Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    18-Dec-2016

تعاطي القاصرين المخدرات: اختلالات تشريعية وتضارب أرقام

 المؤسسات الرسمية تقلل من انتشار "الظاهرة".. وخبراء يحذرون من تجاهل الارقام غير المسجلة للضحايا

 
تحقيق: نادين النمري
عمان -الغد-  بصحبة والده، يدخل هارون مركز تأهيل المدمنين في منطقة شفا بدران لأول مرة، طلبا للخلاص من ادمان، تملّكه في تدخين مادة الجوكر. يبدو هارون متعطشا ليد عون تمتد له، بعد أن شعر انه بات على شفير هاوية.
هارون (اسم مستعار) ويبلغ من العمر 15 عاما فقط، كان بدأ رحلته مع تدخين مادة الجوكر (الحشيش الصناعي)، قبل عام، حيث كان الفضول والرغبة في تجاوز مشاكل عائلية هما الدافع وراء انسياقه للمخدرات.
يروي هارون، الذي التقته "الغد" صدفة في مبنى مركز تأهيل المدمنين، قصته مع الادمان، ويقول "علاقتي السيئة مع زوجة والدي كانت السبب وراء تدخيني الجوكر، كان بدّي انسى وجودها، لكني نسيت نفسي وخسرت مستقبلي".
يضيف: "بدأت بتدخين السجائر العادية قبل سنة ونصف، الدخان منتشر بشكل كبير بين الشباب، بعدها بستة أشهر عرض صديق علي تدخين سجائر لف، قال لي انها الجوكر، وانها تعطي شعورا مختلفا، فجربت من باب الفضول".
"حسيت انه ما عاد شيء يهمني بالدنيا حتى اني نسيت كل شي"، هكذا يصف هارون شعوره مع السحبات الأولى للسيجارة، التي وجد بها وسيلة للخلاص من مشاكله مع زوجة ابيه.. "ما عدت اشوفها ولا احس بوجودها.. هاد كان اهم شيء".
لفترة طويلة، كان هارون يحصل على السجائر دون مقابل مادي.. "بعد تعلقي بالسجائر وجب علي الدفع للحصول عليها، يختلف السعر من مرة إلى اخرى.. مرة بدينارين ومرة بثلاثة دنانير، وفي احيان اخرى خمسة دنانير، قبل اسابيع اضطر ريان لبيع هاتفه الخلوي الذي تبلغ قيمته 200 دينار بمبلغ 50 دينارا ليدفع ثمن السجائر".
يقول والد هارون "منذ أشهر لمست تغييرا كبيرا على ابني، اصبح انطوائيا غير مبال، وفي اوقات اخرى سريع الغضب، عيونه محمرة بشكل دائم، كما ارتفع مصروفه الشخصي بشكل كبير، اخيرا انقطع هارون عن الدراسة، لم يعد قادرا على فهم واستيعاب ما يجري حوله في المدرسة".
ويتابع "ادركت في قرارة نفسي أن ابني يتعاطى مادة مخدرة، لم اكن اعرف ما هي، استعادة ابني تتطلب مني ان احتضنه واتقبله، عملت على بناء الثقة بيني وبينه، اخيرا تمكنت من اقناعه بضرورة العلاج حتى لا يكون مصيره الموت أو الانحراف".
لا ينفي الاب انه يتحمل جزءا من المسؤولية عما حل بابنه، ويقول "لغاية الصف السادس الابتدائي كان ابني في مدرسة خاصة ومتفوقا في دراسته، بعد ذلك انتقل إلى مدرسة حكومية، بين الانتقال إلى مدرسة جديدة ومشاكله مع زوجتي ورفاق السوء شعرت أن ابني تغير بشكل كبير".
يشتكي الأب كذلك من انتشار المخدرات، وتحديدا مادة الجوكر في الحي الذي تقطنه العائلة، فضلا عن انتشارها كذلك بين طلبة المدرسة التي يدرس بها هارون، والتي يرى فيها "المعضلة الأبرز" أمام علاج ابنه.
