشياويون سابقون, وراحوا يجوبون شوارع البلدة (المُهمَلة ومتواضِعة المرافق والخدمات كما يجب التنويه) وهو يحملون الأسلحة مختلفة الأنواع والمصادر، في حنين واستحضار (وإنْ كان في شكل أقل جرأة) لفترة الحرب الأهلية التي اندلعت اواسط سبعينات القرن الماضي وما تزال «شعوب» لبنان  ترفض العودة اليها, بعد ان دفعت من «لحمها الحي» ثمن هذه الحرب المُدمِرة، حيث لا يدفع لوردات الحرب ولا محركو الفتنة فيه اي استحقاقات او أكلاف، بل هم سادة مرحلة السلم تماماً كما كانوا على الدوام سادة مرحلة الحرب، فازدادت ثرواتهم وانتفخت كروشهم وبقوا ضمن «نخبة السلطة» التي لا تخسر ابداً, كما هي حال الشعب الـ «مْعَتَّر» كما ينعت فقراء لبنان... انفسهم.
ما علينا..
عودة المظاهر المسلحة الى قرى لبنان وفي هذه الفترة الحرجة والمفتوحة الاحتمالات والمآلات, لم تُثِرْ مخاوف عودة الحرب الأهلية التي لا تريد غالبية اللبنانيين عودتها، بقدر ما عكست ميل بعض الأحزاب والجهات الى تطبيق مبدأ «الحماية الذاتية»، اي تقوم كل بلدة, وبالتالي كل طائفة ومذهب, بتوفير الحماية الذاتية لنفسها, بعيداً عن مؤسسات الدولة وخصوصاً الجيش اللبناني الذي ما يزال حتى اللحظة المؤسسة الوحيدة التي لم ينخرها داء الانقسام الطائفي والمذهبي, واثبت رغم ضعف امكاناته وتسليحه(بقرار دولي وخصوصاً اقليمي) انه قادر – ضمن امور اخرى – على حماية الحدود اللبنانية أو على الاقل عدم تسهيل مهمة الجماعات الارهابية المتواجد بعضها على حدوده الشرقية مع سوريا, في نقل التفجيرات والفتنة الى الداخل اللبناني, وهي مهمة باتت صعبة جداً عليها, بعد أن تولى حزب الله مهمة ضرب تلك الجماعات وبخاصة في سلسلة جبال القلمون السورية وحرر معظم مدن وبلدات وجرود تلك المنطقة»في الجانب السوري بالطبع» اللهم الا في جرود بلدة عرسال لاسباب مذهبية وطائفية, والا لكانت حدود لبنان الشرقية بكاملها, قد تم تأمينها وبالتالي قطع دابر الارهاب والارهابيين الى حد كبير ومُطمئِن.
ما اثار المخاوف ايضاً, هو أن تلك الحملة المسلحة المشبوهة وان كانت حملت شعار التضامن مع بلدة القاع, قام بها محازبون ينتمون لاحزاب سياسية (وطائفية) تتنافس في ما بينها, مثل حزب القوات اللبنانية الذي يرأسه لورد الحرب سمير جعجع وحزب الكتائب بزعامة حفيد من اشعل الحرب الاهلية من عين الرمانة, عندما استهدفت بوسطة (باص) ركاب لمدنيين فلسطينيين في 13 نيسان 1975 ونقصد سامي الجميل حفيد بيار الجميل زعيم الكتائب التاريخي, كذلك انخرط في هذه «التظاهرة» قادة وكوادر حزب التيار الوطني الحر الذي يرأسه صهر المرشح الرئاسي الجنرال ميشال عون.
صحيح أن اهداف الاطراف المتنافسة الثلاثة مختلفة في المنطلقات والحيثيات, الا انها تثير الفزع من ذهاب الامور خصوصاً الى هذا المربع الطائفي, وبخاصة ان الارهابيين يستهدفون لبنان كياناً ومكونات, ولا تقتصر اهدافهم عند ضرب «الشيعة» او النصيريين, بل كل طوائف لبنان وأولهم سنّته وان كانوا لا يُخفون استهدافهم لمسيحييه, الا ان انكسار شوكتهم في القلمون - قبل عامين تقريباً - قد اسقط مقولة تفريغ لبنان من مسيحييه, كما حدث مع مسيحيي سوريا وخصوصاً مسيحيي العراق, حيث تم اجتثاثهم بالفعل, وإن كان من تبقّى منهم, يؤشر الى حجم الخسارة الفادحة, التي لحقت بالنسيج العربي الاجتماعي والثقافي والحضاري, حيث كانوا وما يزالون يشكلون جوهر التنوّع في النسيج العربي, وايضاً في ان المسيحيين العرب, لم يكونوا طارئين على مشهدها الديموغرافي او الحضاري, فهم ملح الارض وماؤها العذب.
في السطر الاخير... حسنٌ أن عاد هؤلاء عن «فَزْعَتِهم» المشبوهة, واقرّوا ان الذي يحمي بلدهم هو الجيش, وهم اصلاً من كانوا يقولون ان الجيش هو الشرعية «الوحيدة» فكيف حصل ما حصل, رغم فجيعة بلدة القاع والمخاوف التي ما تزال تحيط بها وبالقرية المجاورة المُسماة.. رأس بعلبك؟
kharroub@jpf.com.jo