Sunday 11th of May 2025 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    13-Oct-2023

الأسطورة الكنعانية في روايات لصبحي فحماوي

 الدستور-أ. د. عبد المجيد صديقي/ المغرب

يبدو أن الروائي العربي صبحي فحماوي حمل على عاتقه، مهمة تفنيد هذه «البدعة الصهيونية» ودحض ادعاءاتها الزائفة، تسنده في ذلك هموم وطنه فلسطين ومعاناة أهله مع احتلال الصهاينة ومع ظلمهم واستبدادهم. لذا، نجده يكتب ويبدع ويناضل ويروم» إيجاد الحلول المناسبة للخروج من هذه الأزمات، واستطاع بهذا أن يصور الواقع ويجسده، حيث تحدث عن آلام الحرمان ومشاق البؤس في المجتمع، وتحدث عن نكبة فلسطين وما تلاها من تشرد وضياع»، وما رافقها من محاولات طمس ومحو وتزييف التاريخ الفلسطيني من طرف المحتل الصهيوني الغاصب الذي يبتدع» الحكايات الأسطورية» لتبرير مخططاته الإجرامية في استيطان أرض فلسطين بعد إبادة سكانها الأصليين وترحيل من تبقى منهم من أرضهم، كما تحدث عن حق الفلسطينيين في مقاومة المحتل الإسرائيلي لأرضهم فلسطين وطرده منها، وعن حقهم، كذلك، في تحقيق حلمهم بالعودة إلى أحضانها.
إن الخطر الذي تمثله الصهيونية على اسرائيل نفسها أولا، وعلى الفلسطينيين ثانيا، يفسر جينات التدمير والدمار التي تدخل في تكوين الصهاينة البيولوجي، والتي يحملونها معهم إلى العالم، ثالثا. لهذا، فقد حذا هذا الخطر، الذي تمثله الصهيونية على الانسانية، بـ»روجي جارودي» خلال تفنيده» البدعة الصهيونية»، كما أشرنا، إلى أن يعلن، كذلك، عن رفضه وإدانته ونضاله ضد السياسة الصهيونية الإسرائيلية، فيكتب: «إن نضالي ضد السياسة الصهيونية لدولة إسرائيل ـ والتي هي الآن المادة الرئيسية المغذية لمناهضة السامية ـ يعد جزءا مكملا لنضالي المتواصل ضد مناهضة السامية التي هي جريمة يعاقب عليها القانون. الصهيونية ضد اسرائيل: إن أسوأ عدو للعقيدة اليهودية، هو المنطق القومي، العنصري والاستعماري للصهيونية القبلية، الناتج عن النزعة القومية، والعنصرية والاستعمارية الأروبية في القرن 19. هذا المنطق الذي ألهم كل أشكال الاستعمار الغربية، وكان وراء حروبها معارضا بين نزعة قومية وأخرى، هو منطق انتحاري.
وبنفس اليقين، عمد الروائي صبحي فحماوي، أمام الطرق والأساليب العنصرية التي ينتهجها الصهاينة لانتزاع أرض فلسطين من سكانها الأصليين، والقائمة على القتل والنهب و المصادرة و والحيازة والترهيب والتهجير والإخلاء، أولا، وأمام تعدد الأساطير المؤسسة للسياسة الصهيونية (أسطورة» أرض الميعاد»ـ أسطورة» الشعب المختار» ـ أسطورة يشوع . التطهير العرقي) ـ أسطورة» أرض بلا شعب لشعب بلا أرض»... ثانيا، أقول عمد إلى النزوع نحو استلهام واستيحاء وتوظيف الأسطورة الكنعانية كليا في ثلاثيته: (قصة عشق كنعانية ـ أخناتون ونيفرتيتي الكنعانية ـ هاني بعل الكنعاني) وما قد يليها من الروايات الكنعانية، وجزئيا في جل أعماله من خلال إشاراته إلى بعض من آلتها ورموزها وشخصياتها، لدحض فرضيات الأساطير الصهيونية وادعاءاتها المزعومة في قتل الفلسطينيين وسلبهم أرضهم، وإيمانا منه بحقه في مقاومة المحتل ومقارعته حتى طرده وعودة أهلها الأصليين والمهجرين والمنفيين ـ عنوة ـ إليها.