أرقام متضاربة ولا ضبط لحالات داخل المدارس 
دراسة حديثة صادرة عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي حول انتشار المخدرات في المجتمع الأردني كشفت عن انتشار المخدرات بنسبة 13 % بين طلبة المدارس في المرحلة الثانوية. الدراسة اعتمدت على عينة من 1000 شخص في كل من محافظات والوية وقرى ومخيمات المملكة.
في المقابل، تشكك كل من إدارة مكافحة المخدرات ووزارة التربية والتعليم ووزارة التنمية الاجتماعية بهذه الأرقام، معتبرة أن التعاطي بين القاصرين "لم يبلغ مستوى الظاهرة"، كما أن الفئة الأكبر من الأحداث المتعاطين هم من المتسربين من المدارس.
بحسب أرقام مديرية مكافحة المخدرات، التابعة للأمن العام، يلاحظ المنحى التصاعدي في أعداد الأحداث المضبوطين على خلفية قضايا تتعلق بالمخدرات، ففي العام 2014 بلغ العدد 135 حدثا، ليرتفع إلى 235 العام 2015، وأما العام 2016 وحتى نهاية شهر تشرين الثاني (اكتوبر) فبلغ العدد 249.
بحسب الناطق باسم مديرية الأمن العام المقدم عامر السرطاوي فإن "العدد محدود جدا، خصوصا اذا ما قورن بنحو 12 ألف قضية مخدرات تقريبا يتم ضبطها سنويا".
في هذا الاتجاه، تكشف أرقام وزارة التنمية الاجتماعية عن انه من اصل 2270 حدثا تم توقيفهم العام 2014 في قضايا مختلفة، فان 154 منهم اوقفوا بقضايا مخدرات، فيما بلغ عدد الموقوفين بقضايا مخدرات العام 2015 نحو 192 حدثا من اصل 2620، وفقا لـ"التنمية الاجتماعية".
يبين الناطق باسم وزارة التنمية الاجتماعية الدكتور فواز الرطروط أن اجمالي قضايا المخدرات من مجمل قضايا الأحداث "لا تتجاوز 7 %"، بالتالي فانها "لا تشكل ظاهرة أو تحديا رئيسيا"، كما أن أكثر من 95 % منها هي قضايا تعاط وليست اتجارا أو ترويجا.
بالتوازي، تؤكد وزارة التربية والتعليم عدم وجود أي حالات تم ضبطها لطلبة يتعاطون أو يروجون لمواد مخدرة أو مسكرة داخل المدارس.
تقول مديرة التعليم العام في الوزارة الدكتورة خولة ابو الهيجاء: "هذه السلوكات غالبا ما يكتسبها اليافعون خارج اسوار المدرسة، كما أن غالبية هؤلاء الأطفال هم من المنقطعين عن الدراسة".
ورغم تأكيد الوزارة على عدم وجود أي حالة ضبط، فان تعليمات انضباط الطلبة نصت على اجراءات بحق الطلبة المتعاطين والمروجين للمخدرات.
تنص المادة 6 من تعليمات الانضباط، في الفقرة "أ"، على أن تعاطي العقاقير والكحول والمسكرات والمواد المخدرة أو المؤثرات العقلية للطلبة ممن تقل اعمارهم عند بلوغ الحادثة عن 16 عاما، يتم ايقاع عقوبة النقل داخل مدارس المديرية.
اما الفئة العمرية فوق 16 عاما فيتم الاخراج من التعليم حتى نهاية العام الدراسي.
وتشدد الوزارة في العقوبات بحالة ضبط الطالب وهو يروج لتلك المواد، إذ تنص التعليمات على الفصل التام من التعليم في المدارس الحكومية والخاصة، اذا قام الطالب بالترويج للعقاقير والكحول والمواد المخدرة أو المؤثرات العقلية.
رغم ذلك، تؤكد أبو الهيجاء أن متابعة الوزارة لحالات الطلبة لا تقتصر على تلك الواقعة داخل المدرسة، ففي حال وجود شكوك لدى المعلم أو إدارة المدرسة بتعاطي أحد الطلبة لأي من المواد يتم التدخل عن طريق المرشد التربوي، والذي بدوره يتواصل مع العائلة لتحفيز الطالب على تلقي العلاج وحل أي مشكلة في حال كانت السبب وراء الادمان.
