Thursday 18th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    05-Dec-2017

هواية بث الشائعات وفن التهويل - د. فيصل غرايبة

الراي -  اضحى تداول بث الشائعات والمبالغة والتهويل في حبكها وبثها هواية مفضلة عند الكثيرين في المجتمع الأردني وفنا يمارس ويتقنه العديدون، حتى بلغت من الاتقان حدا وصل الى تصديقها لدى الصاغين اليها والى سرعة انتشارها بين الآخرين وترديدها والبناء عليها والاضافة اليها، حتى تصبح برواية أخرى مع مضي الوقت وسرعة الانتشار واتساع التبادل لها وعنها بين الناس وفي مختلف الأوساط والجماعات.

 
كنت عندما أدرس مساق «الرأي العام» وأحاضر في موضوع «الشائعة»كظاهرة اجتماعية بالذات،أبدأ محاضرتي عن تداول المعلومات شفويا،بتمرين عملي أطرحه امام الطلبة، يبدأ بأن أطلب من الطالب الجالس باول مقعد باول صف بالمدرج الكبير، أن يقرأ (بصمت)نصا قصيرا يتضمن معلومة محددة،مكتوب على ورقة صغيرة أخرجها لتوي من جيبي، ثم أطلب من هذا الطالب ان يهمس المعلومة التي قرأها في أذن زميله الذي يجلس الى جواره، لكي يهمسها كما سمعها باذن زميله الذي يليه، وهكذا حتى تنتهي عملية نقل ذات المعلومة الى آخر طالب يجلس في المقعد الأخير في الصف النهائي بالقاعة. فاطلب بعدها من الطالب الأخير ان يحضر الى مقدمة القاعة ويكتب على اللوح المثبت أمام الطلبة، نفس النص او المعلومة التي سمعها قبل قليل من الزميل المجاور، حتى اذا انتهى من كتابتها على ذلك اللوح، طلبت من أول طالب أن يكتب على ذات اللوح وفي الحيز الفارغ تحت ما كتب زميله ذات النص المكتوب على الورقة التي اخرجتها من جيبي، وسبق ان طلبت منه ان يقرأها بصمت ويهمس بها لمجاوره من الطلبة في الصف الأول من القاعة. وعندما ينتهي من الكتابه اطلب اليه العودة الى مكانه، واطلب من جميع الطلبة ان يقارنوا بين فحوى النصين، فيبدو على وجوههم الاستغراب او حتى الذهول، اذ اكتشفوا أن النصين قد اختلفا بالمعنى والمبنى والكلمات عن بعضهما البعض بفعل التداول والتسرع بنقل المعلومة والاعتماد على الرواية الشفاهية.
 
وهكذا الشائعات التي يلذ للكثيرين التحدث بها والاستمتاع بنقلها والتباهي في فبركتها، في سبيل تاكيد الذات وخلق انطباع لدى الآخرين بأن محدثهم والراوية اليهم من ذوي الاطلاع ومن المهرة في كشف الأسرار واالافصاح عن حقائق ووقائع، مع التأكيد جزافا ان ما تنطوي عليه قد حصل وما تتضمنه من افعال قد تمت.
 
قد تطال هذه الشائعات اوضاعا اقتصادية أوظروفا اجتماعية أو توجهات سياسية، وما هي الا مجرد تصورات وتهيؤات تروق لصاحبها او هكذا تناهت الى مسامعه وبثها بدون دراية وبدون اخضاعها الى منطق الأمور وحقيقة الوقائع، وقد تكون محض اختلاق، يراد بها باطل، او مررت عن حسن نية الى من وصلت اليه وكان اطلاقها اصلا يتم بسوء نية. وقد يقصد بمثل تلك الشائعات تشويه السمعة لواحد من المواطنين أو لاقتراف فعل ما يسمى باغتيال الشخصية (معنويا)،ربما عن غل او حقد أو حب للنميمة أو الحاق الأذى المعنوى بالآخرين. ولا تقتصر الشائعات على محيط الشأن العام، فكثيرا ما تتداول في امور خاصة وشخصية وعائلية،ويتم تداولها بصورة تلقائية وعفوية وساذجة،على سبيل التندر والفكاهة وترطيب الجلسة وخلق الاستمتاع والتعبير عن خفة الدم والطرافة بالحديث،وكسب الجاذبية في التحدث مع الآخرين وكسب ودهم وتمتين العلاقة معهم.
 
يتمنى المجتمع المنسجم المتماسك المتواد فيما بين أبنائه، والساعي لاعلاء البنيان والتجاوز عن الأخطاء والهفوات،والعامل على نشر العدالة الاجتماعية بين مواطنيه،والذي يعتمد الحوار فيما بين تياراته...يتمنى أن تختفي الشائعات في ارجائه وان تخف المبالغات والتوهيمات والبلبلات بين صفوفه.
dfaisal77@hotmail.com