هكذا، تحث سياسة الأمر الواقع التي يقيمها الكيان المحتل على أرض فلسطين، في سياقنا هذا، الروائي صبحي فحماوي، على البحث روائيا عن واقع جديد، يتجاوز الواقع القائم والإقبال» على استغلال ومعالجة موضوع الأساطير الكنعانية في مادته الروائية بصفتها مادة سردية جديدة ومجهولة، بل مغرية وذات صمود أمامه، كما أنه البحث الفني المشروع الذي يثير انفعاله وفضوله ويغريه بالتجريب. والذي يرغمه على أن يرفض باستمرار، في طرح رؤيته الفنية لبناء المشروع الوحدوي العربي وقلبه فلسطين من خلال توظيف الأسطورة الكنعانية، مجمل الأعراف ومجمل المعايير والطرائق السردية التقليدية التي تحول دونه ودون هذه المادة الجديدة، أو التي قد تمنعه من أن يدرك كنهها، فالفلسطيني يقاوم ولا يرفع الراية البيضاء.
ومن هذه الزاوية، تبدو، في اعتقادي، الأهمية التي تحظى بها الأسطورة الكنعانية في المادة الروائية لدى صبحي فحماوي، مثلما يبدو الاهتمام الذي يوليه، أيضا، للمستوى الجمالي في الأدبين الفلسطيني والعربي معا. فهو يستدعي العلاقة الجدلية القائمة بين الواقع المعيش والمسمى بالموضوعي وبين فعل الإبداع الروائي بصفة الأخير، عند صبحي فحماوي، بوتقة فنية تتقاطع فيها الخطابات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، مثلما تنصهر فيه القيم الإنسانية والجمالية الخالدة، فترصد وتقرأ وتصور وتعري حال الواقع العربي الفلسطيني المعيش بأسلوب سردي لبق، ينحو نحو تجاوز الوضع القائم لتشييد واقع طرد الاحتلال وتحقيق العودة، ولم الشمل بالأهل هناك. مثلما يستحثه ـ أي فعل الإبداع الروائي البحث الدائم عن» التماس الفعالية» التي تضمن له، شأنه في ذلك شأن» كبار رواد الواقع الخفي أدق الأساليب وأكثرها أصالة وحدة ومباشرة، كما تضمن لهم أقرب السبل وأنجع التقنيات لتجلية هذا الواقع الخفي الذي كانوا يطمحون إلى إعادة خلقه، لأن ما كان يهمهم أساسا هو موضوع البحث الذي كانوا يجهدون أنفسهم في تجليته بأقل الأدوات»([1]).
وفي هذا الإطار، نلاحظ كذلك، أن نصوص صبحي فحماوي الروائية، الواردة دراستها في هذا الكتاب، تتصل بموضوع رئيس يتألف من عدة أقانيم، مثل؛ الاحتلال، وسياسة القمع والتهجير، والتنكيل، التي يمارسها المحتل الصهيوني تجاه الفلسطينيين، والوحدة الفلسطينية وحلم العودة، فضلا عن مفاهيم وأفكار المحبة والسلام والأمانة والخطيئة والعدالة والتسلط والغرور والطهارة وسواها، وهي أقانيم وقيم ومفاهيم تجد أصولها التاريخية في الماضي الملحمي والأسطوري للمعبد الكنعاني، حيث يمكن للقارئ أن يلاحظ التطابق القائم بين الواقع والأسطورة، فلا يظهر له أي اختلاف حاد بينهما، أو يظهر أمامه» أدنى انفصال بينهما،» فثمة تداخل بين الشعر والحقيقة، وبين الأسطورة والواقع («[2])، على حد قول ارنست كاسيرر.
ولعله من المناسب الإشارة هنا إلى فسحات التماهي والتداخل لكل من الأسطورة والواقع التي تتيحها الطبيعة السردية للرواية، سواء» من حيث قابليتها وطواعيتها للتحول إلى» بناء تمثيلي رمزي» بالمعنى الاجتماعي أو الديني أو السياسي، أو فضلا عن كونها ـ أي الكتابة الروائية ـ» كتابة شخص إنساني يحتج على عصره، ويتوجه إلى شخص مثله على مستوى القراءة، فهي كتابة ذات طبيعة جعلتها، على حد قول جابر عصفور:» أكثر جسارة في معالجتها المباشرة وغير المباشرة التي تمتد من قضايا الميتافيزيقا إلى قضايا المجتمع، واصلة السياسي بالاجتماعي، مستغلة المتاح من حيل الكتابة السردية وأساليبها التشويقية، جامعة ما بين إيجابيات الموروث الرسمي والشعبي وإيجابيات الوافد الرصين والهزلي، وذلك كي تفتح الأبواب المغلقة، وتزحزح الجنادل الراسخة للتقاليد التي بدت بالية في أعين هذا الفن الواعد: الرواية»([3]).