لكن وزارة التربية والتعليم تواجه، حسب المعطيات المتوفرة، نقصا في عدد المرشدين التربويين، ما يؤثر على خدمات الدعم النفسي والارشاد الاجتماعي التي تقدمها المدارس الرسمية لطلبتها.
يبلغ عدد المرشدين في المدارس الرسمية 1965 مرشدا ومرشدة، فيما يبلغ عدد المدارس الرسمية 3762 مدرسة، تضم نحو مليون و150 ألف طالب وطالبة.
وزارة التربية تعتمد نظام تعيين مرشد واحد في كل مدرسة يبلغ عدد طلبتها 300 فما فوق، ما يعكس تحدي عدم شمول كافة مدارس المملكة بمرشدين تربويين. كما تبرز هنا اشكالية اخرى تتمثل في وضع المدارس الكبرى، التي يتراوح عدد الطلبة فيها ما بين 800 الى 1000 طالب، حيث يبقى عدد مرشد واحد فقط قليلا جدا نسبة لعدد الطلبة.
لا توجد احصائيات لدى وزارة التربية حول عدد الطلبة، الذين يشتبه بتعاطيهم المخدرات خارج المدرسة. غالبا ما يبلغ المرشد التربوي مديرية التربية التي تتبع لها المدرسة بوجود حالة ما، وهناك يتم اتخاذ الاجراءات اللازمة، في حين تتعامل مديريات التربية، البالغ عددها 42 مديرية، مع هذه البلاغات والشكوك.
تشدد ابو الهيجاء على أهمية الجانب الوقائي، الذي تعمل عليه الوزارة في قضية المخدرات، تقول "تعمل الوزارة على حزمة من الإجراءات الوقائية لتوعية الطلاب باخطار المخدرات والمؤثرات العقلية، وتعمل بالشراكة مع وزارة الصحة وإدارة مكافحة المخدرات ومؤسسات اخرى على اعداد الخطط والبرامج الوقائية والتثقيفية التي تهدف إلى وقاية وتحصين الطلبة من الوقوع في المشكلات والانحراف والوقاية من اخطار المخدرات والمؤثرات العقلية".
كما تعمل الوزارة على تدريب الكوادر التعليمية، من معلمين ومرشدين تربويين، في مجال التوعية من اخطار المخدرات والمؤثرات العقلية والتوعية والتثقيف الصحي والارشادي للطلبة واولياء أمورهم من خلال الندوات والنشرات التثقيفية، إلى جانب تطوير المناهج والكتب المدرسية بتضمينها موضوعات في مجال التوعية من اخطار المخدرات والتوسع في تضمينها بالمعرفة والمعلومات حول اخطار المخدرات والوقاية منها، تضيف ابو الهيجاء.
أسباب تعاطي القاصرين وسماتهم
وفيما تؤكد وزارة التربية والتعليم أن غالبية المتعاطين هم من اليافعين المنقطعين عن التعليم، يلفت الناطق باسم التنمية الاجتماعية" الرطروط إلى مجموعة من السمات الجامعة للأحداث الموقوفين على خلفية قضايا تتعلق بالمخدرات، وهي أن الغالبية العظمى منهم من المتسربين من المدارس، والمنخرطين في سوق العمل،. وغالبيتهم يعانون من مشاكل التفكك الأسري أو ضعف في التواصل مع عائلاتهم، كما أن نسبة منهم تكتسب السلوك الإدماني من فرد بالغ في الأسرة كالأب أو الشقيق الأكبر.
دراسة المجلس الاجتماعي والاقتصادي حددت العوامل الاجتماعية والنفسية التي تدفع بالطلبة والقاصرين للادمان، وتتمثل بغياب المتابعة الأسرية للطلبة، لاعتقاد الأهل بأنهم أصبحوا يافعين. التسرب من المدارس، الإيقاف الجزئي لبعض البرامج الشبابية مثل معسكرات الشباب، وبرنامج السابلة، وضعف الحركة الكشفية الطلابية، وغيرها من البرامج، ما يدفع بعض الطلاب للانحراف لملء أوقات فراغهم، إضافة لقلة البرامج التوعوية والارشادية المتخصصة المتلفزة التي تتناول قضية المخدرات.
