Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    02-Feb-2017

النزعة الشعبوية في الولايات المتحدة الأمريكية «حركة اليمين البديل أنموذجاً» - عارف عادل مرشد
 
الراي - تعبر الشعبوية(Populism) عن حالات سياسية غوغائية مختلفة تنتج غالباً عن تفاقم الأزمة ، سواء في نظام الحكم ،أوفي المجتمع،أو في كليهما،ولا ترتبط بمرجعية معينة،أو خلفية فكرية محددة.وربما يكون أكثر ما يجمعها على المستوى السياسي أنها تعمد إلى استثارة مشاعر وطنية أو قومية متضخمة. والشعبوية من هذا المفهوم ،هي غير (الشعبية) التي تعني الإيمان بالشعب والثقة به والاعتماد عليه واعتباره مصدر السلطة وحامي السيادة.
 
مع إفرازات الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة،برزت مؤخراً حركة في الولايات المتحدة تٌدعى (اليمين البديل) المعروفة اختصاراً ب(Alt-Right) وهي حركة جديدة نسبياً، أخذت اسمها للمرة الأولى في عام 2008،حين استخدم هذا الاسم ريتشارد سبنسر، مؤسس الحركة،ورئيس معهد السياسات الوطنية،إلا أن الحركة لم تعرف بالشكل الذي هي عليه اليوم ولم تقو شوكتها إلا مع فوز الرئيس المنتخب دونالد ترامب. 
 
تقوم الحركة على مبادئ عدة ولها نشاط مكثف على الانترنت مثل موقع (Breitbart) ذي التوجه اليمني المحافظ، وكذلك تويتر الذي عطل حسابات لأشخاص ينتمون لتلك الحركة بسبب خطابات الكراهية،وحركة اليمين البديل تقوم على أسس أبرزها رفضها للمحافظين والجمهوريين الحاليين،وإيمانها بتفوق العرق الأبيض والقومية البيضاء،وبالتالي فهم معادون للمهاجرين أو حتى اختلاط الأعراق،ولا يرون في التعبير عن تلك الآراء عنصرية، فاليمين البديل يتحدث عن (واقعية عرقية) وينفي عن نفسه تهمة العنصرية،إذ هو حين يدعو إلى الاعتزاز بالعرق الأبيض يسعى فحسب إلى منح هذا العرق ما هو للتو متحقق للأسود والأسمر،حيث أنه لا حرج للأفارقة الأمريكيين مثلاً من تشكيل الجمعيات الخاصة بهم،والجامعات المقتصرة على طلابهم،في حين أن الفعل نفسه مُدان ومثير للاستهجان إذا أقدم عليه البيض. فالمجتمع الأمريكي من وجهة نظرهم مفروز عرقياً،فيما النظام السياسي،بفعل الطمع،يعمد إلى الاعتداء على الخصوصية البيضاء. والدليل على استتباب الفرز هو الكنائس،حيث إن الكنيسة هي المؤسسة الوحيدة التي لا سلطة للنظام السياسي عليها. والكنائس في غالبيتها الساحقة،بما يتجاوز التسعين في المائة،تتألف من أكثريات عرقية حاسمة تقترب بدورها من التسعين في المائة.
 
وقد تعمد الشخصيات الفكرية والإعلامية المتماهية مع اليمين البديل إلى التركيز على قضايا مختلفة،منها الدعوة إلى إلغاء برامج الدعم الاجتماعي ،والتي تشكل بنظرها مكافأة على الكسل،وبرامج العمل الإيجابي(أو نظام الكوتا) التي تفرض حصصاً في المؤسسات العامة والتعليمية لمصلحة الأقليات التي عانت من التفرقة تاريخياً،فلا ترى فيها إلا تمييزاً جديداً بحق البيض من أصحاب الكفاءات،ومنها قصر الهجرة الوافدة على البيض الأوروبيين المسيحيين للمحافظة على سلامة المجتمع ووحدة هويته الثقافية،ومنها كذلك رفع القيود على امتلاك السلاح والإقرار بأن الإجرام ليس آفة تصيب مختلف المكونات بقدر متواز بل إن الأقليات هي المصدر الأول له.
 
