Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    26-May-2019

عن الاستقلال والقرار المستقل* فهد الخيطان

 الغد-في عالمنا العربي تأسس مفهوم الاستقلال على فكرة العداء للغرب، فالاستقلال لا يكون ناجزا إلا بقدر افتراقه عن الدول الغربية.

هذا المعيار للاستقلال لم يأت من فراغ، فالدول الغربية هي القوى الاستعمارية التي ورثت مناطق النفوذ العثماني في المشرق العربي تحديدا. ولم تكتف هذه القوى”بريطانيا وفرنسا على وجه التحديد” بذلك بل اقتطعت جزءا عزيزا من الأرض العربية ومنحته لليهود وطنا قوميا لهم.
شكل هذا التاريخ الاستعماري مفاهيم الاستقلال والسيادة الوطنية في عالمنا وأعطاها معنى مختلفا عن الدول الأخرى. الاستقلال يعني أن تكون في الخندق المعادي للغرب وأميركا، والأخيرة كانت خارج حسابات الوعي القومي العربي، إلى اليوم الذي حلت فيه مكان الدول الأوروبية المستعمرة، وحملت على عاتقها رعاية المصالح الصهيونية في فلسطين، وتشكيل تحالف عربي إسلامي لمواجهة المد الشيوعي في منطقتنا.
كتبت بداية القرن الجديد نهاية عصر الحرب الباردة بين القطبين، لكن ذلك لم يمس الأفكار المهيمنة في العقل العربي ونظرته لأميركا والغرب عموما. وبعد الغزو الأميركي العسكري للعراق العام 2003 صارت مفاهيم كالسيادة والاستقلال لا تعني شيئا سوى العداء لأميركا.
تطورات الأحداث في المشرق العربي تحديدا أعادت للأذهان مراحل سابقة من التاريخ، حين تحولت بلادنا العربية لميدان صراع بين قوى خارجية؛غربية وشرقية، كانت سورية ومن قبلها العراق مسرحا حيا لهذه الصراعات. 
قوات أجنبية من مختلف الجنسيات تسيطر على أراض عربية، وقواعد عسكرية تدير جبهات القتال على امتداد الجسد العربي الغارق بالفوضى والحروب الأهلية والصراعات المذهبية.
المشهد كان يذكر بحالة العالم العربي إبان الحرب العالمية الثانية، حين انقسم عالمنا العربي بين دول المحور والحلفاء، لكن بصيغة جديدة تناسب مقتضيات العصر الحديث. ولهذا السبب ربما سمى البعض ما كان يدور على الأرض السورية بالحرب الكونية.
في الأثناء كان مفهوم الاستقلال بمعناه القديم يكاد يتلاشى تماما، خاصة وأن التحولات التي شهدها العالم وثورة المعرفة الهائلة وما رافقها من سيادة مفاهيم العولمة، لم تترك كلها مجالا لاستقلال يعادي الآخرين أو يقوم على الانكفاء على الذات والاعتماد على الموارد المحلية.
التكتلات الإقليمية على أهميتها أصبحت بحاجة لشريك استراتيجي دولي لكي تمارس قدرا من الفعالية. بدون الصين وروسيا ما كان لإيران أو تركيا على سبيل المثال أن تواجه الضغوط الاقتصادية الأميركية، وكذا الحال مع كوريا الجنوبية الخاضعة للرعاية الأميركية.
لا تقلل هذه الحقائق من حاجة الدول لتعزيز قدراتها الذاتية وصيانة سيادتها الوطنية، لكن مفهوم القرار الوطني المستقل يكون بلا معنى، إذا لم يأخذ بعين الاعتبار شبكة المصالح المرتبطة مع العالم الخارجي والقوى الدولية الكبرى. كل دولة تجاهلت هذه الحقيقة وقعت في ورطة لم تخرج منها أبدا.
استقلال الأردن على مدى 73 عاما كان صراعا معقدا لإدارة المصالح المتشابكة عربيا وإقليميا ودوليا، أفضى في كل مواجهة خاضها للخروج بأقل الخسائر، والحفاظ على وحدة البلاد واستقرارها، مع هامش مناورة معقول يضمن الحد المطلوب من المصالح الوطنية دون الإضرار بشبكة التحالفات.
الدول كالسمك لا تعيش خارج عالمها.