تشير الدراسة كذلك إلى خلو المدارس والجامعات من البرامج المنتظمة والممنهجة للتوعية بخطورة المخدرات، واقتصارها على ورشات تعريفية من قبل إدارة المكافحة، وعدم وجود دراسات تتبعية منتظمة للجهات الرسمية لمشكلة المخدرات في الأردن.
كما يُعدّ التفكك الأسري، البطالة، الفقر، الضغوط النفسية والجهل الأسري من أهم الأسباب المؤدية إلى انتشار ظاهرة المخدرات، وفقا للدراسة.
تجمع حالة سفيان (اسم مستعار كذلك) غالبية العوامل اعلاه. يبلغ سفيان من العمر اليوم 22 عاما، وكان بدأ رحلته مع الادمان قبل عشر سنوات بتعاطي مادة "البونزاي".
يقول سفيان، والذي أمضى لغاية الآن مدة 3 أسابيع في المركز الوطني لتأهيل المدمنين لتلقي العلاج: "كنت على مقاعد الدراسة حينها.. صديق لي كان أكبر مني في السن، هو الذي عرفني على البونزاي، لم أكن اتعاطى بشكل كبير خلال السنوات الأولى، لاني لم أكن املك المال الكافي".
لم تعلم عائلة سفيان بإدمانه على المخدرات، رغم ظهور تغييرات على شخصيته، وتراجع مستواه الأكاديمي، لكن العائلة اعتبرت أن الأمر مرتبط بتأثره باصدقائه.
انتقل سفيان من تدخين "البرونزاي" إلى تعاطي حبوب "الصليبا والبرازيلي" (وهما اسمان شعبيان لادوية مخدرة)، ومع ازدياد تعاطيه للمخدرات، بات غير قادر على استيعاب ما يجري حوله في المدرسة، ما دفعه للانقطاع عن الدراسة بشكل تام في سن 15 عاما، والتحاقه بسوق العمل.
عمل سفيان في مجالات كهرباء ودهان السيارات، يقدر الدخل الاسبوعي المتأتي من العمل بنحو 30 دينارا اسبوعيا، كان يصرفها جميعها على الدخان والمخدرات، ونادرا ما كان يشتري لنفسه الملابس.
تحولت شكوك عائلته حول إدمانه إلى معرفة يقينية. عندما بلغ سفيان من العمر 18 عاما، كانت ردة فعل العائلة عنيفة، يقول سفيان: "اصبحت منبوذا في العائلة، ضربني والدي وقاطعتني والدتي واخوتي، وتم حبسي على مدار أيام، كانوا يتعاملون معي كأني آفة ومصدرا للعار".
مع رفض العائلة له زاد ادمان سفيان على المخدرات، يقول: "كان شقيقي هو الشخص الوحيد الذي يحثني على العلاج، قبل فترة كنت قريبا من الموت، نجوت وبعد ذلك اصطحبني شقيقي إلى المركز هنا، وانا حاليا بمرحلة العلاج".
"تمنيت لو احتضنتني عائلتي أو تقبلتني، ربما كنت قد ابتعدت عن المخدرات في وقت ابكر ولم اصل إلى ما وصلت له".
غياب برامج التأهيل والعلاج
يعد دعم الأسرة والمحيطين بالمتعاطي عاملا اساسيا في العلاج. بحسب مدير المركز الوطني لتأهيل المدمنين الدكتور جمال العناني فإن "مسؤولية الوقاية من الادمان على المخدرات لدى اليافعين هي مسؤولية الأهل بالدرجة الأولى".
يشدد العناني على أهمية أن يتابع الأهل أي تغييرات على ابنائهم في سلوكهم وشخصيتهم، فيما يشكل احتضان الابن وحثه على العلاج الخطوة الأولى. 
