Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    12-Apr-2019

بعد ثلاثين سنة من «عابرون في كلام عابر»*رشاد ابو داود

 الدستور-في أغسطس 2014 خصص الكنيست الإسرائيلي، جلسات لمناقشة قصيدة محمود درويش «عابرون في كلام عابر»، والتي جاء في مطلعها «أيها المارون.. بين الكلمات العابرة»، ويهاجم فيها الاحتلال بالحقائق، والتاريخ المزيف بالتاريخ الحقيقي، والواقع المفروض بقوة السطو المسلح بسطور من الحقيقة التي يحاولون طمسها بالاسماء العبرية وبالمستوطنات الحجرية.

يومها لم يتمكن الكنيست الإسرائيلي من إصدار قرار بمنع تلك القصيدة لتظل الأكثر إيلاماً للإسرائيليين، تماماً كما يؤلمها الآن صبي يترك لأمه رسالة يستسمحها أن ترضى عنه و..يغادر الى الاستشهاد على حاجز للاحتلال و ليطعن جندياً ويخطف سلاحه ثم يطلق النار على البقية الذين تجمدوا خوفاً داخلياً تاريخياً، لم تمحه اسلحة القتل الشامل والصفقات المشبوهة.
تجلى الفزع الإسرائيلي وهستيريا القلق من قصيدة محمود درويش التي كتبت إبان الانتفاضة الأولى عام 1988، فبدأت المعركة كأنها لا تدور على الأرض، بل تدور على أرض القصيدة تلك. كما شنت حملة صحفية وإعلانية واسعة في إسرائيل عليها، ترجمت القصيدة الى اللغة العبرية، وتوحد اليسار واليمين في جبهة واحدة تحت ادعاء أنها تهدد الوجود الإسرائيلي وتدعو الى ابادة اليهود ورحيلهم ونفيهم ورميهم في البحر.
 وصل الأمر الى أن اتخذها اليمين الإسرائيلي إعلانا انتخابياً؛ لأنها ضمنت لحزب الليكود مقعداً انتخابياً يحتاج إليه للانفراد بالحكم، وقام اسحق شامير رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك بقراءة مقاطع منها في الكنيست الإسرائيلي «البرلمان « كدليل أن الحوار مع منظمة التحرير الفلسطينية مستحيل، وأن العرب يريدون رمي إسرائيل في البحر ولا يعترفون بوجودها..
وقتها أوضح درويش أن القصيدة تدعو الى إنهاء الاحتلال وتدور حول الانتفاضة في الأراضي المحتلة، وتنادي بإقامة دولة فلسطينية في حدود 1967، إلا أن القصيدة اتهمت بالقنبلة وبالخطر وبالطاعون من قبل المثقفين الإسرائيليين، وسيّست وفسرت أنها تتحدث عن محو كامل للوجود الإسرائيلي، وأُجزم أن درويش ابن الجليل وحيفا ويافا وعكا واللد والرملة كان يعني ما ذهب اليه الاسرائيليون تماماً.
 انصب جزء من الحملة على القصيدة بالغضب على شخص درويش، وما يمثله من الفلسطينيين والعرب في الأراضي الفلسطينية عام 1948، والذين يتعرضون لسياسة التمييز العنصري وتمارس بحقهم مخططات الطمس ومحو قوميتهم العربية والثقافية، وكأن محمود درويش ليس من حقه أن يعود بنشيده الى قريته التي ترعرع فيها، وهي قرية البروة التي احتلت عام 1948، وخرج منها طفلاً لاجئاً هائماً في أصقاع الدنيا، ليقول للإسرائيليين هذه بلادي، كان لي هناك بيت وطفولة وأحلام، وكان لأبي حصان وحقل ولأمي حبل غسيل وأغنية وماضٍ ومستقبل، وظل حتى وفاته يحن الى قهوة أمه.
قال درويش في القصيدة :
ايها المارون بين الكلمات العابرة
احملوا أسماءكم وانصرفوا
واسحبوا ساعاتكم من وقتنا، وانصرفوا
وخذوا ما شئتم من زرقة البحر ورمل الذاكرة
و خذوا ما شئتم من صور، كي تعرفوا
انكم لن تعرفوا
كيف يبني حجر من ارضنا سقف السماء
ايها المارون بين الكلمات العابرة
كالغبار المر مروا اينما شئتم ولكن
لا تمروا بيننا كالحشرات الطائرة
فلنا في ارضنا ما نعمل
و لنا قمح نربيه ونسقيه ندى اجسادنا
و لنا ما ليس يرضيكم هنا
حجر.. او خجل
فخذوا الماضي،اذا شئتم الى سوق التحف
و اعيدوا الهيكل العظمي للهدهد، ان شئتم
على صحن خزف
لنا ما ليس يرضيكم، لنا المستقبل ولنا في ارضنا ما نعمل
ايها المارون بين الكلمات العابرة
كدسوا اوهامكم في حفرة مهجورة، وانصرفوا
واعيدوا عقرب الوقت الى شرعية العجل المقدس
او الى توقيت موسيقى مسدس
فلنا ما ليس يرضيكم هنا، فانصرفوا
ولنا ما ليس فيكم : وطن ينزف وشعب ينزف
وطن يصلح للنسيان او للذاكرة
ايها المارون بين الكلمات العابرة
آن ان تنصرفوا
وتقيموا اينما شئتم ولكن لا تقيموا بيننا
آن ان تنصرفوا
ولتموتوا اينما شئتم ولكن لا تموتوا بيننا
فلنا في ارضنا ما نعمل
ولنا الماضي هنا
ولنا صوت الحياة الاول
ولنا الحاضر،والحاضر، والمستقبل
ولنا الدنيا هنا...والاخرة
فاخرجوا من ارضنا
من برنا..من بحرنا
من قمحنا..من ملحنا..من جرحنا
من كل شيء، واخرجوا
من مفردات الذاكرة
ايها المارون بين الكلمات العابرة!.
بعد أكثر من ثلاثين عاماً من «عابرون في كلام عابر» لم تزل الحقيقة الصلبة أقوى من الواقع المزيف.
يقول صديقي زياد خداش الكاتب المدرس الفلسطيني المغروس في ارضه : قبل اسبوع وبالصدفة،جلست قربه على صخرة أمام بحر يافا، كان طلابه أمامه وكان طلابي أمامي يصنعون من الموج مدينة. كانت مدينة طلابي تندفع نحو مدينة طلابه وتمحوها فيعاود طلابه بناء مدينتهم ويعاود طلابي تدميرها. وهكذا أمضى طلابي وطلابه النهار كاملا يبنون و يدمرون. قال : « قبل أربعة آلاف سنة عاش أجدادي اليهود هنا،فأنا من هنا، هذا ما يقوله التاريخ وليس أنا. بالمناسبة،أنا مدرس تاريخ «.
يكمل زياد : قلت له « قبل التاريخ، عاش أجدادي الفلسطينيون هنا، فأنا من هنا،هذا كله يقوله البحر وأنا. بالمناسبة أنا مدرس تاريخ أيضاً. في طريق العودة الى رام الله كنت أؤكد لطلابي أن الرمل يكذب وأن الموج صادق حد العاصفة.
- ينشر بالتزامن مع «البيان»