Friday 26th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    26-Nov-2018

مِصر.. «مقهى كبير»! - محمد خروب

الراي -  تحت هذا العنوان المثير والمثقل بالايحاءات والدلالات,كتب د. محمود خليل في صحيفة «الوطن» المصرية يوم الجمعة الماضي،مُقرّراً في البداية ان مصر تحوّلت بـ»قدرة قادر» الى مقهى كبير،لافتاً الى انه وعبر سنين طويلة كان المقهى جزءا من حياة المصريين،ولكن- يُواصِل- خلال السنوات الأخيرة حدَث ما يُمكِن وصفه بـِ»الطفرة» في عدد المقاهي التي يتم افتتاحها.

ثم لا يلبَث ان يُضيء على ظاهرة آخذة في الانتشار,ليس فقط في «مصر»سواء قَصد «القاهرة» ام الجمهورية بأكملها بل دول العالم العربي بهذه الدرجة أم تلك قائلا:
شوارع بأكمَلها تُصبح مقاهي عمومية مفتوحة,بسبب بروز كل صاحب مقهى الى الساحة له،بين كل مقهى ومقهى في شوارعنا يبرز مقهى،شقق وَوُرَش ومحال تتحوّل الى «كافيهات».
ما لفت اليه الكاتب المصري,يدعو للدهشة المحمولة على اسئلة مريرة عمّا اذا كان ما يلفت اليه قد تحوّل بالفِعل الى ظاهرة عربية بامتياز,تخفي في طياتها(او تسعى الى ذلك)اسبابا اجتماعية صعبة آخذة في التفاقم,وبخاصة ان المقاهي لم تعد فقط للمتقاعدين او اؤلئك الذين يسعون الى تزجية الوقت او»سرِقة» بعض الوقت للراحة و»الخلوة»,سواء كانت فردية ام اتّخذت طابعاً اجتماعياً أوسع،كما كانت حال عمّان مثلا في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي,عندما كان يتجمّع هواة الادب والكُتّاب وبعض النشطاء الحِزّبِيين في «زاوية» معينة من المقهى,على نحو بات يعرفها الجميع,وينضم اليها – رغم كل المحاذير ذات الطابَع السياسي – مَن يرغَب,مُتطفِّلا كان ام مَعنياً بما يدور من نقاشات.وكان «وسط البلد» او قاع المدينة هو العنوان،كون عمّان لم تتوسّع إلاّ في اوائل الثمانينيات وما تلاها,فضلا عن ان مقاهي»القاع»كانت الأشهر والأرخص اسعارا والمعروفة»العنوان»..جيّداً.
الطريف في مقالة د. خليل,هو ما أورَده من أرقام حول عدد المقاهي في مصر،والتي يُقدرها البعض وفق ما كتَبَ بـ»2«مليون مقهى,أقلُّها حاصل على تراخيص رسمية للعمل,وأغلبها يعمل بلا ترخيص.مُستنتِجاً ان هذا العدد يعني ان هناك مكانا لـ»كل مصري»داخل المقهى,لأن لدينا - والقول له–مقهى لكل «50 «مواطنا طِبقا لتعداد المصريين.ولا يقف الكاتب عند هذا الاعداد,بل يعود الى الماضي وصولا للعصر العثماني حيث يقول:ان ظهور المقاهي ارتبط به,إذ انتعَش هذا النشاط (يقصِد المقاهي) بصورة ملحوظة.وقد احصى أحد المؤرخين او المُهّتَمّين بانتشار ظاهرة المقاهي,عددها في العام 1880 في القاهرة وحدها,فوجد انه يصل الى 1067 مقهى منها 252 في منطقة الأَزبكية وحدها،مُستعرِضا ارتباط اطلاق اسم «القهوة» على «المكان» بالمشروب التركي الشهير (القهوة التركية) الذي عرَفه المصريون بعد دخول العثمانيين مصر.مُذكِّرا بأن «العثمانلية» قضوا على صناعات وحِرف عديدة كانت منتشرة في انحاء مصر،بسبب نقل «أسطواتها» الى اسطنبول ,الامر الذي ترتَّب عليه انتشار «البطالة» بين قطاع لا بأس به من المصريين،وزاد مِن هذه المشكلة اهتمام كل من المماليك والأتراك بـ»حَلْب» البلاد اكثر من تطويرها وتعميرها,بما يوفر فرص عمل.
