Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    21-Jun-2017

بعد «الإنذار» الروسي.. هل تتغيّر قواعد اللُعبة؟ - محمد خروب
 
الراي - ما كان قبْل إسقاط طائرة السوخوي السورية, من قِبل الطائرات الأميركية لن يكون ما بعده، وبخاصة أن ضربة مطار الشعيرات، لم تكن على تلك الدرجة من الخطورة, والرغبة الأميركية المفتوحة لفرض واقع ميداني بالقوة العسكرية التي تظن إدارة ترمب أنها تحتكرها.
 
ثمّة مَنْ خرج بعد ضربة قاعدة الشعيرات في نيسان الماضي, في زهو مُزيّف وشماتة موصوفة ليقول: إن روسيا مجرد نمر من ورق, وان ترمب ليس أوباما, وان موسكو لن تقدر على الرد، وها هي لم تبادر لا الى إسقاط صواريخ التوماهوك, ولا إلى ضرب قواعد أو قطع بحرية أميركية، لِـ»يستنتِج»هذا البعض,لفرط سذاجته وضيق أفقه,أن الأميركان قد «سادوا» بعد ان عادوا واطاحوا سياسة أوباما الانبطاحية وغيرها مما يحفل به قاموس الشتائم – لا التحليل السياسي – الذي يتوافرون عليه في زمن فضائيات الرِدّة والفتنة والتهريج.
 
صحيح أن موسكو سارعت بعد رشقات التوماهوك الأميركية, إلى تعليق اتفاقية أمن الطلعات الجوية وعدم الاشتباك, ثم ما لبثت ان اعادت العمل في شهر أيار بناء على طلب أميركي وتعهُّد بعودة التنسيق بين قاعدتي «العديد» الأميركية في قطر وحميميم الروسية في سوريا، إلاّ أنه صحيح وضروري التذكير بان رشقات التوماهوك كانت «رمزية» في التأثير والهدف السياسي والميداني, بدليل أن العمل في المطار العسكري السوري لم يتوقّف وواصلت الطائرات السورية ضرباتها تجمعات الإرهابيين والجماعات المسلحة، إلاّ أن المشهد مختلف جداً هذه المرة, ليس فقط في أن ما حدث هو «أول» عدوان أميركي على احدى طائرات سلاح الجو السوري, منذ بدأ التدخل الأميركي في الأزمة السورية, فضلاً عن كون المعركة المُحتدمة الآن في الرقة, تندرج في اطار مخطط أميركي إقليمي لا يُخفي أهدافه, ليس فقط في دعم اكراد سوريا لبسط سيطرتهم على مناطق واسعة من الشمال الشرقي السوري, بما في ذلك دير الزور والبادية وتجاوُز مساحة ما يوصف كردياً بـ»فيدرالية روج آفا»، وانما ايضا في ان المسعى الاميركي لقطع التواصل الجغرافي «البرّي» بين سوريا والعراق لم يتوقف، رغم النجاح الذي حقّقه الحشد الشعبي العراقي في تحرير معبر الوليد الحدودي, وسيطرته على كامل الحدود العراقية مع سوريا،اضافة الى وصول الجيش السوري الى المناطق الحدودية المُقابِلة للحشد الشعبي, وعلى نحو يقطع الطريق أمام القوات المدعومة أميركياً وإقليمياً, التي تستخدمها واشنطن من أجل الإيحاء بانها تدعم «ثواراً» سوريين, في حربها المزعومة على داعش, لكن الهدف هو تقسيم سوريا الى مناطق نفوذ تسمح لواشنطن بأن تكون مُقرِّرة في مستقبل سوريا.
 
