Wednesday 24th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    01-Feb-2019

أسئلة حـول روايـة «كـوانتـوم»لأحـمـد أبـو سليـم

 الدستور-عبد السلام صالح

كيف لنظرية فيزيائية إشكالية أن تكون أرضاً لروايةٍ؟ 
كيف يمكن أن يُحَمَّل الكل الإنساني بكل شتاته وتشظيه، بكل مكنوناته من توق وشوق وعطش للحرية والحقيقة، كيف لذلك التوق المجبول والمرتكز على المشاعر والانفعالات،(بحكم كون الإنسان كائن انفعالي) أن يتحقق أو يكون في ظل نظرية فيزيائية ما زالت إشكالية لغاية الآن؟
وكيف لأي نظرية مهما كانت قارةً أن تستطيع أن تختصر أو تعبر أو تقول أو تقترب من دواخل النفس البشرية بكل ما فيها من تراكم التاريخ الإنساني الموغل في المحاولات وفي رحلات البحث عن وعيه وذاته ووجوده ومعناه عبر مراحل طويلة جداً من عمر الإنسانية ومن الوجود؟ 
ما الذي يحاول أن يقوله « أحمد أبو سليم « عبر روايته الأخيرة « كوانتوم «؟ أو ما الذي يحاول أن يُخفيه في ثنايا الرواية ولا يستطيع البوح فيه؟ ما هي الفكرة الحقيقية أو الخفية من وراء اختيار النظرية الفيزيائية؟ ثم ما هي الفكرة الخفية والمتضمنة داخل الحكاية وانعكاس هذه النظرية الفيزيائية في دواخل الشخصيات والأحداث؟  وما هو الهدف من اختيار هذا البناء الروائي المميز والمختلف والجديد؟ إذ من البديهي أن يكون هنالك ارتباط عضوي بين الشكل والمضمون، ومن المعلوم في الكتابة الجديدة أن المضمون هو الذي يختار شكله الذي يتجسد فيه، عبر علاقة جدلية يحكمها ويحركها التناقض سعياً للجمال.
هل أراد أحمد أبو سليم أن يضعنا في أتون النار وفي وهج التحدي الفكري والإنساني، لنشتعل معه،مع الفكرة، مع الرواية لنواصل معه أو دونه البحث عنا، عن حقيقتنا، وعن حقيقة كل ما في الوجود، سواء ما يحدث الآن أو ما حدث سابقاً في كل مراحل التاريخ، تاريخ الإنسان، تاريخ الحضارة، تاريخ الأديان، تاريخ الفكر الإنساني بكل مدارسه وأنواعه من أقصاه إلى أقصاه .
ثم لماذا اختار أحمد أبو سليم مدينة « القدس « لتكون أرضاً للرواية، أرضاً لتجسد النظرية الفيزيائية، أرضاً لمقولة القول المبهم أو المخفي بعناية حاذقة وذكية؟
في اشتباكي مع « كوانتوم « كان يحضرني، أو ربما كانت الرواية نفسها تأخذني لبعض المقولات التي شكلت وعيي وفهمي لفن الرواية، ومنها (هدف الرواية أن تقول لك إن الحياة لا تسير بالبساطة التي تتخيلها) حسب ميلان كونديرا (فن الرواية) وكان يحضر أودونيس وكتابه (الثابت والمتحول) الذي يُفرِّق فيه بين الإبداع والإتباع، ويحضر إدوار الخراط وكتابه المهم (مراودة المستحيل)، كان يحضر ألبير كامو بمجمل أعماله وخصوصاً (أسطورة سيزيف)، أخذتني « كوانتوم « لكثير من المُختلفين والمجددين في الأدب العالمي.