يؤكد العناني على أن المركز يقدم العلاج المجاني وبسرية تامة للمدمنين، سواء ضمن خدمات الاقامة الداخلية أو الخارجية، كما انه وبحسب القانون يسقط الحق العام عن الشخص الذي يتقدم للعلاج طواعية.
تنص المادة 9 من قانون المخدرات والمؤثرات العقلية على انه "لا تقام دعوى الحق العام على من يتعاطى المواد المخدرة والمؤثرات العقلية، إذا تقدم قبل أن يتم ضبطه من تلقاء نفسه أو بواسطة أحد أقربائه إلى المراكز المتخصصة للمعالجة التابعة لأي جهة رسمية أو إلى إدارة مكافحة المخدرات أو أي مركز أمني طالبا معالجته".
لا توجد نسبة أو احصائية محددة لدى المركز لنسبة القاصرين الذين يتلقون العلاج في المركز، لكن المركز يستقبل القاصرين كمرضى خارجيين فقط، في حين لا يقدم خدمات الاقامة الداخلية لهم.
بحسب احصائيات المركز، بلغ عدد مرضى الاقامة الداخلية للعام 2015 حوالي 490، منهم 479 من الذكور و11 من الاناث، في حين بلغ عدد المرضى الخارجيين 4494، منهم 103 اناث، و4391 ذكرا.
اما العام 2016 ولغاية نهاية تشرين الأول (اكتوبر) الماضي، فبلغ عدد المرضى الداخلين للمركز 427 حالة، منهم 415 من الذكور و12 من الاناث، في حين بلغ عدد المراجعين الخارجيين 3718، منهم 3601 من الذكور و117 من الاناث.
يوضح العناني أن "عدد المراجعين الخارجيين غير مقتصر على الأحداث فقط، انما يضم كذلك بالغين يتلقون العلاج عن طريق العيادات الخارجية، أو مرضى كانوا مقيمين سابقا ويراجعون العيادات بشكل دوري، بعد انتهائهم من فترة التأهيل داخل المركز".
وحول اسباب عدم وجود خدمات تأهيل داخلية للقاصرين داخل المركز، يرى العناني أن واقع الحال يتطلب ايجاد مركز متخصص للتعامل مع الأطفال المدمنين، أو أولئك الذين يعانون من اضطرابات مسلكية ونفسية، تضم أطباء نفسيين وممرضين متخصصين في التعامل مع الاطفال، لافتا في هذا السياق إلى غياب هذا النوع من الخدمات للفئات العمرية من 12 إلى 18 عاما.
يلفت العناني إلى أن الاضطرابات المسلكية، بما فيها الادمان عند القاصرين، اصعب منها عند البالغين، مشددا على الأهمية البالغة لمعالجتها حتى لا يكون لها انعكاسات على مستقبل الحدث، حيث انه يصعب معالجتها مع تقدم الشخص في السن.
لا يوفر المركز الوطني للصحة النفسية والمركز الوطني لتأهيل المدمنين، التابعان لوزارة الصحة، أي خدمات رعاية داخليه للأطفال واليافعين، الذين يعانون من اضطرابات نفسية أو سلوك إدماني. في المقابل كانت وزارة التنمية الاجتماعية قد أعلنت عن تضمين خطتها لإصلاح قطاع الرعاية الاجتماعية التي خرجت بعد إصدار تقرير للجنة تحقيق وتقييم حول واقع دور الرعاية، والذي صدر العام 2012، بالتوجه لإنشاء دار رعاية علاجية متخصصة للأحداث الذين يعانون من مشاكل نفسية وسلوكية.
لكن لغاية الآن لم يتم انشاء هذه الدار. في المقابل لجأت الوزارة إلى توقيع اتفاقيتين مع الخدمات الطبية الملكية ومستشفى الرشيد للصحة النفسية لتوفير الخدمات العلاجية للأطفال، الذين يعانون من اضطربات نفسية وسلوك ادماني.