إن القاسم المشترك بين هذه القضايا هو أن العرق الأبيض الأوروبي المسيحي في الولايات المتحدة يشكل أمة تامة متقدمة متفوقة،يحق لها أن تدافع عن نفسها إزاء ما سيلحق بها من انحلال وزوال في حال تحقق المشروع المعادي المتستر بالتقدمية والمساواة.
 
هي أطروحات أصبحت مع احتضان ترامب لأصحابها موضوعاً للاستهلاك الإعلامي والثقافي والسياسي بما جعلها جزءاً من المتداول المعتاد،بغض النظر عن أنها أطروحات واهية بمجملها،عرضة للتهاوي عند التمحيص.فالبيض ،إن تم جمعهم على اختلاف توزيعاتهم لغرض المجادلة فهم المستفيد الأول من البرامج الاجتماعية،والمرتكب الأول للجرائم،وأصحاب السطوة والسلطة في السياسة والمال والأعمال. إما فيما يخص رؤية اليمين البديل للنظام العالمي،فقد حدد ستيف بانون- احد دعاة اليمين البديل والذي عينه الرئيس الأمريكي ترامب في منصب كبير المخططين الإستراتيجيين في البيت الأبيض-معالم رؤيته لنظام عالمي جديد،فهو يرى أن الغرب كان تجمع دول وطنية ذات ثقافة يهودية – مسيحية طبقت شكلاً من رأسمالية ذات ضمير ديني وحدت نسيج المجتمعات الداخلي في إطار متجانس واضح المعالم،قبل أن تعمل النخبة النيوليبرالية المعلومة على تفكيك المكونات الأخلاقية المحافظة لهذه المجتمعات،عبر سياسات الانفتاح والتربيط المعولم،والتنوع وتراجع سيادة الدول لمصلحة رأسمالية متوحشة عابرة للقارات وتنظيمات (ملفقة) كالاتحاد الأوروبي-حسب ادعاء بانون-وغيره.وهكذا يرى بانون أن الغرب فقد روحه،وأصبح هدفاً سهلاً(للفاشية الإسلاموية) الدموية التي اعتبرها شيطاناً أكبر يهدد نموذج الحياة الغربي من جذوره.
 
أن هذا الخطاب الذي يؤمن به دعاة اليمين البديل يدل،على أن النموذج الغربي بلغ نهاية مرحلة بدون أن يجد طريقاً إلى مرحلة جديدة في تطوره، فأصبحت التعددية التي تميزه على غيره مهددة بفعل تداعيات الجمود، الأمر الذي يشجع القوى القومية المتطرفة على أن تحاول فتح طريق آخر،وهو الأمر الذي حذر منه المفكر الأمريكي من أصول يابانية فرانسيس فوكوياما في كتابه الصادر عام 2014 تحت عنوان(النظام السياسي والأفول السياسي- Decay Political Order And Political ) فقد شخص فوكوياما أزمة النظام السياسي الأمريكي بمجموعة من الأعراض شائعة أيضا في الدول الغربية الديمقراطية مثل عجز الأحزاب والمؤسسات السياسية التقليدية عن تجديد خطاباتها التي انحسرت الفروق بينها،فصارت متقاربة،ورتيبة،وخالية من الرؤى الملهمة التي تخلق حيوية في المجتمع،وعاجزة عن ضخ دماء جديدة،وتطوير آليات التجنيد،واختيار المستويات القيادية فيها،الأمر الذي أدى إلى إعادة تدوير نخب محدودة،لم يعد لديها ما تقدمه.الأمر الذي شجع القوى القومية المتطرفة على أن تحاول فتح طريق آخر.وبذلك أصبح القوميون المتطرفون أكثر قدرة على ملء الفراغ الناتج عن الجمود،ولكن في ظروف مختلفة،وبإشكال متباينة عما حدث في عشرينات القرن العشرين، وثلاثينياته.
 
*مدرس/ جامعة الزرقاء/ الأردن
 
aref_murshed@yahoo.com