«كوانتوم» الحكاية والحدث والشخصيات، مرسومة بدقة متناهية، بإحساس، وبشكل إبداعي مميز، مرسومة بتمكن واقتدار، وبأسلوبية فذة قادرة على الربط، وقادرة على التخيل، استطاعت الغوص عميقاً، في بنية الشخصيات وتراكيبها، تلك الشخصيات التي تتحرك وتدور في فلك مجموعة من الأحداث المترابطة بشكل منطقي جداً، وباحترافية عالية، وبمكان تم تأثيثه ورسم فضاءاته بطريق ساحرة، ربما لأن المكان هو نفسه بطبيعته وتاريخه وتكوينه يمتلك سحراً خاصاً مميزاً وفريداً، القدس نفسها لها ألق وعبق وفذاذة وخصوصية نادرة، وبرغم الحساسية التي تفرضها مدينة القدس كمكان، حساسيتها الإنسانية والوطنية والفكرية والفلسفية والدينية، ورغم كل الصراعات التي كانت تأخذنا إليها الرواية، رغم التنوع الغني وتعدد الشخصيات، الذي من الممكن أن يكون مربكاً لبعض القراء، في ظل التطور المستمر للأحداث وتناميها الديناميكي الطبيعي والمنطقي والمترابط، استطاع أحمد أبو سليم أن يبقى ممسكا بخيوط اللعبة الروائية، واستطاع أن يقدم عملاً روائياً مميزاً، قادراً على إمتاع القارئ ومحققاً لعنصر التشويق المستمر استطاع أن يبقى ممسكاً بالقارئ وأن يأخذه لعوالم «الكوانتوم « بسلاسة ويسر.
إلا أن البناء الروائي غير التقليدي، وجرأة أحمد أبو سليم التي تسجل له، أضافت نكهة خاصة من الإبهام عندما صاغ ذلك الاشتباك بين النظرية الفيزيائية « كوانتوم « وبين بناء وتركيب الشخصيات والأحداث،وربما كانت مغامرته الأكبر، محاولة تفسير نظرية فيزيائية عبر نص أدبي وعبر بعض الشخصيات التي حَمَّلَها أو بنى عليها أو ركب هذه النظرية، واستطاع أن يحركها على أرض الواقع، وجعلها تنساب كما باقي شخصيات الرواية، فهل استطاع الروائي أن يُنزل « نظرية الكوانتوم « على الأرض، هل استطاع أن يؤنسنها؟
ثم إلى أين تأخذنا نظرية الكوانتوم كذوات إنسانية؟ وما الذي يمكن أن تفعله بالوعي الفردي أو الذاتي للكائن وللذات الإنسانية الواعية والمُفكرة، تلك التي تظل تبحث عن الحقيقة دوماً، حقيقة كل ما حولنا؟
 ثم إذا أردنا أن نلُم شظايا وشذرات ما صنعتهُ الرواية بنا، بوعينا وفكرنا وحسنا، بمفاهيمنا عن الإنسانية والإنسان، عن الوطن والفكر والدين والذات والعلم وكل القضايا الكبرى؟ 
ها استطاعت الرواية زحزحة قناعاتنا وجذورنا الفكرية ؟ أم تراها منحتنا زاوية نظر مختلفة، مكان مختلف ننظر منه لكل شيء في الوجود؟ 
يقول ابن عربي (كلما اتسعت الفكرة، ضاقت العبارة)، هل اتسعت فكرتنا الآن، وبعد قراءة كوانتوم؟ وهل تضيق العبارة منا الآن إذا حاولنا أن نقول؟ 
هل منحتنا كوانتوم إحساس فلسفي مختلف بالزمن؟ هل منحتنا الرواية وعياً أكثر عمق للزمن؟      
هل أراد أحمد أبو سليم أن يهدم كل شيء؟ كل ما تراكم عبر التاريخ الإنساني من أفكار وقناعات وقوانين وأديان ونظريات فكرية وأيدولوجية ؟ هل هي دعوة لهدم كل شيء والبدء من جديد؟ هل هي دعوة للتفكير بطريقة مختلفة عن كل طرق التفكير السابقة والتي جرّبناها ولم تفض بنا سوى للبؤس والهزائم والخيبات؟ 
أخيراً، كيف سنفهم كل شيء حولنا؟ كيف سنفهم ذواتنا ووجودنا، بعد أن سرّبَ إلينا أحمد أبو سليم قبساً من ناره؟