Tuesday 23rd of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    14-Feb-2018

الفساد....والمعركة الكبرى!! - د. عمر الحضرمي

 الراي - سؤال كبير بدءاً العالم يطرحه بكل رعب، يقول: ما الذي جرى حتى أصبحنا وأمسينا وبتنا نرى أن قضية الفساد تكاد تتصدر كل المواضيع التي تشغل بال الناس، بدءً برؤساء الدول، ومروراً بالمسؤولين فيها، وانتهاءً (دون مبالغة) بالمتسوّلين الساكنين على أطراف الطرقات؟، الأمر الذي لم تعد مقاربته قاصرة على الاهتمامات الفردية أو المحليّة، إلا أنها تعدتها إلى عقد مئات المؤتمرات والندوات الإقليمية والدوليّة، بل وراحت الدول تسعى إلى الإفادة من تجارب بعضها البعض في مكافحة هذه الآفة التي أخذت تهدد المجتمعات الإنسانية، وتدفع بها نحو الهاوية، كما وأنها شيطنت الذمم، ودمرت القيم، وراحت تكبر وتكبر حتى غدت على حجم المؤسسات

العظمى داخل الدول التي ذهبت إلى وضع اتفاقيات ومعاهدات باشراف الهيئات
والمنظمات الدولية في سبيل التصدي لهذه الجريمة، التي نالت كل مفاصل الكيانات
البشرية، وأصابت آمال التنمية بالدمار، وقادت إلى تردّي الأحوال وتفاقم المشاكل
الاقتصادية والسياسية والأمنية والاجتماعية والقيمية. وفوق ذلك كلّه، أدّت إلى تفشّي
الجرائم المنظمة، وتصاعُدِ معدلات العنف والعدوان، وتراجع ثقة الناس بالنظم الإداريّة
والأمنية، وذلك بعد أن قالت التقارير الاقتصادية الصادرة عن المنظمات الدوليّة: إن
سبب تنامي نسب الفساد السياسي والإداري والاقتصادي هو تعثر الخطط والبرامج
التنموية في الدول؛ وبخاصة في الدول النامية التي تعيش حالات تخلف واضطراب
وتدهور وفوضى مردّها إلى ذلك التردي الهائل في عملية إدارة مرافق الدولة، وفي
مقدرات المراقبة والمساءلة.
عندما تُذْكَرُ مفردة «الفساد» يرفَعُ الكثير أصواتهم بأن هذه الظاهرة قد استشرت في
مفاصل المجتمعات بحيث لم يعد هناك عمل أي شيء حيالها أو في سبيل
مكافحتها، خاصة وأنها أصبحت تسيطر على كل مكان في العالم, وذلك بعد أن ثبت
وجودها عبر معظم مراحل التاريخ إن لم يكن كلها، متأتيةً من سوء استخدام أدوات
السياسات العامّة ووسائل تنفيذها، ومن التلكؤ في تطبيق القوانين.
يعد الفساد، بأثماطة كافة، خَطَرًا مُحْدِقاً بالمجتمعات الإنسانيّة كلها، وحتى يمكن
الإحاطة بظاهرة الفساد كمفهوم اقتصادي سياسي قيمي اجتماعي، لا بد من إدراك أن
الفساد، في أصوله، مخالف للفطرة الإنسانية، على الرغم من الإجماع على أنه قديم،
وعلى الرغم من أنه أصاب الدول والمؤسسات كلها. وما «المجتمع الفاضل» الخالي من
الفساد، أو «المدينة الفاضلة» النقيّة منه، إلاّ توهمات قائمة في ذهن الفلاسفة
المتطهرين والمفكرين التجريديين، الذين عجزوا تماماً عن ترجمة هذه الحالة الذهنيّة
إلى واقع ملموس، أو على الأقل أن يجدوا لها نماذج قريبة من تصوّرهم.
تقول سوزان أكرمان، ويوافقها في ذلك زياد عربيّة وروبرت كلتيجارد «إن أخطر أنواع
الفساد هو ما يتأتى من إساءة استعمال السلطة العامة في سبيل تحقيق مصالح
شخصية، وإن شكل العلاقات بين المؤسسة الرسمية في القطاع العام و رئيسها،
يسهل فرصة كبيرة لنمو الفساد، وذلك لأن أحد جذور المشكلة يكمن في الاختلالات
الوظيفية الموجودة في معظم المؤسسات الرسمية والخاصة وفي مكان آخر يظهر أن
أهم صور الفساد المتفشية في العديد من المجتمعات وأخطرها عليها هي ظاهرة
غسيل الأموال، التي تمثل التحدي الحقيقي أمام مؤسسات المال والأعمال، هذا
بالإضافة إلى كونها امتحاناً صعباً لقدرة القواعد القانونية على تحقيق فعالية مواجهة
الأنشطة الجرمية في مكافحة أنماطها المستجدة. وفي تكييفها القانوني فإنها، أي
ظاهرة غسيل الأموال، تعرّف بأنها «ارتكاب أي فعل أو الشروع فيه يقصد من ورائه
إخفاء أو تمويه أصل حقيقة أموال مكتسبة خلافاً للشرع أو للنظام وجعلها كأنها
مشروعة المصدر».
لقد صدر الاهتمام بظاهرة الفساد عن كونها تؤثر جوهرياً في اضطراب أداء التنمية،
ومن ثمَّ تمنع تحقيق الإصلاح، ولخطورة الفساد فقد تداعت دول العالم في كانون الأول
عام 2003 للاجتماع في المكسيك، بدعوة من هيئة الأمم المتحدة، حيث تم تبني
«ميثاق مكافحة الفساد» الذي دخل حيّز التنفيذ في نهاية عام 2005 .وبالرغم من حجم
التفاؤل الذي رافق عملية تبني المثياق إلاّ أنّ سياسة الولايات المتحدة الرافضة لإدراج
البنود الإلزامية المتعلقة بالشفافية في مجال التمويل السياسي، قد ألحقت ضعفاً
بيّناً وخللاً واضحاً في مبدأ الإلزاميّة هذا.
كما سلف، فإن ظاهرة الفساد قد وُجدت قبل أنْ تشهد الإنسانية خلق البشر وقبل
بدء الخليقة، {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن
يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ
 