وفي هذا الصدد، آثر صبحي فحماوي وهو يروم خلق واقع فلسطيني عربي جديد من خلال هذا الفن الواعد، وعبر رصده الواقع العادي الذي نراه وندركه جميعنا بشكل فوري ومباشر، يحرص، في الوقت نفسه، على أن ينفذ بنا إلى» الأعماق الحقيقية للوقائع والأساطير الماثلة في حيوات ملايين الناس في ملايين محددة، حيث يلقيها في بوتقة التخييل المتجسد فنيا ولغويا» في نسيج النصوص الروائية»([4])، فيغدو استبطان أغوار هذه الوقائع والأساطير الكنعانية سمة تسم اسمه وهو المنطلق من عالم الحدائق، برسومها وتصاميمها وأغراسها، والفاعل الثقافي المتعدد الأنشطة الإعلامية والجمعوية، وتجعله من بين أبرز الروائيين العرب الذين باتوا يجربون» أنماطا جديدة» في الكتابة الروائية العربية المعاصرة.
وبعبارة أخرى، إن انتزاع الروائي صبحي فحماوي الواقع الاجتماعي العربي/ الفلسطيني المعيش بصفته المرجع الذي يمتح منه مواده السردية الأولية، وقد غدا متشابكا ومتعدد الأبعاد، من سطوة التسطح والاجترار، وسعيه، تبعا لذلك، إلى الكشف من خلاله عن أن الإنسان العربي يمتلك إمكانيات وطاقات وقدرات لا محدودة، قدرات تمكنه من خلق وتشييد واقع جديد يصير فيه الحلم حقيقة، وتؤول فيه الأسطورة واقعا، لا ليطرحه بوصفه واقع الكاتب الروائي صبحي فحماوي، أو بصفته» مجرد مظهر يوهم بالواقع» بل باعتباره طريقة أخرى للقول: إن «الواقع بالنسبة للروائي هو المجهول واللامرئي، هو ما يراه بمفرده، وما يبدو له أنه أول من يستطيع رصده. الواقع لديه هو ما تعجز الأشكال التعبيرية المألوفة والمستهلكة عن التقاطه، مستلزما طرائق وأشكالا جديدة ليكشف عن نفسه»([5]).
ومن هذا المنطلق، فقد جسدت الفترة الواقعة ما بين عامي 1967 ـ 1992، أكثر المراحل توترا وحساسية في التاريخ العربي المعاصر، وكان لها الأثر الواضح في تحولات الخطاب العربي المعاصر. لذلك اعتمدها الدكتور نضال الصالح إطارا زمنيا لمقاربة مسألة النزوع الأسطوري في الرواية العربية المعاصرة» من خلال استقصاء الظاهرة الأسطورية في النتاج الروائي العربي خلال هذه الفترة، فدرس إحدى عشر نصا روائيا من النتاج الروائي العربي([6])، رأى أنها نصوصا روائية تستلهم الأسطورة استلهاما أو استيحاء وتوظفها في نسيج النص الروائي حتى تتماهى معه شكلا ومضمونا بشكل كلي أو جزئي، كما تغدو الحكاية الأسطورية فيه مكونا أساسا من مكونات النص الروائي. وفي ضوء ذلك، بحث في مرجعيات النزوع الأسطوري وفي شواغله وتجلياته وأنساقه الجمالية في الرواية العربية المعاصرة.
غير أن القارئ يلاحظ أنه رغم اهتمام هذه النصوص، التي درس الدكتور نضال الصالح، مدى توظيفها الأسطورة لطرح القضية الفلسطينية، في بعض من هذه الروايات، من خلال حضور أساطير( العنقاء، نرسيس، إيزيس وأوزوريس..)، التي تعكس المرحلة الممتدة من النكسة إلى أوسلو، ورغم أن هناك غيابا ملاحظا من الروائيين العرب، أوربما عدم التفات منهم إلى توظيف أساطير سومرية وكنعانية وسواهما في كتاباتهم الروائية، يلاحظ أن صبحي فحماوي انبرى روائيا إلى استثمار الأسطورة الكنعانية في أعماله قصد عرض قضيته الأولى، القضية الفلسطينية، والسير في طريق بناء المشروع الوحدوي الفلسطيني العربي.
ـ «ها أنا أعود إليك يا عذبة، مسالما غير مستسلم، غير طالب إلا القرب منك.. أن أعيش إلى جوارك بسلام وهدوء، وبحق عودتي إليك، يتحقق السلام على الأرض، ويعم الهدوء على أرض كنعان الجميلة»
ـ ...» نعم، أقولها بالقلم العريض، فأنت والوطن معي توأمان، كان أبي يظلل حياتنا ونحن أطفال، أما وقد كبرنا..»،
ـ» لقد تزوجت القضية الفلسطينية»([7]).
