Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    30-May-2020

هل ستحقق أوروبا قفزة هائلة؟

 الغد-لوكريزيا ريتشلين

 
لندن – لقي صندوق التعافي من كوفيد- 19، البالغ قيمته 500 مليار يورو (547 مليار دولار)، والذي اقترحته المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، والرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، ترحيبا باعتباره نقطة تحول للاتحاد الأوروبي- ولسبب وجيه. فإلى جانب الآثار الاقتصادية الملموسة للاقتراح، يعيد هذا الأخير تأكيد التزام أكبر كيانين اقتصادين في الاتحاد الأوروبي بالتضامن، مما يمهد الطريق لتقدم حقيقي نحو الاتحاد المالي.
إن الاقتراح الأساسي واضح ومباشر. إذ سيقترض الاتحاد الأوروبي من السوق بفترات استحقاق طويلة، مع ضمان ضمني من الميزانية المشتركة. ومن ثم سيوجِّه الأموال المقترضة نحو المناطق والقطاعات الأكثر تضرراً من أزمة كوفيد- 19.
ولا يزال هناك الكثير من الأمور التي يمكن التفاوض بشأنها، مثل التفاوض بشأن الدول التي يجب أن تقدم لها القروض بدلا من المنح، ونوع الشروط التي يجب وضعها على المشاريع، ومدى زيادة القدرة المالية الإجمالية. ولا شك أن معارضة ما يسمى بـالمقتصدين الأربعة: النمسا، وهولندا، وفنلندا، والسويد، ستتطلب بعض التسويات.
ولكن، بغض النظر عن هذه الاعتبارات، وبينما ننتظر الاقتراح الذي من المقرر أن تصدره المفوضية الأوروبية هذا الأسبوع، من المهم النظر في الآثار الطويلة المدى المحتملة عل الاتحاد الأوروبي إذا دخلت نسخة من الاقتراح الفرنسي الألماني حيز التنفيذ.
وعلى وجه الخصوص، أين يُوجِّه هذا الاقتراح النقاش حول القدرة المالية الأوروبية، وتنسيق السياسة النقدية والمالية في منطقة اليورو؟ هل هذه خطوة حاسمة تتجه نحو- لحظة مهمة مثل لحظة إعلان رئيس البنك المركزي الأوروبي آنذاك، ماريو دراغي، في عام 2012، بأن البنك المركزي الأوروبي سيفعل “كل ما يلزم” لإنقاذ اليورو؟ أم أنها استجابة براغماتية لأزمة نعيشها اليوم، وتُحدد حدود عملية تقاسم المخاطر التي يمكن تحقيقها، في ظل الظروف الحالية؟
إن الاقتراح يتخطى العديد من الخطوط الحمراء التاريخية، بما في ذلك، تحمل ديون على المستوى الأوروبي وتوجيه تحويلاتها بناءً على الحاجة، بدلاً من المساهمة في ميزانية الاتحاد الأوروبي عن طريق تقديم منح بدلاً من القروض. ومن حيث المبدأ، سيحقق الاقتراح في الأخير الهدف المنشود، وهو “التضامن”.
وفضلا عن ذلك، سيؤدي الاقتراح في نهاية المطاف إلى إنشاء بعض القدرات المالية للاتحاد الأوروبي لأغراض تحقيق الاستقرار، رغم أن هذا الهدف لم يُعلن عنه. إن صرف الأموال لتمويل المشاريع التي تتماشى مع أولويات الاتحاد الأوروبي، لا سيما الاستدامة والرقمنة، سيؤكد مبدأ الغرض المشترك للاتحاد الأوروبي، مما قد يحفز الدعم الشعبي لمزيد من التكامل.
وتقترح مقابلة أخيرة مع وزير المالية الألماني، أولاف شولتز، جدول أعمال أوسع للمستقبل، بما في ذلك إنشاء قدرة الضرائب في الاتحاد الأوروبي، ودرجة ما من التنسيق المالي. وهذا ليس اتحادًا ماليًا بعد، لكنه إشارة واضحة إلى أننا نتحرك في هذا الاتجاه- وهي أول إشارة من نوعها منذ تقرير الرؤساء الخمسة بشأن استكمال الاتحاد الاقتصادي والنقدي لأوروبا في عام 2015. (لم يحقق هذا الاقتراح شيئا يُذكر).
ومن الأهمية بما كان، أن هذه ليست مجرد أجندة يدعمها التكنوقراطيون في مؤسسات الاتحاد الأوروبي، بل هي أجندة تعتمدها القوى السياسية في فرنسا وألمانيا. وكما هو الحال مع الفترة التي قال فيها دراغي أنه سيفعل “كل ما يلزم”، كان مفتاح التقدم هو الدعم السياسي الألماني.