تَعْلَمُون}[البقرة: 30 .ولا يكاد مجال من مجالات الحياة في الدول وفي المجتمعات
الإنسانية يخلو من ظاهرة الفساد والإفساد، وهناك ما يعرف بالفساد الكبير وهناك ما
يعرف بالفساد الصغير، ويجمعهما كليهما الذهاب نحو تدمير حقوق الناس والاعتداء
على حرياتهم وعقولهم وأموالهم وارواحهم.
للفساد أشكال وأنواع وأنماط منها الفساد الأخلاقي، والفساد القضائي، والفساد
الانتخابي الذي يُعْرف بجريمة الرشوة الانتخابيّة، والفساد البيئي، والفساد الإداري،
والفساد السياسي، والفساد الاقتصادي، وهناك أيضاً الفساد الرياضي، والفساد
العقائدي.
وهذه كلها تسبب انهيارات قاتلة للمجتمعات والدول، كما تَسُوق البشرية إلى حالة
من الدمار الذي لا يترك أحداً إلا ويصيبه بالقهر والخوف والرعب، وحسباناً لذلك فإن
هناك من أخذ يتصدى لهذه الظاهرة، وبدأ بقيادة الجهود الذاهبة نحو مكافحتها،
ومن ذلك انعاش الحياة الاقتصادية، وتحسين مستويات الدخل، وتشريع السياسيات،
وتقنين العقوبات المغلّظة لمواجهة الفاسدين، ورفع مستوى التعليم، وتوفير العدالة
الاجتماعية القائمة على المواطنة الحقة والمساواة، وتشكيل اللجان الدولية المكلفة
بمراقبة سلوكيات المجتمعات والمؤسسات والدول، ووضع الفاسد منها تحت
المساءلة والرقابة والعقاب، ومما يثير الأمل هو الحقيقة التي بدأت تظهر والتي تقول
إن هناك صدامات كبيرة قد أخذت تتفجر بين أنصار الفساد واؤلئك الرافضين له الذين
أكدوا أنهم لن يستسلموا أو يتراجعوا عن خوض هذه المعركة الشرسة.
إن الفساد الكبير يحمي الفساد الصغير ويُنَشّأه على خطاه، وكلاهما يعيشان تحت
رعاية الفساد الأكبر، والثلاثة يسكنون في حضن الجهل وسقوط القيم وتدهور
المبادئ.
الدعوة مفتوحة للمشاركة في معركة محاربة الفساد... فلنبدأ.