إن المقاطع السردية أعلاه الواردة في الفصل الثلاثين من روايته الأولى( عذبة) الصادرة سنة 2005 وباكورة أعمال صبحي فحماوي الروائية، بقدر ما تبدو، في اعتقادي، صك قران بينه وبين القضية الفلسطينية ومن خلاله ترجمة مسيرة معاناة الشعب الفلسطيني منذ نكبة 1948 إلى يومنا هذا، وعبر عرض المواقف السلبية العربية والأممية معا، فنتابعه وهو يستحضر حال الشعب الفلسطيني بعدما اغتصبت أرضه وما آل إليه واقعه من معاناة وطرد وتهجير وشتات وتشريد من وطنهم الأم على يد عصابات صهيونية مدججة بأساطير استيطانية مزيفة، وبأسلحة فتاكة ومدعمة بالقوى الاستعمارية وبالناتو واللوبيات العالمية، بقدر ما يشيد بالكتابة الروائية صرحا من القيم الإنسانية والفنية والجمالية، صرح يتجسد عبر» جهده الخلاق في ابتكار العوالم الجديدة، بطريقة تختزل الأبعاد التاريخية والحضارية في تشكيلات تعتمد على الرمز والأمثولة، حيث يقدم رؤية كونية(...) تندرج بالأسطورة من دون أن تقع في قلبها، وتسترق السمع لما وراء الواقع من دون أن تبرح مكانها، وتطرح في مناجاة الماضي أسئلة المستقبل الموعود»([8]).
الهوامش:  
[1] ـ مؤلف جماعي، ساروت/ غولدمان/ روب غرييه، مويلو، الرواية والواقع، ترجمة، رشيد بنحدو، ط1، دار قرطبة، الدار البيضاء، 1988 ، ص، 15.
[2] ـ كاسيرر، ارنست، الدولة والأسطورة، ترجمة، أحمد حمدي محمود، مراجعة، أحمد خاكي، المكتبة العربية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، بدون طبعة، القاهرة، 1395ه/ 1975م، ص، 20.
[3] ـ عصفور، جابر أحمد، ابتداء زمن الرواية: ملاحظات منهجية، مقال، الرواية العربية...» ممكنات السرد»، ( م. س)، ص، 170.
[4] ـ نفسه، ص، 106..
ـ مؤلف جماعي، ساروت/ غولدمان/ روب غرييه، مويلو، الرواية والواقع،( م. س)، ص، 12.
[6] ـ هذه النصوص هي: ـ1 إخلاصي وليد: « الحنظل الأليف»، ط1، دار الكرمل، دمشق، 1980. ـ 2 بركات حليم» عودة الطائر إلى البحر»، ط1، دار النهار، بيروت، 1969. ـ 3» جبرا ابراهيم جبرا» البحث عن وليد مسعود، ط1، دار الآداب، بيروت، 1978. ـ 4 الحكيم توفيق» عودة الروح، جزءان، ط2، مكتبة الآداب، القاهرة، 1937. ـ 5 الخراط إدوار» رامة والتنين» ط1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1980. ـ 6 الربيعي فاضل» ممرات الصمت»، ط1، دار الملتقى، قبرص، 1991. ـ عبد الأمير، خضير» ليس ثمة أمل لكلكامش»، ط2، مكتبة بسام، الموصل، 1972. ـ العزاوي، فاضل» آخر الملائكة» ط1، دار الرياض الريس، لندن 1992. ـ عمرو، عبد المنعم محمد» إيزيس وأوزوريس» ط2، مكتبة الأنجلومصرية، القاهرة، 1956.ـ عوض، لويس» العنقاء أو تاريخ حسن مفتاح» ط1، دار الآداب، بيروت، 1966. ـ قصيباتي، أنور» نرسيس»، ط1، دار الثقافة، بيروت، 1964.
[7] ـ فحماوي، صبحي، عذبة، رواية، طبعة ثالثة، دار الفارابي، بيروت، 2005، الفصل الثلاثون.
[8] ـ فضل، صلاح، التجريب في الإبداع الروائي، مقال، الرواية العربية... ( ممكنات السرد)، أعمال الندوة الرئيسية لمهرجان القرين الثقافي الحادي عشر، 11 ـ 13 ديسمبر 2004، الجزء الأول، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، دولة الكويت.