هكذا ايضا وبسبب ذلك – ربما – تُشخَّص البطالة كسبب في ظهور المقاهي ورواجها بين المصريين,تماما كما هي الحال الان بين معظم العرب،رغم ان الكاتب يقول انه «تاريخياً ارتبطت نشأة المقاهي بـ»العواطلِّية»,فأغلب اصحابها (اصحاب المقاهي) كانوا وعبر كل العصور والمراحل شكّل العواطلية (وما يزالون بالطبع) الزبائن الأكبر والأهمّ مِمَن لا يجيدون مهنة او حِرفة معينة،فلجأوا الى هذا النشاط بغرض «الإسترزاق»،مع انه للمقاهي.
قد يعترض البعض في عمان وفي غيرها من العواصم والبلدات,على هذا التوصيف ويذهب بعيدا في القول:ان المقاهي الذي باتت في معظمها تحمل صفة «الدولِيّ»وغيرها من الأوصاف,مما يتفنّن اصحابها في وصف مقاهييهم او «كافيهاتهم» بها،باتت عنوانا ومتنفسا لشباب معظمهم اصحاب مهن,أصابوا نجاحا في أعمالهم وهم يقصدون المقاهي او الكافيهات (سمّها ما شئت) للإستراحة المؤقتة وتجاذب الحديث والترويح عن انفسهم,وربما الإنخراط في مناقشة مشاريع وخطط تسمح اجواء المقاهي بإجرائها بعيدا عن القيود الوظيفية والتطفّل,وخارج اطار العمل الرسمي ومواعيده.
ناهيك بالطبع عن عُشّاق الريضة وبخاصة كرة القدم والدوري الإسباني (رويال مدريد وبرشلونة) على وجه الخصوص.
هذا بالطبع لا ينفي وجود ظاهرة الإتّساع اللافت في عدد المقاهي والمطاعِم بالطبع,ما يدعو للتساؤل حول جدواها الاقتصادية.وإلاّ لما أقدم كثير من اصحاب رؤوس الاموال او المغامِرين ان شئتم،على افتتاح اكثر من فرع في اكثر من حي ومنطقة بمساحات كبيرة وديكورات مُكلفة وبالطبع مع اسعار عالية،وتجد هناك من يُدمِن (ذكورا واناثا) على ارتيادها او التنقّل بينها للإستقرار في واحدة منها,حتى باتت عنوانا له/لها يمكن العثور عليه/ها هناك.يتساوى في ذلك المراهقون كما المتقاعدون كما قاصدو الراحة وتزجية الوقت او اللقاءات العاطفية العابِرة،لكنها غدت في الوقت عينه,ظاهرة إجتماعية تُخفي – وربما في طياتها وتبريراتها – اسبابا اجتماعية واقتصادية وقِيمية وثقافية ونفسية,يجدر بعلماء الاجتماع والاقتصاد والامن والسلم الأهلي,دراستها بجدِية وان يتعمّقوا في بروزها على هذا النحو,الذي يصعب تجاهل اكلافه على المديين المتوسط والبعيد. وبخاصة في ظل ارتفاع نِسَب الفقر والبطالة وانخفاض انتاجية الفرد موظفا كان ام عاملا بالاجرة،ناهيك عما يمكن لأجواء غير صِحية,ان تُوفِّره من إمكانات وفُرَصٍ لسلوكات وظواهر اكثر خطورة مما يتبّدى في الظاهر. وأختم بما خلص اليه كاتب المقالة,وإن كنت»لا»أشاركه الرأي تماما في استنتاجه عندما قال:»..ويبقى انتشار المقاهي والكافيهات في مصر بهذه الصورة الكبيرة,يعني أن (العواطلِّية قادِمون)».
kharroub@jpf.com.jo