العالم يشاهد والجنون يتمدد.. خطر نتنياهو يتعمق بلا كوابح
الغد - محمد الكيالي -
يمثل استمرار سياسات رئيس وزراء الاحتلال، تحديا كبيرا للمنطقة والعالم، إذ تتجاوز طموحاته الحدود التقليدية للكيان الصهيوني، وتتجاهل التزاماته تجاه اتفاقيات السلام القائمة.
وتعكس هذه السياسات، نهجا توسعيا يهدد استقرار الدول المجاورة، ويزيد من حدة الصراعات الإقليمية، بما يضع الأمن الإقليمي والدولي أمام مخاطر متصاعدة.
كما تكشف ممارسات حكومة الاحتلال الحالية عن رغبة واضحة في فرض نفوذها وتوسيع سيطرتها، متجاوزة الأعراف والاتفاقيات الدولية، ما يعكس عدم اكتراث بالسلام أو التوازن الإقليمي.
وتزيد هذه التحركات من تعقيد جهود التسوية، وتضع المجتمع الدولي أمام تحدٍ كبير لضبط التوازن وحماية مصالح الدول المتأثرة من هذه السياسات.
وما يزيد من تعقيد الأمور، أن السياسة الدولية الحالية، تظهر تأثيرا كبيرا للنفوذ الأميركي في توجيه مسارات العالم، مدعوما بأدوار متبادلة مع الحركات والمؤسسات الصهيونية على المستوى الدولي، خصوصا في الولايات المتحدة.
مهمة تاريخية وروحية
وكان رئيس وزراء الاحتلال المتطرف بنيامين نتنياهو، أدلى بتصريح جدلي أول من أمس، بعد أن اعتبر نفسه في "مهمة تاريخية وروحية"، مؤكدا ارتباطه العميق برؤية ما يعرف بـ"إسرائيل الكبرى".
وبحسب تقرير نشرته مجلة "تايمز أوف إسرائيل"، فقد جاءت تصريحاته خلال مقابلة تلفزيونية، إذ قدمت له "تميمة" تحمل ما وصفه بـ"خريطة أرض الميعاد"، وعند سؤاله عن مدى ارتباطه برؤية "إسرائيل الكبرى"، أجاب بكلمة واحدة: "كثيرا".
يشار إلى أن جذور مصطلح "إسرائيل الكبرى" يعود إلى بدايات الفكر الصهيوني، وارتبط بأسماء بارزة مثل زئيف جابوتنسكي الذي يعد المرجع الفكري والأيديولوجي لحزب الليكود الذي يتزعمه رئيس وزراء الاحتلال.
النفوذ السياسي والاسترضاء التاريخي
وفي هذا السياق، قال أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الألمانية الأردنية د. بدر الماضي إن السياسة الدولية تخضع إلى شبه سيطرة أميركية، بحيث تؤدي الولايات المتحدة دورا محوريا بتوجيه المسارات العالمية. مضيفا أن هذه السيطرة غالبا ما تعتمد على أدوار متبادلة مع الحركات والمؤسسات الصهيونية حول العالم، خصوصا في الولايات المتحدة والتي تسهم بتعزيز النفوذ الأميركي على الصعيد الدولي.
وأوضح أن هناك تبادلا للمصالح بين الإدارة الأميركية والجهات الصهيونية، يسهم بتسهيل السيطرة على السياسة الدولية، والحفاظ على المصالح المشتركة للطرفين. مشيرا إلى أن الاحتلال والحركات الصهيونية، نجحت ببناء سردية تصف الكيان بأنه "مظلوم" في محيط عدائي، يعيش سكانه في بيئة غير قادرة على فهم قيمه الديمقراطية وحقوق الإنسان وبناء المؤسسات.
وأوضح الماضي، أن ذلك أتاح للاحتلال تعزيز صورته، ككيان فريد في المنطقة، من حيث الديمقراطية وبناء المؤسسات القانونية والإنسانية.
وأكد أن الاحتلال والحركات الصهيونية، ما تزال تستفيد من رواية المأساة التاريخية التي مر بها اليهود، بما في ذلك "الهولوكوست"، وما جرى لهم في ألمانيا وأوروبا، لتوظيف ذلك كأداة دبلوماسية لتعزيز موقفها أمام المجتمع الدولي والولايات المتحدة وأوروبا، وإقناعهم بمسؤولية التعويض أو الاسترضاء نتيجة الظلم التاريخي الذي تعرض له اليهود، خصوصا من الأوروبيين والبيض في الولايات المتحدة.
