Tuesday 16th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    23-May-2018

‘‘ليلة سقوط طيبة‘‘.. مسرحية لحكيم حرب عن جدليات القمع

 

رشا سلامة
 
عمان- الغد- يبدو المكر ظاهراً في مسرحية "ليلة سقوط طيبة"؛ إذ يجرّ مؤلفها ومخرجها الفلسطيني حكيم حرب قدم المتلقي عبر مشهد ساخر باللهجة المحكيّة، متحدثاً عن بعض مقالب الـ"سوشال ميديا" الطريفة ومستعرضاً ثرثرات اجتماعية ومقاطع أغنيات فلكلورية وحديثة من أقطار عربية شتى، مبدداً بهذا رهبة المسرح التي عادة ما تجعل من يرتاده يضيق ويشعر كأنما هو بصدد حِمل ثقيل سيربض على صدره لساعة ونيف.
تضجّ "ليلة سقوط طيبة" بالحركة والأصوات المرتفعة والموسيقى التصويرية المؤثرة والعبارات المحبوكة لغوياً بشكل جيد، وإن كان مؤدّوها قد وقعوا في الفخ النحوي "سكّن تسلم"، ولعل حرب هو الأكثر هدوءاً في الأداء ونبرة الصوت، وإن كان أبدى خفة لافتة في مشهد التعذيب ومن ثم مشهد السفينة التي تصارع الموج، ما أخرجه على جلده كممثل وإنسان، ولو للحظات، ما يجعل المتلقي يبتسم بحزن حين يستمع لعبارته "ما من صحيح إلا ما يكتمه المرء".
المرأة في "ليلة سقوط طيبة" ضحية كلا الجلاّدين: السياسة والذكورية، وقد أدّت الدور روند الصالحي بمستوى جيد، مقارنة بعمرها الفتي وتجربتها الغضة، وإن كان المتلقي يتساءل في لحظات عما كان الدور سيصل إليه من مستوى براعة في حال قدمته ممثلة ذات باع أطول في المهنة واعتلاء خشبة المسرح.
الألمعية في "ليلة سقوط طيبة" تكمن في أن حرب لم يطرح أسطورة أنتيجون الإغريقية مجرّدة ومن فوق برج عاجي، بل نزل بها للمتلقي الذي قد لا يكون بالضرورة دارسا للأدب وعارفا به، مُسقطاً إياها على الواقع السياسي الراهن، ولعل نقطة الألمعية الثانية تكمن في تركيزه على جزئية لطالما طرحها الشهيد غسان كنفاني بشكل مباشر وغير مباشر، حين نزع صفة الملائكية عن الضحية بل صوّره (متخذاً الفلسطيني أنموذجاً) بمن يكون سفيهاً أو لصاً أو مضطرباً، لكن هذا لا ينفي البتة حقيقة كونه ضحية سياسية.
يُنتظَر من حرب في المرات المقبلة البرهنة على قدرته على التعامل مع حكايات بعيدة قليلاً عن قالب الأساطير والاستناد إليها. حرب الفلسطيني القادم من قريوت/ نابلس، فالزرقاء، قادر على خلق حكايته كفلسطيني في قالب مسرحي، وقادر أكثر على نقل جزء من إرث اللجوء فالثورة فالسلام، ضمن عرض مسرحي مدروس بعناية وعلى سوية عالية كعروضه المستندة للأسطورة؛ ذلك أن ثيمات القمع والتمرد والجماهير التي تبجل الأنظمة والساسة الذين يضعون ذواتهم في مراتب القدسية ويزجّون بمنتقديهم في أقبية المخابرات وغرف التغذيب والتلاعب بالرواية التاريخية والإعلامية، كلها ثيمات تستدعي القضية الفلسطينية وتجعلها حاضرة نصب العينين طوال العرض، إلى جانب الدول التي عانت من أنظمة قمعية مروّعة وتحديداً سورية والعراق على سبيل المثال لا الحصر.
يبقى أن السؤال الذي طرحه العمل وتركه قيد التأمل لدى المتلقي يصلح بنسبة مائة بالمائة في حال الصراعات الداخلية بين أبناء الشعب الواحد، لكنه يحمل جدليات ومحاذير شتى في حال طرحه على المنخرطين في النضال الفلسطيني، حتى وإن كان يعز على المتأمل أفواج اليافعين الفلسطينيين الذين يوارون الثرى على إثر العمليات الاستشهادية والفدائية، لكن أحداً لا يملك حتى مجرد النطق بعبارة تحمل تشكيكاً في صحة المعتقد والموقف؛ إذ كل هذه الجدليات ليست أكثر من ترف فكري أمام التغوّل الإسرائيلي على الأرض والانتهاكات التي تتلاحق على مدار الساعة.
يُحسَب لحرب تقديمه هذا العرض ذات مرة في أحد المقاهي الثقافية العمانية، ما أعاد جدلية هل ينشأ المقهى الثقافي وليد الصدفة والعفوية من خلال نقاشات مرتاديه وتفاعلهم السياسي مع الأحداث التي تُبَث عبر المذياع والتلفاز وهو الأنموذج الذي كان حاضراً في البلاد العربية لعقود طوال، أم النمط المستجدّ الذي يتعمد إسباغ الصبغة الثقافية من خلال ديكورات المقهى وبعض الفعاليات الثقافية المقامة فيه، لكن في الأحوال كلها، فإن فكرة اصطحاب المسرح للمقهى والمناطق النائية أيضاً تستحق رفع القبعة لحرب، الذي ما انفكّ يجعل المسرح جزءاً يومياً من حياة المواطن العادي، بل وحتى النزلاء في مراكز الإصلاح والتأهيل.