يبين الرطروط ان "الأحداث المضبوطين على خلفية قضايا تتعلق بالادمان يتلقون العلاج عبر اتفاقيات شراء الخدمات التي عقدتها الوزارة مع الجهات الشريكة، بحيث يتم تقييم حالة الحدث وتحديد العلاج من قبل الاطباء المتخصصين في حين يشرف كادر الوزارة على تلقي الأحداث للعلاج داخل دور الأحداث والرعاية".
غياب خدمات العلاج للأطفال كان ابرز النقاط التي تنبه لها تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي حول المخدرات بين الأطفال، حيث لفت إلى وجود "ثغرة قانونية في التعامل مع قضايا المتعاطين من الأحداث، إذ لا توجد مراكز علاج خاصة بهم".  
في السياق، تبين الخبيرة في مجال حقوق الطفل المحامية كريستين فضول أن "هناك ضعفا وثغرات كبيرة في توفير العلاج للأطفال المدمنين، تحديدا في مسألة المراكز العلاجية الايوائية".
وتبين "غالبية الأطفال يدمنون على المواد الطيارة، مثل الاسيتون والغاز والتنر والاغو، استنشاق هذه المواد يتسبب بالادمان فضلا عن الاضرار الكبيرة على الرئتين والدماغ، للأسف ليس هناك ادراك لخطورة هذه المواد اذ يتم التعامل مع الادمان على انه الادمان على المخدرات والحشيش فقط".
تلفت فضول إلى ان غالبية الأطفال المدمنين ادمنوا بسبب ظروف تتعلق بمحيطهم الأسري، كالتفكك، غياب الرقابة الأسرية، وجود أشخاص مدمنين داخل الأسرة من البالغين أو انتشار المخدرات في محيطهم سواء بين الاصدقاء، زملاء الدراسة أو الحي، هذه الظروف تجعل من ايجاد مراكز متخصصة توفر علاجا يتضمن الاقامة الداخلية والمبيت حاجة ملحة.. ودونها يصعب أن يتلقى الحدث العلاج".
إلى جانب المراكز التأهيلية، ترى فضول حاجة ملحة لتفعيل بنود العقوبات البديلة في قانون الأحداث، تقول "يتضمن قانون الأحداث الجديد عقوبات بديلة، تتضمن اخضاع الحدث لبرامج تأهيلية وتوعوية وصحية، لكن للأسف لغاية الآن لم يفعل نظام العقوبات البديلة".
قصور قانوني.. وأطفال أمام أمن الدولة 
يروي أبو أحمد معاناته مع ادمان ابنه على مادة المخدرات، يقول "تم ضبط ابني من قبل الشرطة متلبسا بتعاطي المخدرات، تم توقيفه اثر ذلك لمدة 10 أيام في أحد مراكز تأهيل الأحداث، اثناء اقامته في مركز الأحداث راجع طبيبا مختصا وصرف له علاج، لكن بعد خروجه من الأحداث عاد لنفس السلوك، لم احصل على مساعدة حقيقية مجرد عودته إلى الحي عاد إلى سلوك الادمان".
يخشى أبو أحمد أن يتعرض نجله للتوقيف مجددا، لان ذلك سيعني مثوله أمام محكمة أمن الدولة، وليس محكمة الاحداث.
اقر صيف العام الحالي القانون الجديد للمخدرات والمؤثرات العقلية، حيث سحب القانون صلاحية النظر في قضايا المخدرات للقاصرين، سواء في التعاطي أو الترويج، لمحكمة أمن الدولة بدلا من محكمة الأحداث.
ونصت الفقرة "ب" من المادة 33 من القانون "على الرغم مما ورد في قانون الأحداث، تنعقد محكمة أمن الدولة بصفتها محكمة أحداث للنظر في الجرائم التي يرتكبها الأحداث والمنصوص عليها في هذا القانون".
تعتبر فضول أن التعديل الاخير على قانون المخدرات والمؤثرات العقلية لم يراع المصلحة الفضلى للطفل، وتقول "لا يجوز تحت أي بند أن يمثل الأطفال أمام محاكم بالغين، الأصل أن هذه القضايا هي من اختصاص محاكم الأحداث فقط".