وأشار إلى أن هذه الخلفية التاريخية والسياسية، تفرض سلوكيات محددة على الدول الغربية تجاه الاحتلال، بحيث يصبح من الصعب على أي طرف سياسي في أوروبا أو الولايات المتحدة، ممارسة ضغوط فعلية على حكومة الكيان، بما فيها إدارة المتطرف نتنياهو، دون إعادة النظر في المواقف الغربية التقليدية تجاه هذه القضايا.
وأضاف الماضي، أن تغيير هذا الوضع المستعصي يتطلب قناعات جديدة لدى الغرب والولايات المتحدة حيال سياسات الاحتلال ومسارها الدولي.
اليمين المتطرف وخطط الضم
من جانبه، قال رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية د. خالد شنيكات، إن نتنياهو يقف اليوم أمام ما يراه فرصة تاريخية، مستندا إلى سيطرة اليمين المتطرف على كيان قوي في وقت ينظر فيه هذا التيار للدول المجاورة، باعتبارها ضعيفة، وهو ما يمنحه- بحسب هذه الرؤية- القدرة على تغيير أنظمتها والسيطرة عليها واحتلالها.
وأوضح شنيكات، أن هذه التصريحات لم تصدر عن المتطرف نتنياهو وحده، بل رددتها شخصيات إسرائيلية في مناسبات مختلفة، مؤكدا أن ذلك يعكس نهجا متأصلا في سياسات حكومة الكيان الحالية.
وأضاف أن الولايات المتحدة تظل القوة الكبرى، الأكثر تأثيرا على هذا المسار، مشيرا إلى تصريح للرئيس الأميركي دونالد ترامب، وصف فيه الاحتلال بأنه "دولة صغيرة على الخريطة"، في إشارة ضمنية إلى ضرورة توسعها.
وبين أن الموقف الأوروبي التقليدي، يفضل بقاء كيان الاحتلال ضمن حدوده، لكن تأثيره الفعلي على سياساته محدود، في حين يمتلك آلة إعلامية ودعائية قوية، قادرة على التأثير في الرأي العام والحكومات دوليا، ليس فقط عبر الإعلام، بل أيضا وعبر الاقتصاد ووسائل متعددة أخرى.
ويرى شنيكات، أن هذا النفوذ يجعل تصريحات الكيان، مبررة أو مفهومة بالنسبة لبعضهم، خصوصا عند النظر إلى مواقف الكونغرس الأميركي، وأركان في إدارة ترامب ممن يبدون تأييدا واضحا له.
وأشار إلى أن هناك تحولا في الرأي العام الغربي تجاه الاحتلال، لكنه ما يزال غير حاسم، ما يدفع الكيان للمراهنة على هذه اللحظة التاريخية للتوسع في لبنان وجنوب سورية والأردن ومصر.
وأكد أن حجم الدمار الهائل في قطاع غزة، والتصريحات الصادرة عن قادة الاحتلال، تكشف بوضوح عن نوايا تتجاوز مجرد استهداف حركة المقاومة الإسلامية حماس التي تستخدم كذريعة، لتشمل خططا أوسع للضم والاحتلال في سياق خطاب صهيوني، يمضي إلى مدى أبعد مما قد يتخيله كثيرون.
تصدع الجبهة الداخلية
الخبير في الأمن الإستراتيجي د. عمر الرداد، أكد أن المجتمع الدولي لم يعد متوافقا مع توجهات اليمين الصهيوني، أو سياسات المتطرف نتنياهو، مشيرا إلى أن عزلة الكيان تتفاقم عالميا. مضيفا أنه حتى العلاقات مع الولايات المتحدة والدول الغربية، أصبحت مشروطة بمواقف تنتقد الفصل بين الكيان ويمينه المتطرف بقيادة نتنياهو، ما انعكس في إدانات دولية لسياسة "الإبادة" بغزة، وما يرافقها من تجويع ممنهج.
وأوضح أن هذه العزلة لا تقتصر على الخارج، إذ يشهد الاحتلال نفسه، اعتراضات متنامية على سياسات المتطرف نتنياهو، قد تطيح به وباليمين في المستقبل القريب.
في المقابل، أشار الرداد، إلى أن هناك عوامل تحول دون اتخاذ خطوات جذرية ضده، أبرزها قوة اللوبيات اليهودية المؤيدة للكيان في الولايات المتحدة والغرب، فضلا عن أن المتطرف نتنياهو وصل إلى الحكم عبر صناديق الاقتراع، ما يجعل الإطاحة به مرهونة بالعملية الديمقراطية ذاتها، لا عبر الانقلابات أو الثورات.
ولفت إلى أن السردية الصهيونية ما تزال تجد آذانا صاغية في الغرب، في ظل ما يراه الغرب نفسه في خطابات حركة حماس، وإيران، على أنها خطابات كراهية، ما يمنح رواية الكيان دعما إضافيا.