قد تكون الصدفة وحدها, هي التي «جمعت» بين إعلان موسكو تعليق المذكرة الخاصة بأمن الطلعات الجوية المُوقَّعة بين واشنطن وموسكو في 20 تشرين الأول 2015(عهد أوباما), وبين الرشقة الصاروخية «الباليستية» الإيرانية على قواعد داعش في مدينة الميادين السورية, والتي اطلقتها طهران في توقيت مُتزامن مع تصاعد التوتر الأميركي الروسي، وبخاصة أن الصواريخ الإيرانية «السِتّة», قد اشعلت أكثر من ضوء أحمر في عاصمة دولية وإقليمية, وقفت في مقدمتها واشنطن التي رأت في رسالة طهران الصاروخية «استفزازاً»، فيما سارع نتنياهو إلى تحذير إيران بالقول: لا تُهاجِموا إسرائيل.. إيّاكم.
 
تُدرك روسيا جيداً,ان «حزب الحرب» في البيت الابيض وداخل إدارة ترمب, يسعى بلا كلل من أجل تحويل سوريا الى ساحة مواجهة معها، وربما استدراجها – وإيران – إلى حرب (أو معركة واسعة) تستطيع من خلالها إحداث تغيير في موازين القوى لصالحها وصالح المتحالفين معها في المنطقة وداخل سوريا, ، إلاّ انها – موسكو – لن تسمح لواشنطن ان تكتب جدول الأعمال وأن تنجو بأفعالها العدوانية كل مرة, تحت أُكذوبة ان ما تم هو «دفاع عن النفس», وان القوات التي تعمل تحت قيادتها تعرّضت للقصف وغيرها من الذرائع التي يبرع الامبرياليون في اختراعها, كلّما قارفوا عدواناً أو جريمة حرب.
 
لهذا.. فإن التحذير الروسي باعتبار الطائرات أو أي جِسم طائر هدف مشروع، يكاد يرتقي إلى مرتبة «الإنذار»الذي لن تكون موسكو قادرة على التراجع عنه, أو السماح لواشنطن بالتخفّي خلف مقولتها الكاذبة والمتهافتة, بأنها لا تنوي خوض مواجهة مع أي طرف سوى داعش، فيما هي على أرض الواقع تفتح «بوابات» الهرب لداعش من الموصل, كي يتوغّل في الأراضي السورية, للوصول إلى معاقِله الأخيرة وبخاصة في دير الزور, بما هي عنوان المعركة الدائرة الآن, وليس «الرقة» بطبيعة الحال, لأن لمدينة الرقة رمزية معينة, أمّا المدينة التي ستمنَح مَن يُسيطر عليها, هامش مناورة كبير وفرصة لفرض الوقائع الميدانية والعسكرية والسياسية لاحقاً, فهي دير الزور، ولهذا يمضي الجيش السوري قُدُماً في مسعاه لمحاصرة دير الزور من ثلاث جهات وقطع الطريق على قوات سوريا الديمقراطية, التي بات قادتها يشعرون بفائض قوة, جرّاء رهان الأميركيين عليهم وصدِّهم تحذيرات وإغراءات اردوغان، فيحاولون التحرش بالجيش السوري و»يهدِّدونه» بالمواجهة إذا ما قطع الطريق عليهم، باقترابه الحثيث من الرقة، وهو أمر يدرك هؤلاء خطورته بعد ان شاهدوا على أرض الواقع، كيف تم قطع طريق «التنف»على الأميركان وحلفائهم، عندما أرادوا الوصول إلى معبري البوكمال والقائم.
 
تحذير موسكو ورسائل طهران الصاروخية,التي كشفت ضمن أمور أخرى, قدرات لا يُستهان بها لدى إيران، تؤسّس لفصل جديد في المواجهة المُتدحرجة, يصعب القول ما إذا كان أحد في الخنادق المُتقابِلة قادر على تحمّل مسؤولية انفجار الأوضاع وإيصالها الى نقطة اللاعودة, ولكن المؤكد هنا هو أن موسكو جادة في تحذيراتها, وعلى واشنطن أن تلتزم قواعد اللعبة أو تتحمّل مسؤولية انهيارها.
 
kharroub@jpf.com.jo