وتابعت "محاكم الأحداث لديها قضاة مدربون ومؤهلون للتعامل مع الأطفال واليافعين، اذ تم تدريب 55 قاضي احداث مختصصا للتعامل مع الأطفال في كافة القضايا".
ترى فضول في مثول الأطفال أمام محكمة أمن الدولة مخالفة للاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، والتي صادق عليها ووقعها الأردن.
تنص المادة (40) من الاتفاقية على "تعترف الدول الأطراف بحق كل طفل يدعى عليه أنه انتهك قانون العقوبات أو يتهم بذلك أو يثبت عليه ذلك، في أن يعامل بطريقة تتفق مع رفع درجة إحساس الطفل بكرامته وقدره، وتعزز احترام الطفل لنفسه وتراعي سن الطفل واستصواب تشجيع إعادة اندماج الطفل وقيامه بدور بناء في المجتمع".
وتنص المادة كذلك "تسعى الدول الأطراف لتعزيز إقامة قوانين وإجراءات وسلطات ومؤسسات منطبقة خصيصا على الأطفال، الذين يدعى عليهم بأنهم انتهكوا قانون العقوبات أو يتهمون بذلك أو يثبت عليهم ذلك".
تتفق المديرة التنفيذية لمركز العدل للمساعدة القانونية هديل عبد العزيز، مع فضول في الرأي، وتقول "الأصل في قضايا المخدرات أن يتم اعتماد النهج الإصلاحي لان غالبية هذه القضايا تتعلق بالتحديات والمشاكل الاجتماعية، بالتالي فإن مثول الحدث أمام محكمة أمن الدولة لا يندرج ضمن هذه الرؤية الاصلاحية".
وتضيف "المشكلة تكمن بعدم اكتمال نضج منظومة العدالة الإصلاحية للاحداث، نحن بحاجة لبنى تحتية ومؤسسية ولزيادة عدد القضاة وتكثيف تدريبهم وتأهيلهم للتعامل مع كافة القضايا المتعلقة بالاطفال".
تلفت عبد العزيز إلى جوانب اجتماعية مختلفة، تتعلق بالأطفال المتهمين في قضايا المخدرات، فنسبة منهم هم ضحايا للعنف الأسري والاهمال ومنهم من يتم استغلالهم من قبل أسرهم في نقل وترويج المخدرات، بالتالي الأصل ان يمثلوا أمام قضاة ومحاكم تقدر هذه الجوانب.
يشير المحامي المتخصص في قضايا أمن الدولة مأمون الحراسيس إلى أن "الضمانات المطلوبة في قانون الاحداث غير متوفرة في محكمة أمن الدولة، تحديدا الأمور المتعلقة بالمصلحة الفضلى للحدث، لجهة مثوله أمام قاض قادر على التعامل مع نفسية الطفل وميوله وسلوكياته".
ويلفت الحراسيس إلى "تناقضات تشريعية غير منطقية" في التعامل مع الأطفال، في نزاع مع القانون، ففي حين يمثل الأطفال المتهمون بتعاطي المخدرات أمام محكمة أمن الدولة، فإن الاحداث المتهمين بقضايا الإرهاب يمثلون أمام محاكم الاحداث.
يرى الحراسيس وجوب تغيير آلية التعامل مع الأحداث المتعاطين، فهم بحاجة للمساعدة الطبية والنفسية وبسرية تامة وليس عرضهم أمام محاكم عسكرية.
يلفت كذلك إلى اشكالية اخرى، هي "انه يتم التعامل مع المشكلة اعتمادا على أعداد المضبوطين فقط، ولا يتم التعامل مع الأرقام الحقيقية، فنسبة القاصرين المتعاطين أعلى بكثير من الأرقام التي يتم نشرها، مع وجود أنواع جديدة من المخدرات الاصطناعية، والتي يتم تصنيعها محليا، حيث اصبحت هذه المواد اقل كلفة وأكثر انتشارا، فهي متاحة وباسعار تقارب أسعار الحلوى والمقرمشات".
nadeen.nemri@alghad.jo