ففي العام 2012، كان دعم ألمانيا مشروطا، بما في ذلك إنشاء آلية الاستقرار الأوروبية (لضمان أن يستند تدخل البنك المركزي الأوروبي في سوق السندات السيادية إلى مبدأ الشرطية)، واتحاد مصرفي (ليكون بمثابة أداة التخفيف من المخاطر). ويعتمد دعم ألمانيا لصندوق الانتعاش بعد أزمة كوفيد-19على صفقة كبرى أخرى: يجب أن تكون المشاريع التي يمولها الاتحاد الأوروبي متسقة مع الأهداف المشتركة، وأن تكون مراقَبة على نحو جماعي.
إذاً، هل تقترح المبادرة الفرنسية الألمانية اتخاذ مسار نحو القدرة المالية المشتركة؟ ليس بالضرورة.
إن الأهداف المعلنة لصندوق الانتعاش لا تشمل إدارة الطلب. فالصندوق مخصص للاتحاد الأوروبي، وليس لمنطقة اليورو، ومن ثم، فهو غير مصمم لمواجهة التحديات التي تنشأ عن وجود بنك مركزي مشترك بدون سلطة مالية مقابلة.
وكُشف عن تلك التحديات خلال أزمة منطقة اليورو في الفترة 2011-12، عندما ناضل صانعو السياسة في منطقة اليورو من أجل “رحلة إلى بر الأمان” نحو شمال أوروبا، مما أدى إلى فروق كبيرة في تكاليف التمويل الحكومي، وانهيار في نقل السياسة النقدية. وقد أدى ذلك إلى ممارسة ضغوط لا تقاوم على البنك المركزي الأوروبي لإدخال سياسات ذات بعد شبه مالي، مما أثار اتهامات بأن البنك المركزي الأوروبي تجاوز تفويضه.
ولمعالجة هذه المشاكل، تحتاج منطقة اليورو إلى أداة للميزانية تكون بمثابة آلية تأمين في الأزمات الشديدة (المُثبِّتات المالية التلقائية)، ولتَدعم تنسيق السياسة النقدية والمالية التي تتطلبها إدارة الطلب الفعالة، خاصة عندما تكون أسعار الفائدة قريبة من الصفر أو سلبية. ويمكن لصندوق الانتعاش بعد أزمة كوفيد- 19 المقترح أن يحقق هذا الغرض.
إن تحقيق الانسجام بين القدرات المؤسسية النقدية والمالية في منطقة اليورو لن تكون مهمة سهلة. إذ سيتطلب ذلك درجة عالية من تقاسم المخاطر والتنازل عن بعض السيادة الوطنية. لذلك من المحتمل أن تتطلب تغييرات في المعاهدة.
وكان قرار عدم معالجة هذه المشكلة في الاقتراح الفرنسي الألماني قرارًا عمليًا. ومهما كانت أهدافها طموحة، فهي أسهل أن تُستوعب سياسياً مقارنة مع إصلاحات بِنْية منطقة اليورو، التي تهدف إلى دعم استقرار اليورو.
ومع ذلك، يمكن لصندوق الانتعاش المقترح، أن يتيح وقتا لاتخاذ تدابير من أجل معالجة هذه التحديات الطويلة المدى. وعلى الرغم من عدم تصميمه للقيام بذلك، يمكنه أن يخلق قدرة مالية كافية في الاتحاد الأوروبي لتخفيف الضغط على البنك المركزي الأوروبي. ويمكن أن يسمح بتحويلات مؤقتة كبيرة بما يكفي للتعامل مع الآثار غير المتكافئة لأزمة كوفيد- 19 على المدى القصير.
ولكن إذا استمر الانكماش، سترتفع نسب الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي حتمًا، مما يؤكد، مرة أخرى، على الحاجة إلى إصلاح منطقة اليورو. وقد تكون المساهمة الأساسية للصندوق هي تغيير الأرضية في النقاش، وإزالة- أو، على الأقل، إعادة رسم- بعض الخطوط الحمراء المحيطة بتبادل المخاطر وفوائد التحويلات.
إن أزمة أخرى تعني خطوة أخرى إلى الأمام للمشروع الفيدرالي الأوروبي. ولكن هذه ليست “لحظة هاميلتونية” تمامًا كما زعم البعض. وعاجلاً أم آجلاً، ستكون هناك حاجة إلى مراجعة معاهدة الاتحاد الأوروبي لبناء إطار للتنسيق الفعال للسياسة النقدية والمالية، مع الحفاظ على استقلالية البنك المركزي الأوروبي.
إن الحكم الأخير الصادر عن المحكمة الدستورية الاتحادية الألمانية، بأن حكومة البلاد والهيئة التشريعية قد انتهكتا الدستور من خلال عدم مراقبة البنك المركزي الأوروبي على النحو الصحيح، تذكير بأن التقدم سيكون صعبًا دون مراجعة الأسس القانونية والمؤسسية للاتحاد الأوروبي. ولم تُوفر بعد الظروف السياسية الملائمة لتلك الخطوة.
 
ترجمة. نعيمة أبروش Translated by Naaima Abarouch
*شغلت لوكريزيا ريتشلين سابقا، منصب مديرة أبحاث بالبنك المركزي الأوروبي، وتشغل الآن منصب أستاذة علوم الاقتصاد بكلية لندن للأعمال.
 
خاص بـ”الغد” بالتعاون مع بروجيكت سنديكيت