Wednesday 24th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    03-Apr-2021

يوميات مهاجرة وسيرة البيت الأول والآخر

 الدستور-جاكلين سلام/ كندا

في إطار عملي كمترجمة في الميدان الاجتماعي والصحي والقانوني في كندا، تتفتح أمامي صور وعذابات ونجاحات يعيشها القادمون الجدد إلى كندا، بلد التعددية الثقافية التي توسعت وما تزال على أكتاف وسواعد المهاجرين من العالم الى كندا. كانت الهجرات الأولى اوربية على الغالب، ثم تنوعت وشملت كل دول العالم.
في السنوات الأخيرة وبعد موجة الحروب أو الثورات والاقتتال في البلاد العربية، استقبلت كندا عدد كبيرا من المهاجرين في نهاية عام 2015 ويدايات عام 2016، وكنت شخصيا في طاقم العمل مع المترجمين في مطار تورنتو للترجمة وتسهيل أعمالهم فيما بعض فيما يخص مسائل الاستقرار في البلد الجديد. كما تطوع العديد من الكنديين القدامى في خدمة اللاجئين الجدد, هنا بعض المحطات:
الاقتلاع من البيت الأول
سألتُ كاترين وهي امرأة كندية بيضاء على مشارف الثمانين، كيف ترين الحياة الآن وأنت تعيشين لوحدك منذ سنوات في تورنتو؟
قالت كاترين وهي تبتسم وتنظر إلى البعيد: عندي بيت صغير وهذا ما أدخرته خلال عمري الطويل في العمل. أحب بيتي وما زلت استمتع بالحديقة وما زلت قادرة على العناية بها. أحب هذا البيت الذي اشتريته مع الرجل الذي كنت أعيش معه سنوات عمري وشبابي إلى أن رحل عن عالمنا وتركني وحيدة. تنفست بعمق وهي تفرك أصابعها والخاتم الفضي وأضافت:
لا أريد أن أترك هذا البيت إلا إذا كنت مضطرة حين أتقدم في العمر أكثر. ثم ضحكت، ربما أعيش مائة عام من يدري!
أضافت: في ذهني، إن عجزت عن إدارة البيتـ،والعناية بالحديقة وأرض الدار في الصيف والشتاء، سأبيعه وأشتري شقة صغيرة لأكمل مشواري على هذه الارض. وأتمنى ألا اضطر للذهاب إلى دار العجزة وانا امرأة لا أولاد لي ولم أنجب لكنني عشت حياة غنية روحا ومعنى ، واشتغلت وأحب خدمة الاخرين.
قالت كثيرا وقلت قليلا وأنا أنصت وأراقب طبقات صوتها. لاحظت انها ما تزال تحافظ على ( اللكنة الانكليزية الايرلندية) رغم السنوات الطويلة التي قضتها في كندا. كنا حينها في مكتب للصحة وكنت مكلفة رسميا للترجمة الفوية- عربي، انكليزي.
كانت كاترين التي كانت تعمل طوعا مع امرأة سورية لاجئة جديدة الاقامة هنا. كاترين تقود السيارة وتذهب الى بيت السيدة المهاجرة لتأخذها الى موعدها مع الطبيب، أو لتأخذها الى ورشة عمل للقاء مع مدير معمل الخياطة وموظف المساعدات الاجتماعية وما إليه...
لكاترين قصتها مع الهجرة والاقتلاع ايضا. كاترين اقتلعت يوما في شبابها من بلدها الاول في اوربا واتخذت من كندا بيتا لها واشترت قبرا ليكون بيتها الأخير في هذه المدينة التي عاشت فيها شبابها وشيخوختها.
سلام عليك أيها البيت الاول، والبيت الأخير والقبر الذي ما يزال ينتظر ليصير بيتا مقفلا لكل على حدة.
وهناك في القبر، تموت الشكوى، تموت الاهانات، تموت الطعنات، يموت الحقد،يموت المال وقوة المال والرغبة الى مزيد من المال. هناك موت يتبع ونهاية حياة لتبدأ بعدها قصة أخرى على هذه الأرض، الكريمة، لمقبرة، الحديقة، الغابة، والغرابة.
صالات المشافي وأشكال الإعاقات
في صالة الانتظار في مشفىالمكان: مشفى كبير جدا في شمال تورنتو. جلست امرأة تحمل عكازا بجواري. كانت تكلم نفسها وتراقب كل شيء. وأنا أراقب أيضا حتى يأتي موعد الترجمة.
قالت المرأة لي: أنت جميلة، وأنا قبيحة.
قلت لها بحرج: لا تقولي ذلك، أنت جميلة جدا. فضحكت عاليا وقالت : لاااااا، لست. نووو...
دخل رجل وامرأة الصالة. المرأة محجبة والرجل يلبس (جلابية سوداء ) وفوقها جاكيت قصير بدون أكمام. الرجل يعرج والمرأة تمشي خلفه.
نظرت اليه وصارت تضحك بصوت عال وتقول : انظري انظري إنه يلبس فستانا مثل النساء.
هههه يبدو انه يريد أن يصبح امرأة.وهذه المرأة ...انظري وكانت تشير إليهما بالإصبع.
قلت لها: ولكن من غير اللائق أن نشير إلى الآخرين بالاصبع ونسخر منهم، أليس كذلك؟
انقلبت ضحكتها العالية في اللحظة إلى دموع وبكاء حار وخيم الحزن على وجهها وبكاء. وصارت تعتذر مني بشدة على سلوكها. وقالت عن « أنا حمقاء»
...حتى انني خجلت من هذا التنبيه لها لانها تكاد تكون طفلة كبيرة ولديها إعاقة عقلية بالاضافة الى الجسدية
سألتها: هل أنت من مواليد الصين؟
قالت: نعم، ولم أستطع أن أتزوج حبيبي، لم يكن مسموحا أن يتزوج أبناء الشيوعيين من أبناء الطبقة البرجوازية
وبكت ثانية... وحاولت أن أنشغل بكتاب أمامي كي لا أثير حزنها
سمعتها تضحك وهي تراقب عددا من الأطفال حين مروا بنا وهي تصنفهم وتقول: هذا الولد قبيح وذاك ولد جميل...
في ذلك الوقت كان دوري قد حان للترجمة للأب الذي جاء مع ولده الذي لديه إعاقة في قدمية ولا يستطيع المشي.
تورنتو، مدينة الأقليات والأكثريات والبشر من كل الألوان. يجتمع الأصحاء والمرضى والمهجرين وأصحاب الأرض الأوائلن الهنود الحمر على مائدة واحدة ، في قطار واحد، في أي مكتب أو مشفى.
* صفحات من كتاب سردي، أدب اليوميات المهجرية.